MY BLUEBERRY NIGHT
ذهبت لهذا الفيلم دون اطلاع دقيق على تاريخ انجازه ولاحتى فكرته كي لاافسد على نفسي مشاهدته ولو كان فيلما تافها ، قلت مع نفسي : حسن لأضيع ساعة ونصف مع فيلم ربما يكون تجاريا لمخرج من هونج كونج .
لكن الفيلم غير حساياتي ، اذ كان افضل الأفلام المعروضة في تلك الصالات المتعددة في مبنى انيق في كل شيء عند تقاطع لويزا الشهير .
الفيلم ببساطة هو فيلم الأفتتاح لمهرجان كان 2007
كما ا ان الفيلم لايحمل من هونج كونج سوى اسم مخرجه اما احداثه وشخصياته واماكنه فهي تقع في ولايتين امريكيتين .
مختصر القصة
جيرمي (جود لو ) يدير مقهى في مدينة نيويورك. اليزابيث (نورا جونز) تكتشف من خلال صاحب المقهى بأن صديقها قد جلس في المقهى ذاتها ولكن مع امرأة اخرى. تغضب اليزابيث وتترك مفاتيح السيارة لدى جيرمي كي يعيدها الى صديقها ان جاء مرة اخرى. تعود اليزابيث الى المكان مرات عدة لكنها لاتجد خبرا عن قدوم صديقها وأخذ المفاتيح حتى تغدو قصة المفاتيح المتروكة في المكان لشهور وبعضها لسنوات موضوعا طريفا بين جيرمي واليزابث.
تقرر اليزابث السفر الى ولاية اخرى ، حيث تعمل في وظيفتين ، في مقهى وفي مطعم ، لتوفير المال لشراء سيارة. وخلال ذلك ظلت ترسل البطاقات البريديه الى جيرمي دون الكشف اين تعيش هي او المكان الذي تعمل فيه. ويحاول جيرمي معرفة مكان عملها دون جدوى.
تلتقي اليزابيث خلال عملها في المطعم بالشرطي ارني (ديفيد ستراثرين ) الذي يعيش توترا بسبب ترك زوجته له سو لين ( الممثلة راشيل وايز ) هذا الرجل ينتهي به المطاف الى تهديد زوجته بالسلاح ثم ضرب صديقها ضربا مبرحا ينهي حياته الى الأبد .
ثم تلتقي اليزابث شخصية اخرى هي ليزلي ( ناتالي بورتمان ) وهذه تمضي وقتا في المقامرة وفي آخر جولة من جولاتها تطلب من اليزابث ان تقرضها بعض المال للمقامرة به وفي حال خسارتها له فسوف تعطيها سيارتها بدلا عن المال . فتوافق اليزابث وتخسر ليزلي وتتنازل عن سيارتها لكنها تطلب من اليزابث ان تصحبها لتعود والدها في المستشفى كي تحصل منه على بعض المال وبعد ان تمضيان وقتا في لاس فيجاس تعلم ليزلي بوفاة والدها وهو مايشكل صدمة لها لكن اليزابث تخفف عنها وقعها ، وتعترف ليزلي انها لم تخسر في المقامرة ولهذا تعيد لها مااقترضته لتشتري اليزابث سيارة جديدة تعيش فيها وقتا مبهجا كي تعود الى انسان احبته بالمصادفة وهو الشاب جيرمي صاحب المقهى الذي ظل يبحث عنها منذ تركها له في آخر زيارة منذ عامين او اكثر ...
مدخل للمعالجة والبناء الفيلمي
تبدو القصة في ظاهرها بسيطة للغاية بل وفيها شيء من الميلودراما ، لكنني اعد ان تلك البساطة هي سر نجاح هذا الفيلم ، فقد بنيت المعالجة الفيلمية ليس على اساس مواقف عابرة في حياة الشخصيات يجري استعراضها من خلال وجهة نظر اليزابث بل بحس انساني عال ، شيء من سيرة حياة كائنات ليلية تدب كما تدب سائر الكائنات المثقلة بأعباء الحياة ، اليزابث منذ الوهلة الأولى تشعر انها ذلك الكائن المشرد الصامت ، بجمالها المشرق وهدوئها تستقبل واقعها بتسليم وتسامح ، هي لاترد المقهى الا وقد انفض روادها ، لااحد في المكان ، سواها وجيرمي تتبادلان احاديث آخر الليل ومابقي من وشل النهار ، كائنان محايدان غريبان عن بعضهما ، جيرمي بعفوية تامة يروي يومياته مع زبائنه ، قصة المفاتيح الكثيرة لأناس مروا من هنا وتركوا مفاتيحهم ، نسوها او امنوها لديه ، رمزية بسيطة لفكرة اوسع لأناس تركوا اثرا ما حيث لااثر لهم حتى ان مقهى جرمي ببساطتها تتحول الى ملاذ لهما ان تكمل معه تلك السويعات الأخيرة من السحر ربما او قبل ذلك ، ليس مهما ، المهم انهما يتقاسمان اوقاتا خاصة في ليل طويل دون ان يمعن احدهما النظر للآخر ..
