سينما البلدان الأشتراكية (سابقا) عندما تنافس وتنتزع الجوائز
د.طاهر علوان
بروكسل
تتواصل المؤسسات الثقافية الأوربية والتي تعنى بالأنتاج السمعي البصري في ايجاد مزيد من المنافذ التي تتيح لمزيد من السينمائيين الأوربيين التعريف بمنجزهم ولعل المقصود هنا هو سينمائيو بلدان المجموعة الأوربية التي انضمت حديثا للأتحاد ومنها رومانيا وهنغاريا وبلغاريا وغيرها . وعلى هذا كان المهرجان فرصة اتاحت لجمهور فن الفيلم التعرف على المنجز السينمائي لهذه البلدان فضلا عن التواصل مع التجارب السينمائية الراسخة والمعروفة جيدا لدى الجمهور ومنها السينما الفرنسية والألمانية والأيطالية بشكل خاص. وقد اقيم مؤخرا في العاصمة البلجيكية بروكسل مهرجان السينما الأوربية في دورته الخامسة وبالرغم من حداثة هذا المهرجان اذ اتم دورته الخامسة الا انه سعى من خلال هذه الدورة الى تأكيد هويته الثقافية الداعمة للمنجز السينمائي الأوربي بصفة عامة والى ان يدفع الى الواجهة بالتجارب الجديدة . ولعل من الملفت للنظر هو ان المهرجان يسعى الى تأسيس التقاليد اكثر من كونه مهرجانا يتميز بالفخامة وسعة الرواج والدعاية الأعلامية ويشهد على ذلك تواضع قيمة الجوائز التي منحت للفائزين في هذه الدورة (اغلبها لم يتعد مبلغ الفان وخمسمائة يورو (ماعدا الجوائز الكبرى ) . وهذا مؤشر مهم بأن قيمة المهرجانات ليس في كمية الأنفاق في مقابل ضعف المحصلة الفنية والأبداعية . على هذا انطلقت فعاليات المهرجان ودخل مسابقته الرسمية اربعة عشرفيلما حديثا توزعت بمعدل فيلمان من كل من الدنمارك وفرنسا وبلجيكا و فيلم واحد من كل من بريطانيا وهولندا وهنغاريا والسويد ورومانيا وفنلندا واسبانيا والمانيا. وقد شكلت لهذا الغرض لجنة تحكيم من عدد من السينمائيين المرموقين من عدد من بلدان القارة الأوربية . ونبدأ الحديث عن اهم الأفلام المشاركة في المهرجان بالفيلم الدنماركي (اي اف ار) و تجري احداثه في اجواء بوليسية غامضة عن حادثة اغتيال رئيس الوزراء (اندريس فوغ راسموسين) ولهذا حمل الفليم هذا العنوان وهي الأحرف الأولى من اسمه . ويذهب الفيلم الى استقصاء شخصية القتيل من خلال علاقاته وتاريخه السياسي وآراء زملائه في العمل ومن يعرفونه عن قرب ليتابع في الجانب الآخر دوافع الجاني (أ.ايميل) وحياة هذا الأخير لاتقل غموضا وتداخلا عن الجريمة ذاتها . ويمزج المخرج مزجا ملفتا بين الدوافع السياسية والدوافع الأجرامية ويحرك في جمهوره رغبة جامحة في التعرف على الحقائق وفك غموضها وملابساتها . والفيلم هو للمخرج مورتن كلابرز وهومشارك في كتابة السيناريو وفي الأنتاج ..