مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يختتم دورته31

الأرهاب والحروب والأغتراب في حلبة المنافسة على الجوائز

د.طاهر علوان – القاهرة



لاادري ان كان من المهم ان ابدأ الكلام عن مهرجان القاهرة بالحديث عن ملامح موازية تكمل مشهد المهرجان وتحيط بتشعباته وتفصيلاته واجواءه ...لكنني بكل تأكيد لااستطيع ان افصل القاهرة المهرجان عن القاهرة الحياة والثقافة والتاريخ ، ربما كان هذا هو المفصل الهام الذي يمنح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تميزا مضافا .
فالمهرجان يستمد عناصر مهمة من قوته في امتداده بامتداد الحياة والمكان ، لايمكنك وانت تعيش المهرجان الا ان ترى انسان النيل المبحر في الزوارق الصغيرة والمراكب ، مشهد لم يفارقني بعد كل عرض فيلمي اعود فيه الى غرفتي او الى بهو الفندق او الى المركز الصحفي او لتدوين ملاحظاتي في مكان ما ، فمن هنا الى هناك بامتداد البصر تسير الحياة في النهر منذ الاف السنين بينما اطفـأ المهرجان شمعته الحادية والثلاثين في هذه الدورة .
بموازاة ذلك ستجد ان هذه (السينما ) ليست ترفا شخصيا ولا مهنة لشريحة خاصة من النجوم والنجمات ، ستجد ان السينما هنا هي امتداد آخر لولع شخصي يجمع شرائح عريضة من المشاهدين من عشاق الفن السابع الذين يتدفقون كل يوم الى صالات العرض المتوزعة في القاهرة ، حتى انني كنت الحظ بتعجب قدوم عجوز لاتقوى على السير حتى باتكائها على عكازها ، كنت الحظ قدومها شبه اليومي الى صالة (كود نيوز) لمشاهدة عروض المهرجان هذا فضلا عن طلبة السينما من مختلف الأعمار وطلبة الجامعات وجيل شاب فرح بما يشاهده .
منذ اللحظة الأولى تجد ان وراء المهرجان ثقلا كبيرا من جهة دعم وزارة الثقافة صاحبة المهرجان والجهات الراعية ولهذا وفرت لضيوفه اجواءا تعبر عن حفاوة كبيرة سواء من ناحية الأقامة او من جهة الخدمات والتسهيلات في التنقل وفي العمل الصحافي .
بالطبع يتكامل مع كل هذا انك لاتستطيع الا ان تكون ضيفا على خان الخليلي نهارا او ليلا وعلى الجامع الأزهر والحسين والسيدة زينب والأهرامات والمتحف الوطني وازقة نجيب محفوظ .
هكذا اصرت رانيا ان تصحبني الى مايعرف مجازا : الى قاع المدينة ، الى قصر الشوق حيث استمد نجيب محفوظ روايته ومررنا بالجمالية حيث عاش الكاتب الكبير وبالأزقة الضيقة والحياة المسالمة التي يعيشها الفقراء في تلك الأماكن التي لم اجد فيها الا مشاهد طالما عرضتها السينما المصرية عبر تاريخها ، ثم تتكامل الصورة مع ذلك التراكم الهائل من التماثيل والأيقونات الفرعونية التي تحف بالمرء من كل جانب ، كانت رانيا ساعتها تحاول ان تخرجني من ميدان العتبة المكتظ بأية طريقة لكننا امضينا الوقت في اكتشاف المكان حتى احتضنتنا مقهى على الرصيف وجاء الشاي على (مية بيضة) وسائر السلسلة المعلومة من المشروبات الساخنة المصرية والأطعمة التقليدية .
من كل هذا سنذهب للمهرجان ..مشاركة كبيرة وافلام تتوزع على العديد من صالات العرض ولايمكن للمرء الا ان يشاهد نسبة محددة من عدد الأفلام المعروضة في اقسام المهرجان وهو مانوه عنه الدكتور عزت ابو عوف رئيس المهرجان في الكلمة الأفتتاحية من جهة تنوع الأفلام المشاركة في هذه الدورة وغزارتها ، وحيث نجحت ادارة المهرجان في تقديم حفل افتتاح متميز وانيق حقا ، بالطبع كان هنالك نجم المهرجان ، رئيسه الفخري ، عمر الشريف ، الذي تحدث بكثير من الود والحميمية وقدم لجنة التحكيم الدولية للأفلام الروائية الطويلة للمهرجان وهم كل من : نيكولس روج – بريطانيا ، نورجول بسيلكي – تركيا ،ساندرا نشأت – مصر ، جيلالي فرحاتي – المغرب ،هشام سليم – مصر ،كريستوف زانوسي – بولندا ،زانج جنتشو – الصين ، الديكو انيادي – المجر ،سو- ري مون – كوريا ، تلدي كورسي – ايطاليا ، محمد صالح هارون – تشاد .
اضافة لذلك ، هنالك لجان تحكيم اخرى لكل قسم من اقسام المهرجان وهي :
لجنة التحكيم لمسابقة افلام الديجيتال
لجنة التحكيم للأفلام العربية
لجنة التحكيم لأتحاد الصحافة السينمائية الدولية
اما المكرمون في هذه الدورة فهم كل من احمد رمزي و نبيلة عبيد ونور الشريف و احمد صالح وراجح داوود و مصطفى محرم ومن بريطانيا نيكولاس روج ومن امريكا مات ديلون وايمي مولين و هارفي كيتل وكوينسي جونز ومن الجزائر الأخضر حامينا .
وقد اتسعت اقسام المهرجان بشكل اتاح تنوعا ملفتا في العروض فبالأضافة الى مسابقات الفيلم الروائي الطويل والسينما العربية وافلام الديجيتال هنالك قسم : مهرجان المهرجانات و قسم للسينما المغربية والرومانية والتركية الجديدة وقسم للأفلام المثيرة للجدل فيما كانت السينما المحتفى بها لهذه الدورة هي السينما البريطانية .
وسط هذه الكثافة من الأفلام المعروضة سنبحث عن تلك السينما التي في الذهن والتي من خلالها تم اختيار افلام واستبعاد اخرى ، الميزات والأطار الذي يجمع كل هذه الكثافة من المشاركات من العديد من بلدان العالم . بالطبع لن نجد ( فورمولا) محددة بقدر مانجد سعة في ماهو معروض الذي اتاح لفيلم شبابي بسيط الصنعة مثل ( علهوا )من مصر ان يتنافس مع فيلم حربي كبير هو العدو الحميم من فرنسا او فيلم بسم الله من باكستان او العثماني الأخير من تركيا وهذه افلام عالية الحرفية الى حد كبير .
لذا فقد تجاورت في العروض افلام على درجة متميزة من البناء والمعالجة وتنوع العناصر الفنية مع افلام اخرى ربما كانت اقل مستوى من هذا المستوى لكن القاسم المشترك كان هو تقديم السينما الأكثر قربا من ذائقة الجمهور اذ اختفت من المسابقة الرسمية مثلا انواع فيلمية اخرى كأفلام الفانتازيا والخيال العلمي والأفلام التجريبية .
في كل الأحوال سأسلط الضوء على ثلاثة افلام من بين كم الأفلام التي شاهدتها لأنني وجدت فيها ماهو جدير بالأهتمام .