في هذا الجزء الذي يجري فيه التعريف بالشخصيات الرئيسة ربما تسلل شيء من الملل لتلك الحوارات العادية تماما التي تجري على لساني الشخصيتين لكن تحولا مباغتا سيغير هذا الأنطباع ، انه مزيد من الغوص والأكتشاف ، فبعدما كانت اليزابث هي الضيف على المقهى ستتحول الى مضيف في اماكن اخرى هما المطعم والمقهى اللذين تعمل فيهما لجمع المال من اجل شراء سيارة ..فقط ..هذا حلمها البسيط ..
لكنه سرعان ماتجد نفسها ازاء نماذج ليلية جديدة جديرة بالأكتشاف منها الشرطي شبه المحطم ، الذي فقد عاطفة وحس زوجته ولم يتورع عن بث حزنه لأليزابيث ، لم تتوقع ان كائن الليل هذا ، شبه المحطم والحزين هو نفسه ذاك الذي سيطل عليها في صباح اليوم التالي للأفطار واحتساء القهوة مدججا بسلاحه وبزته الرسمية ، انه رجل الشرطة الحازم الحليق ، مصفوف الشعر ، ثم ثانية الى الليل حيث يضرب صديق الزوجة حتى الموت ...
تصبح اليزابث شاهدا على كل شيء : الزوج الحزين المحطم ، الزوجة التي تشكوه لأليزابيث انه قد حول حياتها الى جحيم ولهذا تركته فمن تتفهم ومع من تتعاطف والى جانب من تكون ؟ ليس مطلوبا منه ذلك بالطبع لكنك تشعر في عفوية ادائها وردود فعلها وقد تحولت الى جزء من حالة كائنات الليل المحطمة هذه .
خلال ذلك لاتنقطع عن ارسال بطاقاتها البريدية واشعارها القصيرة الى جيرمي الذي اكتشفت من خلاله كائنات الليل تلك ، دون ان تكشف عن مكان اقامتها فيماهو يواصل البحث عنها دون جدوى بالأتصال بالعديد من المقاهي والمطاعم معطيا الأسم والوصف ولكن دون ان يصل الى شيء .
النموذج الليلي الآخر هو الفتاة المقامرة ، حيث تجد اليزابث نفسها ازاء تقلبات امرأة تخوض وسط عالم جله من الرجال المحترفين لكنها ستهدي اليزابيث سيارتها ان ساعدتها على مقامرة جديدة لكن التحول حين تشهد اليزابيث احدى اشد اللحظات ايلاما في حياة تلك المقامرة بفقدها والدها عندما تكونان معا في مستشفى في لاس فيجاس .عندها تشعر ان تحولا ما قد شهدته تلك المقامرة ، تحول غير منظور ولا محسوب يجعلها تصحح ماقالته لأليزابيث من خسارتها للعبة ولتعيد اليها مالها وحيث تحقق اليزابث حلمها في شراء السيارة التي تحلم بها والتي ستقلها الى عالمها الليلي الذي غادرته منذ زمن ..المقهى والمطعم الذي يديره جيرمي.
لقد تمكن المخرج من خلال هذه المعالجة من انتشال فيلمه من اي نمط فيلمي تقليدي وعزف بمهارة وشاعرية على ادق المشاعر الذاتية الأنسانية العميقة ..لايقدم الفيلم عريا ولا مشاهد نواد ليليلة ولا حتى قبلا ابدا ، بل يقدم دفئا انسانيا ومشاعر انسانية متأزمة.
الغناء ..الموسيقى ..كل ماهناك
وتعزيزا لهذا البناء المفعم بالحس ، كانت هنالك الأغاني التي حفل بها الفيلم ،اغان انسانية عميقة وشاعرية تدفقت مثل تعليق صاف على كل ماجرى ويجري ، اغان لم تكن في الفيلم الا رجع صدى لأحداثه حتى بدت جزءا اساسيا من بنائه وليس قسما صوتيا عابرا او خارجا عن احداثه ، غنت نورا جونز بعذوبة اضافت لقدرتها العفوية في التمثيل وكانت هنالك اغان اخرى لكات باور وري كودر وروث براون وغيرهم ..
لاادري مااقوله اكثر عن هذا الفيلم .... .. لكن بعض الأفلام تحتاج ان تعيشها اكثر مما تشرحها ..لكنني ربما كنت اكثر قربا من تلك التجارب الفيلمية التي تتداخل فيها اللمسات اليومية التسجيلية في سياق البناء الفيلمي ..وهو مانجح فيه هذا الفيلم الذي ارى ان عنصر تميزه ...يكمن في بساطته .. .
اضاءات اخرى
الممثلة الرئيسة في الفيلم هي نورا جونز ، مغنية البوب الأمريكية الشابة وهي بالأساس موسيقية وكاتبة اغاني ،ظهرت لأول مرة على الشاشة عام 2002 في فيلم ملاحظة لأسبوعين للمخرج مارك لورانس.
اما المخرج ( وونك كار واي ) فهو من اصل صيني عاش في هونك كونك . فيلمه الأول(تدفق الدمع ) اخرجه سنة 1998.
ثم تتابعت افلامه التي تزيد على عشرة افلام روائية وقصيرة.
اما كاتب سيناريو الفيلم فهو كاتب روايات العنف والجريمة والرعب الشهير لورنس بلوك الذي له عشرات الروايات منذ منتصف السبعينيات وتعد كتابته سيناريو هذا الفيلم تحولا في حياته الأدبية