الحلقة الثانية
كنت قد تحدثت في مقال سابق عن مهرجان الخليج السينمائي في دورته الثانية والذي شارك فيه السينمائيون العراقيون بجهود ذاتية وافلام سينمائية مستقلة بأربعة عشر فيلما فازت خمسة منه بأهم جوائز المهرجان وهي الجائزة الأولى لمسابقة الفيلم الروائي الطويل : وحصل عليها فيلم (فجر العالم) للمخرج العراقي عباس فاضل والجائزة الأولى لمسابقة الأفلام الوثائقية وحصل عليها فيلم جبر الوان للمخرج قيس الزبيدي والجائزة الثانية لمسابقة الأفلام الوثائقية وحصل عليها فيلم حياة مابعد السقوط للمخرج قاسم عبد والجائزة الأولى لمسابقة الفيلم القصير وحصل عليها فيلم ارض الرافدين للمخرج فنار احمد والجائزة الثانية لمسابقة افلام الطلبة الوثائقية وحصل عليها فيلم مواطنو المنطقة الحمراء للمخرج مناف شاكر.. وبعد ردود الأفعال التي عبر عنها السينمائيون والمثقفون العراقيون لهذا الفوز مرحبين ومشجعين لزمت وسائل الأعلام العراقية وخاصة الفضائيات الصمت مجتمعة ..وغريب حقا هذا الأجماع على التعتيم على فوز هؤلاء المبدعين ..ولااجد له تفسيرا ..
اذا ..سآتي الآن الى الأفلام المشاركة الأخرى في عرض شامل :
1-- فيلم ارض الرافدين :
اخراج فنار احمد إنتاج: دايفد ب. سورينسن تأليف: جاكوب كاتز تصوير: نايلز أ. هانسن موسيقا: كريستيان وينثر كريستنسن مونتاج: مارتن فريسبطولة: زلال كفاجي , سنان سباهي انتاج : الدنمارك
الفيلم هو الأول لفنار احمد الذي يعيش واسرته في المنفى في الدنمارك منذ سنوات والذي مازال يدرس السينما في احد معاهد السينما هناك .يفتتح الفيلم بتقويم يظهر تواريخ عدة تتوقف عند العام 2020 ..ثم يبدأ الفيلم موحيا ان ماسيقع من احداث هو في ذلك العام وكيف سيكون حال العراقيين يومها ..او كيف ستكون صورة بلاد وادي الرافيدن عندها ؟ يلتقط الفيلم عينة من افراد في خريف العمر مع صبي واحد وكلهم يعيشون في كهف مظلم واحد او شبه نفق ..وكل منهم مثقل بهموم ومحن فهم مشردون عن وطنهم وفارقوا احباء لهم ويرؤيدون التواصل معهم ولاسبيل غير المراسلة عبر الرسائل الورقية ولهذا يتولى شخص كتابة رسائل هؤلاء المعذبين على الآلة الكاتبة القديمة وارسال تلك الرسائل الى اشخاص في العديد من المنفي ويظهر الشقاء والحياة القاسية وهي مطبقة على هؤلاء وهم يعومن في وسط عتمة شبه تامة بملابس رثة ووجوه مليئة بالشكوى ..ومضى الفيلم بأكمله في وسط ذلك القمقم المعتم ..واعتقد انه بالرغم من تفوق الفيلم فنيا وجماليا مما اهله لنيل الجائزة الا انه بالغ في السوداوية وقدم صورة كابوسية مغرقة في اليأس لاسيما عندما وضع نبوءة عجيبة بأن ارض الرافدين ستكون هكذا عام 2020 وهو عام مهم في حياة الماليزيين مثلا لأنه العام الذي يفترض ان يبلغوا مصاف الدول المتقدمة والأكثر نموا بينما اعاد هذا الفيلم العراقيين الى قاع معتم بلا قرار ..
2- فيلم مواطنو المنطقة الحمراء :
اخراج وتأليف وموسيقى ومونتاج مناف شاكروثائقي – مسابقة افلام الطلبة : الطول 57 دقيقة
يتحدث الفيلم عن تفاصيل عمل فرقة مسرحية من الشباب اعتمدوا على انفسهم وعلى امكاناتهم الذاتية في تشكيل تلك الفرقة التي تتألف من مسرحيين درسوا او هم على مقاعد الدراسة في كلية الفنون الجميلة وكيف بدأوا والمصاعب الجمة التي واجهتهم وتجاهل الكثير من المؤسسات لأبداعم وحتى من اناس قريبين منهم ومع ذلك يواصلون مهمتهم بشجاعة ويحرصون على ان يكونوا دوما قريبين من نبض الشارع والحياة اليومية متحدين شتى انواع المخاطر التي تجابههم يوميا فهم كغيرهم من العراقيين يتشاركون في العيش في المنطقة الحمراء المشاعة للعنف والقتل والتهجير وسائر الأنتهاكات الوحشية والبربرية التي اذاقت العراقيين الأمرين .
