Cannes 08
فيلم الصف اعاد لفرنسا سعفتها الذهبية وكازاخستان تلفت انظار الجمهور الغربي
-2-
كان – د.طاهر علوان
تحدثنا في مقال سابق عن كان المهرجان واجواؤه وكونه ملتقى للأبداع والثقافات ، وكونه يفتح آفاقا للتنوع لايجاريه فيها مهرجان آخر ، وسأمضي في تتبع اهم الأفلام التي عرضت في المهرجان وسأبدأ بالفيلم الحائز على السعفة الذهبية .
الفيلم حمل عنوان (الصف ) او بين الجدران لمخرجه الفرنسي لورون كانتيه وهو فيلم يستحق وقفة عند بنائه واحداثه .
تقع احداث الفيلم بكاملة في اروقة مدرسة متوسطة وتحديدا في داخل صف او فصل دراسي وكل الفيلم حوارات تقع مابين الطلبة ومدرس اللغة الفرنسية ( الممثل فرانسواز بيكوديو ) وللعلم فأن بطل الفيلم هذا الذي يؤدي دور المدرس هو مدرس حقيقي وان كتابا انجزه ونشره يحمل فكرة هذا الفيلم كما انه كاتب سيناريو الفيلم .
المهم ، ان حوارات يومية معتادة تتكرر بين اي مدرس وطلابه في اية مدرسة هي كل مافي الفيلم لكن الفيلم مبني سيكولوجيا على توجهات ونزعات الأولاد المراهقين والبنات ايضا وردود افعالهم وافكارهم التي تقود الى حوارات ندية محتدمة مع المدرس يجري خلالها ابراز قيم سلوكية متعددة ومعقدة بتعدد وتعقيد المجتمعات المعاصرة في اوربا من جهة احتضانها العديد من الجاليات الأجنبية التي تتجمع في هذا الفيلم .يعمد المدرس الى دفع طلابه الى الكتابة عن انفسهم ،ان يصفوا افكارهم ومايحبون ومالايحبون وهو نوع من الممارسة الحيوية للتعريف بالذات من جهة وتطوير المهارات الفردية في اللغة الفرنسية ، لكن هذه الفعالية تدفع الى اكتشاف طالب عنيف وعدواني وهو سليمان القادم من مالي والذي يجابه المدرس والطلاب على السواء بنزقه ورفضه ويتحول الى مشكلة كبيرة ومعقدة للمدرس الشاب وللمدرسة التي تقرر طرد سليمان الى مدرسة اخرى تخلصا من مشاكله ..ويعرض الفيلم لسلوكيات الطلبة المنتمين للعديد من الجاليات والذين يجدون في حصة مادة اللغة الفرنسية للتعريف بأنفسهم وخوض معركة كلامية مع المدرس ..الفيلم تميز ببراعة استخدام الحوار فعلى مدى ساعة وثلث الساعة من الحوارات المحتدمة وفي اطار الصف الدراسي لايشعر المشاهد بالملل مما يجري حوله وفي كل الأحوال حمل الفيلم صفة اختلاف اساسية عن نمطية الأفلام الروائية وهي ان ممثلوا الفيلم جميعا شخصيات حقيقية ابتداءا من الطلبة ومدير المدرسة وانتهاءا بأستاذ اللغة الفرنسية فرانسوا ، وبين هذا وذاك يقدم الفيلم مزيجا مما هو تسجيلي وما هو روائي حتى انك لاتتمكن من تحديد نقطة بدء وانتهاء في بناء سردي قائم على الفعل في اللحظة اكثر من كونه ميلودراما قائمة على صراع وتصاعد للأحداث وفي كل الأحوال اثار الفيلم دهشة الجميع بنيله الجائزة الكبرى للمهرجان التي جعلت من طلبة تلك المدرسة الواقعة في ضواحي باريس التي تعج بالمهاجرين ، جعل منهم نجوما اعتلوا خشبة المسرح وحف بهم مئات الصحافيين . هذا الفيلم اعاد فرنسا الى نيل جائزة مهرجان كان بعدما حرمت منها قرابة 20 عاما منذ فيلم المخرج الشهير موريس بيالا الذي نال آخر سعفة ذهبية من كان
فيلم الأعجاب الذي لم يعجب المحكمين
.