فيلم "بسم الله" ..الأرهابي والفنان في حلبة صراع كونية

من اقبية افغانستان وجحور الظلام الى المدنية المزيفة والحداثة المجنونةالتي فاقم جنونها غرور العظمة ...خلاصة سمعتها من صديق ناقد قادم من امريكا اللاتينية ونحن نناقش هذا الفيلم الباكستاني الذي طاف بنا في سرد كثيف طويل متنوع الخطوط والمسارات بين لندن ونيويورك الى بيشاور وكراتشي وقرى نائية بين بالكستان وافغانستان .
بناء سردي توزعت فيه الشخصيات على ازمنة وامكنة متعددة قد تبدو ان لارابط يربط فيما بينها الا ان الفيلم اطرها جميعا على صعيد واحد وقدم حياة مشحونة مليئة بالأزمات .الشقيقان الباكستانيان منصور وسرمد يحبان الموسيقى ولديهما طموح عريض سرعان ما يتحول بالنسبة الى سرمد الى كراهية للفن والموسيقى بسبب التحريم الذي رواه له احد الشيوخ من خلال احاديث نبوية وهذا مايدفع الشاب سرمد الى ان ينخرط مع المجاميع المسلحة في احدى القرى بين باكستان وافغانستان لكنه يعجز عن قتل احد .
في لندن تعيش ابنة عمه ماريا التي تريد الزواج من شاب انجليزي ، الأب الضعيف يجد نفسه في مأزق ان سمعته في اوساط ابناء الجالية ستتأثر في حال زواج الفتاة من انجليزي ولهذا يدبر خطة بالذهاب بالفتاة الى باكستان لزيارة شقيقه وتذهب الفتاة معه لكنه يذهب بها الى القرى النائية حيث يعيش سرمد ويجبر الفتاة اما الزواج من سرمد او الموت .ويزوجها عنوة اما منصور فيذهب الى امريكا لدراسة الموسيقى وبعد تفتح مواهبه هناك تقع احداث سبتمبر فيسقط منصور المغني والعازف المرهف ، يقع ضحية الوشايات وثقافة الكراهية ضد المسلمين ويلقى به في السجن ويجري تعذيبه بوحشية متناهية حتى يخرج من سجنه وهو معاق تماما .
هذه الدراما المشوقة استطاع المخرج شهيب منصور ان يديرها بتفوق ملفت وان يمنح مشاهديه متعة فريدة اضافة الى الجرأة في تناول موضوع الأسلام والفن والمرأة وغيرها من القضايا التي اثارها الفيلم في اطار من الجدل العقلي بين من هو متشدد ومن هو معتدل .