3- فيلم آني اسمي محمد
إخراج: , بان س. شباب , سنان نجم عبدالله , يحيى حسن العلاق إنتاج: أحمد التكروري , إسراء أنرحيم , إيزابيل ستيد , رناد عبدالباقي , قاسم خرسة , محمد الداردجي , محمود الأزي تأليف: أحمد ياسين الدراجي , حيدر براح , عمار جودة , نادية عليوات
يقدم الفيلم صورة مأساوية قاتمة وبكائية اخرى عن حياة العراقيين اليوم عن الطفل محمد الذي يعما ماسحا للأحذية لمساعدة اسرته المهجرة والتي تعيش في عمان والحوار الذي يتم بينها وبين شقيقته ريم ..والفيلم هو جزء من ورشة سينمائية اقيمت في الأردن ولهذا تجد اسماءا كثيرة لكل تخصص سواء في الأخراج او التصوير او المونتاج ..
4- فيلم جندي مكلف
– انتاج اخراج بشير الماجد – (فيلم قصير) تصوير: حيدر ابراهيم موسيقا: علي أبو شهد
مونتاج: صلاح الأديب بطولة: علي فرحان , علي داخل
ربما يكون هذا الفيلم هو الكوميدي الوحيد الذي شاهدته في المهرجان والذي امتع الجمهور واضحكهم حقا بالرغم من كونه من نوع الكوميديا السوداء المرة حيث يتحدثعن جندي شاب انهكته الحرب ويخشى نهايته الحتمية في الموت الذي ينتظره كنتتيجة لأحدى المعارك المأساوية لتلك الحرب الكارثية الرهيبة والجنونية المسماة ( القادسية الثانية ) ورغم ذلك وفي اطار البروباغاندا اليومية للنظام التي دجنت الملايين تحت غسيل دماغ هائل وترهيب وقتل فأن الأب ( الممثل علي داخل) يدفع ابنه للحرب ويحثه للذهاب الى الجبهة لكي يقتل هناك فيما يتمتع الأب بمكرمة القائد من سيارة واموال ..وسط سخط الأبن الذي يعامل بقسوة ..وينتهي الفيلم بخوض الأب تجربة ان يكون هو جنديا تحت امرة ابنه .
5- فيلم بريس
– انتاج واخراج هاشم العيفاري – (فيلم قصير ) تأليف: موفق مجيد تصوير: حسين هاشم موسيقا: هاشم العيفاري مونتاج: هاشم العيفاري تمثيل : صادق الوالي , فائز العبد الله
يتحدث الفيلم عن مهنة الخطر وهي مهنة الصحافة وعلى خلفيات اصوات زعماء العراق المتعاقبين من العهد الملكي وحتى الساعة يجري تقديم صور لمصاعب مهنة الصحافة وضحاياها من المافعين عن الكلمة الحرة وفي تقديري انها بداية طيبة لهاشم الذي التقيه للمرة الأولى واشاهد فيلما له .
6- فيلم نورا
انتاج وتأليف ومونتاج واخراج محمد توفيق تصوير كاميران ابراهيم
الفيلم من لقطة واحدة ويكعس ازدواجية تعبر عنها سيدة تعيش في الغرب فهي التي تتعامل بجفاء مع طليقها وتمنحه الفرصة لأخذ اولاده نهاية الأسبوع فأنها تتودد لصديقها وفيما هي تقترب من المنزل سرعان ماترتدي الزي الشرعي وتغطي شعرها كي تظهر بالمظهر المطلوب امام الزوج السابق وربما امام آخرين وقد اشار المخرج في معرض تعليقه الى انها ظاهرة عامة في المجتمعات الغربية تتمثل في ارتفاع معدلات الطلاق بين الجاليات العربية والمسلمة و الفصام الذي تعانيه بعض النساء بين ماترغب فيه من شكل للحياة ومايفرضه الآخرون عليها .