كما انه يؤدي دور القاتل نفسه في الفيلم . واما فيلم (مهنة انسان) فهو يمضي في الحياة الداخلية والذهنية للأنسان فشخصية (جوها ) الملتبسة في هذا الفيلم تدفعه الى الشك في كثير مما حوله وبما في ذلك الشك في القدرات العقلية لزوجته ممايدفعه الى التفكير في الكيفية التي يستطيع من خلالها ان يتعرف على الحقيقة ومابين سلسلة من الأفكار الأفتراضية يمضي جوها في حياة تزدحم فيها الأحلام بالمخاوف والشكوك . والفيلم يتميز ببعده النفسي و بمهارة المخرج في ادارة شخصياته بتلقائية واضحة . الفيلم هو للمخرج اليكسي سالمنبيرا ومن تمثيل تومي كوربيلا و جاني فولنين. ومن رومانيا يقدم المهرجان فيلم (كالفورنيا :حلم غير منته) للمخرج كرستيان نيميسكو وقد حمل هذا الفيلم وقعا خاصا في المهرجان بالنظر الى ان مخرجه مازال شابا في بداية مشواره السينمائي (يبلغ من العمر 27 عاما ) لكنه توفي في حادث سير قبيل اكمال مونتاج فيلمه هذا . ويحكي الفيلم قصة رحلة قطار متجه الى كوسوفو حاملا مساعدات من قبل الحلف الأطلسي الى تلك البلاد ولكن وعند مرور القطار في احدى القرى الرومانية يتعرض الى اعتداء ونهب لبعض الوثائق وخلال ذلك يسعى مأمورمحطة القطار الى الوصول الى الحقيقةقبل ان تتحول الحادثة الى مشكلة سياسية ذات باعاد خطيرة . اما الفيلم البريطاني الذي حمل عنوان (موت الرئيس ) وهو مختصر الكلمات الأنجليزية (ديث اوف ذي بريزيدينت : دي .او .بي) هذا الفيلم للمخرج كابرييل رينج يتميز بطرافته فهو يمزج كثيرا بين مانعيشه في عالمنا اليوم من وقائع واحداث وبين ماهو افتراضي ومتخيل وبالأخص لجهة الأحداث السياسية . ومعلوم ان قصة اغتيالات محاولات رؤساء امريكا تكررت مرات عدة في العديد من الأفلام الأمركية خاصة والآن يأتي دور هذا المخرج البريطاني ليقدم لنا قصة متخيلة لأغتيال الرئيس الحالي على يد شخص من اصل سوري وذلك على خلفية احتجاجات وتظاهرات متكررة احتجاجا على الرئيس وسياساته لكن المفارقة تكمن في السؤال: اذا كانت الأحتجاجات محلية وتتعلق بالشأن الداخلي ضد الرئيس فلم يكون الجاني من اصل عربي حصرا ؟ لماذا ؟ وهو سؤال عجز عن الأجابة عنه . المهم ان الفيلمة يفبرك قصته هذه في مزيج من الأحداث السياسية اليومية بالأخرى المفترضة ولايخلو الفيلم من كليشيهات النمط الأمريكي في الأداء ويستفيد الفيلم في كل الأحوال استفادة كبرى من الأحداث اليومية والوقائع السياسية المعلومة لدى الجميع اليوم . اما الفيلم البلجيكي (فولرز شوفو) للمخرج ميشيل والد فيقدم لنا تجربة جديدة لهذا المخرج البلجيكي المتجدد اذ سبق له ان نال احدى جوائز مهرجان كان للعام 2004 ومعروف بتخصصه وتميزه في مجال الفليم القصير . تقع احداث فيلمه هذا في مكان ما من غرب اوربا في سنة 1856 حيث يذهب شقيقان هما يعقوب وفلاديمير للقتال في صفوف القوزاق ويتلقون التدريب في البداية وفي الوقت ذاته يكون شقيقان اخران قد قدما لتفس الغاية من مدينة نائية اخرى . يقدم الفيلم خلاصات نفسية واجتماعية مكثفة لحالات هؤلاء الأشتقاء الذين تلتقي غاياتهم واهدافهم وتتقاطع في آن واحد وبشكل ملفت في هذا الفيلم . ويقدم الفيلم الهنغاري (رحلة اسكا ) للمخرج كسابا بولوك قصة الفتاة اسكا ذات الأثني عشر ربيعا التي تعيش حياة اسرية مضطربة في وسط والدين مدمنين على الكحول وشقيقة مريضة مرضا مزمنا فتجد هذه الفتاة اليافعة نفسها مسؤولة عن ايجاد مورد من اجل العيش اذ تعمل على جمع قطع المعدن من هنا وهناك لغرض بيعها والأستفادة من ثمنها