الفيلم الآخر الذي من المهم تسليط الضوء عليه حمل عنوان ( الأعجاب ) من كندا للمخرج اتوم اكويان وهذا الفيلم تميز ببنائه المتقن وتعدد مستويات السرد السينمائي فيه وهو يعالج قضايا شائكة معاصرة يقع الشرق العربي في قلبها سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة ولكن بطريقة محكمة وعالية الأحتراف ، فالمدرسة الشابة تقرأ على طلابها مقالا عن شاب فلسطيني يعيش في كندا وتربطه علاقة عاطفية مع فتاة كندية .. وهو يواجه مشاكل في العمل ..هذه الملامح البسيطة للعلاقة بين الأثنين تلهم احد طلبة هذه المدرسة ان يكتب رؤياه عما سمع ، حيث تطلب المدرسة من كل طالب ان يكتب رؤياه الخاصة فيتخيل انه هو ذلك الجنين الذي تحمله تلك السيدة الكندية وان اباه هو ذلك الفلسطيني وتتحول هذه القصة الى مشكلة بين اسرة الشاب والمدرسة بينما يتضح من سير الأحداث ان المدرسة لبنانية الأصل وفقدت والداها في الحرب بينما فقد الطالب ذويه في حادث غامض وهو يعيش اليوم في كنف خاله او عمه .. وتتصاعد الدراما في الفيلم وتتداخل ازمنة السرد وتثار نقاشات عن الأسلام والأديان الأخرى وعن فلسطين ..واستطيع ان اقول ان هذا الفيلم هو احد اروع افلام المهرجان الا ان من المؤسف انه لم يحظ بأية جائزة .
كازاخستان تظهر على خريطة السينما للمرة الأولى
نأتي الى الفيلم الفائز بجائزة نظرة ما وهو فيلم تولبان لمخرجه سيرجي دفورتسفوي وهو من كازاخستان بأنتاج الماني . هذا الفيلم يستحق وقفة خاصة لعدة اسباب من اهمها الحفاوة البالغة التي قوبل بها بعد عرضه واهتمام الجمهور العريض به ، في ظل حضور فريق عمل الفيلم ومنتجته الألمانية ممثلة شبكة ( زد. دي .اف ) والسبب الآخر هو اهمية التعرض لموضوع الفيلم .
تقع احداث الفيلم في شبه بيئة صحراوية حيث تعيش عائلة من زوج وزوجة وطفلين في شبه بيت ريفي فقير وقذر وهم يرعون قطعانان من الماشية .. وتنقصهم المياه ..ويزورهم شقيق الزوجة الذي يعمل بحارا في الجيش الكازاخي ، وهو يروي لهم ماشاهده في عمله بحضور رجل كهل وعجوز متهالكة وسائق تراكتور وكلهم يرتدون ملابس قذرة وشبه اسمال ، والطفل الصغير بمستطاعه التبول في وعاء قرب مكان جلوس الجميع . وبالطبع هم يواجهون العواصف والقحط بشكل مستمر ، ويقدم الفيلم سائق التراكتور وهو يعلق الصور الخليعة ويستمع متراقصا الى اغنية فريق ( بوني ام ) الشهيرة التي تمجد بالصهيونية التي تستذكر السبي البابلي ..ويجري تكرار هذه الأغنية مرارا بطريقة مستهجنة ومريبة .وبعد عرض الفيلم مباشرة واحتفاء الجمهور به وتصفيقهم الذي لم ينقطع التقيت كاتب السيناريو وسألته عن مغزى استخدام هذه الأغنية الجارحة للمشاعر ، فأجابني اجابة تدل على جهل فاضح اذ قال : لقد اخترنا هذه الأغنية لأنها جميلة وتبعث على الفرح ..! فلما سألته : هل تعلم فحوى كلماتها ؟ قال متلعثما ، لا... فلما رددت على مسامعه كلماتها باللغة الأنكليزية وانها كلمات جارحة واستفزازية ..قال ..انني آسف لذلك ..
الفيلم من اوله الى آخره هو مكابدات ومصاعب العيش والفقر لهذه العائلة ..ويومياتها ..يضاف الى ذلك مشاهد مصنوعة بعناية كبيرة ومنا الخصام الذي يقع بين البحار وبين زوج شقيقته حيث يعيش معهم وهو مايدفعه الى ترك المنزل في جو عاصف وفي طريقه في شبه الصحراء يعثر على نعجة في حالة الوضع ..فيقوم بجهد حقيقي لأخراج وليدها من رحمها وقد تم تصوير المشهد كاملا ..وهو مااثار الجمهور الغربي الحاضر ورافق المشهد بالتصفيق ، ومن الغرائبيات الأخرى هو استمرار الطفلة بنوع من الغناء يشبه الصراخ ..مما يثير الضحك ..ثم تشبيه سائق التراكتور للبحار بأنه يشبه زوج الأميرة ديانا من جهة حجم الأذن !!!
الفيلم برمته يعمق نظرة استشراقية قوامها الفرجة على تلك العائلة المعدمة وهي تقدم عرضا زاخرا قوامه التدريب الواضح والمتقن للممثلين واعتماد الحياة الواقعية كما هي وهو ما جعل الفيلم مؤهلا لنيل جائزة نظرة ما تدعمه بالطبع مسألة مهمة كونه من انتاج الماني وقد حضر طاقم الأنتاج الألماني مع الفيلم للترويج له .