7- فيلم انا هو انا هي
–انتاج وتصوير ومونتاج و اخراج علي عساف (فيلم قصير)
يتحدث الفيلم عن ظاهرة كارثية تعصف بالمجتمع العراقي الا وهي الظاهرة العرقية والأثنية والمذهبية الطائفية التي تسببت في مشكلة الفرز الأثني ودفعت بالناس الى التعبير عن انفسهم بهذه الطريقة التي تتسبب في تمزيق وحدة أي مجتمع ..وبعد ان يشهر الشاب والشابة في الفيلم انتماءه العرقي فتارة هو من مذهب كذا وهي من الأثنية كذا ولاتبقى اثنية دون ان يعبر عنها الأثنان على خلفية صور الدمار الذي خلفته الحرب ومشاهد القصف والترويع ..ينتهي الفيلم بالتحام الأثنين بمقولة : انا هو ..انا هي ..
8- فيلم فايروس –
تأليف وانتاج وتصوير و اخراج جمال امين ( فيلم قصير ) وهو يضاف الى رصيد جمال المتواصل فالفيلم يتحدث ببساطة عن خمسة اصدقاء عراقيين يقيمون في الدنمارك تجمعهم رحلة بالباص ويتبادلون الأحاديث التي سرعان ماستأخذ مسارا طائفيا عندما يعبر كل واحد منهم عن انتماءه العرقي والأثني ويتطور الحوار الأخوي الى جدل ومناقشات جدية حتى ان ذلك يتسبب في اختلافهم في اية موسيقى او غناء يسمعون لينتهي بهم الأمر الى انقسام عرقي يدفع الى تغيير فكرة الرحلة اذ يغادر بعضهم السيارة فيما يواصل الآخرون ..لكن عطل السيارة يجمعهم مجددا ..
9- فيلم جبر الوان
– اخراج قيس الزبيدي (وثائقي )
يتناول الفيلم جانب من سيرة الرسام العراقي المعروف جبر علوان والمقيم في روما والمعروف بأسلوبه المميز وتجربته الجادة في فن الرسم فهو واحد من الرسامين غزيري الأنتاج والموضوعات والفيلم يتابع يومياته في داخل مرسمه في روما وتنقلاته حيث يعيش فضلا عن علاقاته وصداقاته وسفره ومنفاه وهو خلاب ذلك يعرض رؤاه وكيف ينظر لتجربته وكيف ينظر للمنفى وللأبداع وقد حرص الفيلم على تعزيز الصورة الفيلمية بالموسيقى العراقية والشرقية وبأحاديث متنوعة لجبر علوان .
10- فيلم عكس الضوء
يعرض الفيلم لجانب من سيرة الفنان التشكيلي العراقي الكبير محمود صبري وهو واحد من ابرز رموز جيل التجديد في فن الرسم اذ يضاف الى فائق حسن وحافظ الدروبي وغيرهم من المبدعين ويعرض الفيلم لتجربة هذا الرائد الكبير وهو الذي يعيش حياة صوفية ابداعية متأثرا لنظرية الكم ويعرض له وقد اخضع نفسه الى نظام دقيق في العمل والأبداع ..وهو يعيش في منفاه في براغ منذ سنوات طوال .
11- فيلم حياة مابعد السقوط –
يعرض الفيلم من وجهة نظر المخرج نفسه ومشاهداته بعد عودته من المنفى لزيارة اسرته وبعد سقوط النظام السابق وخضوع العراق للأحتلال ، يعرض الفيلم تفاصيل الحياة اليومية لأشقاء المخرج واسرهم ومكابدات حياتهم والمصاعب التي يواجهونها واجواء الصراعات الطائفية المحيطة بهم فضلا عن التحولات الكبرى التي عصفت بالعراق كأعتقال الرئيس السابق و الأنتخابات ومشاعر القلق والترقب والخوف في موازاة الأمل والتفاؤل وهي مشاعر وانطباعات العراقيين انفسهم ويتعمق المخرج في يوميات اسرته فيواكب والده الكهل وهو يلفظ انفاسه وحادثة اختطاف شقيقه وملابسات اختطافه وتفاصيل كثيرة اخرى .