لكن دارا للعجزة تجد ان من واجبها مد يد العون لهذه الأسرة المحطمة فتتولى شأن معيشة الطفلتين . لكن ميزة اسكا انها تقرأ المكان وتعيشه بشكل مختلف اذ انها وهي وسط دوامتها هذه تريد ان تعود الى اماكن عدة تعيد لها جزءا جميلا من ذاكرتها وافكارها في اداء عفوي قدم للجمهور ممثلة متمكنة من اداء دورها في هذا الفيلم . ومن فرنسا جاء الفيلم (نلتقي مرة اخرى )للمخرج ديفيد اوليهوفين ليقدم قصة اجتماعية مؤثرة تتحدث عن افتراق اب عن ابنه لسنوات عدة وفجأة يعود الأب دون سابق موعد وعندما يعود يحاول جاهدا ابعاد جميع الذكريات السيئة الماضية عن ذهنه .وعودة الأب بالنسبة للأبن تحمل في هذه الأثناء كثيرا من المشاعر المتناقضة والغريبة حيث يختلط فيها ماهو وجداني وعاطفي بماهو واقعي معاش من جهة سعي الأب الى ايجاد سبيل نحو حياة اخرى جديدة من خلال عمل ما يمكن ان يجمع الأثنين جنبا الى جنب ويوحد مشاعرهما نحو بعضهما البعض الآخر . لقد سعى المخرج اوليهوفين في فيلمه الدرامي الأول الطويل الى ايجاد موازنة ما بين البعد السيكولوجي العميق للشخصيات وبين استخدامه التقنيات الحديثة وهو مامكنه من تقديم فيلم واقعي متماسك جدير بالمشاهدة على بساطته لكنه اعطى مشاهديه بعدا انسانيا موازيا . ومن اسبانيا جاء المخرج جامي روساليس بفيلمه (لاسوليداد ) وهو فيلم يتابع حياة سيدتين من خلال قصتين متوازيتين لعالمين يبدوان مختلفين في الشكل لكنهما يلتقيان في الفكرة الأنسانية العميقة وربما كانت ميزة هذا الفيلم هو الأستخدام المتقن للتقنيات الفيلمية التي جعلت من فيلمه محط اعجاب مشاهديه حتى انه يقترب في معالجته من نوع السينما التجريبية فمثلا غالبا ماكان المخرج يعمد الى تقسيم الشاشة الى قسمين ليروي الحدثين المنفصلين لشخصيتين تعيش كل منه عالمها الخاص . وبعد هذا العرض المكثف لأهم الأفلام المشاركة نأتي الى نتائج المهرجان وجوائزه . حيث ذهبت جائزة احسن فيلم الى رومانيا من خلال فيلم (كاليفورنيا :حلم غير منته) للمخرج كرستيان نيميسكو وتبلغ قيمة الجائزة النقدية عشرة الاف يورو منحتها ادراة مدينة بروكسل للفيلم الفائز . اما جائزة احسن تمثيل فقد فازت بها الممثلتان ماريا فارغا و ماريان اوراش وكلاهما من هنغاريا وذلك عن فيلم (رحلة اسكا ) للمخرج كسابا بولوك . وفاز الفيلم الروماني الذي سبق وفاز بجائزة احسن فيلم بجائزة اخرى وهي جائزة الجمهور ايضا وهي ظاهرة ملفتة للنظر بالنسبة للتجربة السينمائية للدول الخارجة من عتمة المراحل السابقة كحكم تشاوتشيسكو.. وحصل الفيلم البريطاني (موت الرئيس) للمخرج كابرييل رينج على جائزة احسن فيلم التي تخصصها مؤسسة الأذاعة والتلفزيون في بلجيكا والمعروفة ب (ار تي بي ).. وعاد الفيلم الروماني آنف الذكر الى منصة الجوائز ليقطف جائزة ثالثة هي جائزة احسن فيلم التي تسندها محطة التلفزة الثقافية البلجيكية الشهيرة (CANVAS). ومنحت محطة التلفزة البلجيكية بي تي في جائزتها لأحسن فيلم للفيلم البريطاني سالف الذكر ليحصد جائزتين من جوائز المهرجان . ..................