12- فيلم عدسات مفتوحة
–سيناريو وتصوير ومونتاج و اخراج ميسون باججي ( وثائقي)
تدور احدث الفيلم حول مجموعة من النساء العراقيت من عدة محافظات وهن ضمن دورة في التصوير الفوتوغرافي تقام لهن في العاصمة السورية دمشق تحت اشراف مصورة صحافية بريطانية محترفة وتعيش النساء سوية ويتقاسمن جميع التفاصيل ثم تبدأ كل واحدة منهن برواية قصة حياتها واهم المنعطفات فيها وتتضح معاناة مريرة لأولئك النسوة لثقل المحنة التي وقعت عليهن من جراء الحروب وخاصة تحت ظل الأحتلال من خوف وقتل واغتيال اعزاء عليهن وحياتهن وحياة اسرهن المهددة .
13 –فيلم ذاكرة وجذور
انتاج واخراج فاروق داوود
فيلم يكتظ بالوثائق التي نتصور الحياة اليومية للعراقيين وفي بغداد خاصة في مطلع القرن الماضي ، وهي وثائق فريدة من نوعها حصل عليها المخرج من الأرشيف الروسي ويتم عرضها خلفية لآراء وتحولات وفكر الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان وجزء مهم من سيرته فضلا مع مقابلات مع جلال الماشطة للحديث بشكل معمق عن الثقافة العراقية بشكل عام وجيل الخمسينيات في الرواية والقصة العراقية وخاصة المبدع غائب طعمة فرمان الذي يطل في هذا الفيلم متحدثا ومعلقا .
وهنالك اربعة اخرى افلام يؤسفني اني لم اشاهدها ولهذا لااستطيع الكلام عنها وهي :
فيلم روح السينما لعلي هاشم حسين وفيلم انظر لهم للؤي فاضل و فيلم حروب الكبار (للأطفال ) لعرفان رشيد وفيلم هذا ماخسرت لدريد منجم .
توصيات وملاحظات
وبعد ان عرضت للأفلام المشاركة ونوهت في المقالات الثلاثة في كتابات الى جوانب عديدة تتعلق بمشارة السينمائيين العراقيين ..فأنني احثهم جميعا الى الأستعداد الجدي من الآن للدورة المقبلة وانجاز افلام جديرة بالعرض والمنافسة ...ولتجاوز الهفوات والمشكلات التي ستظعف من افلامهم وتحرمهم فرصة المشاركة او المنافسة بودي ان الفت انظار الجميع الى الملاحظات الآتية لتفاديها قدر المستطاع ..وهي في كل الأحوال ملاحظاتي ومقترحاتي وآرائي الشخصية ..
اولا – ان محنة شعبنا وماتعرض له من مآسي واحداث كارثية تمثل في الحروب والطغيان وظلم الدكتاتورية والأحتلال جعلت واقعنا صفحة مكشوفة للقاصي والداني وحتى ادق دقائق الحياة اليومية للعراقيين قدمتها الفضائيات على مدى السنوات الماضية بما فيها فضائع القتل العشوائي والطائفي وماالى ذلك ...بناءا على ذلك لن يكون مفيدا اجترار تلك القصص وتكرارها ..ولابد من البناء عليها في تقدبم صورة اخرى نابضة بالحياة رفغم التراجيديا والمأساة التي تستند اليها ...
ثانيا : تحاشي البكائيات والنظرة السوداوية واستدرار عطف الآخرين في الأفلام المقدمة ..
ثالثا : الأبتعاد نهائيا عن الأفلام التي تسمى افلاما وان هي الا تمثيليات تلفزيونية مثقلة بالحوارات المملة واللغو .
رابعا : التجريب ..التجريب ثم التجريب والتجديد في الشكل والموضوع وجماليات الصورة واساليب المونتاج ..
خامسا : منح المكان اهمية خاصة والغوص فيه وفي تفاصيله لأن ذلك يمنح عمقا للفيلم وللشخصيات والأحداث ..
سادسا : في حال الميل للأفلام ذات الحوار فيجب الأشتغال الدقيق والعميق على الحوار وان يكون لكل كلمة دور ومعنى واهمية وان تخرج الأفلام عن الترهل واللغو والثرثرة المملة ..
سابعا : الكف عن الظرب على اوتار الطائفية والعنصرية بين العراقيين ..والبحث الجاد عن موضوعات اخرى تهم الأنسان العراقي وتطلعاته بعد ان سأم الجميع تلك الأسطوانة المملة ..
ثامنا : التقاط قصص تهم جيل الشباب وتطلعاتهم وحياتهم اليومية .
متمنيا للجميع النجاح ..