العدو الحميم ..عن الوجه القبيح لثقافة الحرب واوهام الغزاة

هذا الفيلم الفرنسي يشكل عندي وثيقة ادانة كبيرة لجميع اشكال الغزو والهمجية التي تصاحب اجتياح الأمم واستباحة الشعوب فهو يحكي فصولا من الأحتلال الفرنسي للجزائر ، قصص مأساوية مروعة تفيض شجنا وادانة لهذه الهمجية التي ترتكبها الجيوش الغازية فضلا عن الآلام التي تصاحب الغزاة انفسهم وتقض مضاجعهم .
تتواشج في هذا الفيلم النزعات الأنسانية مع تقدم الجيوش ، وخلال ذلك يرسم الفيلم صورة وثائقية متميزة لعدد من المعارك التي خاضها الجيش الفرنسي في الجزائر وهي في الغالب معارك جرت وقائعها في قرى فقيرة واستهدف فيها فلاحون بسطاء ذهبوا ضحية ذلك الصراع الطاحن ، حتى صدق قول احدى الشخصيات في الفيلم : لااستطيع ان اكون خادما مطيعا للجيش الفرنسي الغازي لبلادي كما لااستطيع ان اكون جزءا من جبهة التحرير ..
هذا الشعور المتفاقم هو الذي سيدفع الجزائريين سعيد ورشيد للعمل في صفوف الجيش الفرنسي مترجمين وجنديين ..فرشيد مثلا قتل افراد اسرته جميعا دون رحمة على ايدي محاربي جبهة التحرير ولهذا ينظم للفرنسيين ، ولكن نهاية رشيد هي المأساوية حيث يجري اختطافه وتعذيبه حتى الموت .
و من المشاهد المؤثرة ان الفيلم يسلط الضوء على رمزين فرنسيين بالأضافة الى سعيد ورشيد وهما قائدي الوحدة العسكرية التي يعرض الفيلم لأفعالها ، الأول هو قائد ميداني (الممثل البرت دوينتل )، والثاني هو ضابط الأستخبارت ، كلاهما يشهد انها حرب بلا طائل ، حرب وصراع دام بلا نهاية انهما يتساءلان : لماذا نحن هنا ؟ لماذا منحت فرنسا كلا من تونس والمغرب الأستقلال وتركتهما وشأنهما ولم تفعلا الشيء نفسه مع الجزائر ؟ لماذا يشاع ان الجزائر هي فرنسا ؟ والى متى الصراع والقتل ؟.
هذه الأسئلة الموضوعية ترافق العمليات الحربية اليومية التي يقدم فيها الجيش الفرنسي افواجا من القتلى في مقابل افواج من القرويين الذين يقعون ضحايا هذا الصراع الدامي .
بالطبع ليس من ادانة ابلغ للحرب من رغبة القائد في الأنتحار : وفي مشهد يجد سعيد نفسه مجبرا على تلبية مطلب قائده الفرنسي ان يسلط عليه تيارا كهربائيا من محرك يدوي كي يموت بالصعق الكهربائي..لكن دون جدوى ..اذ يجبره مساعده ضابط الأستخبارات ان يتوقف عن ذلك ..لكن شيئا لن يوقفه اذ يقرر الهرب ..ويهرب فعلا في اشد صور الأدانة للحرب ..بالطبع يقدم الفيلم احصائية بعدد الضحايا من الجانبين ويعلن انها حرب مجنونة وفاشلة .

ضربات ...فيلم متقن عن الأغتراب وضد العنصرية

هذا الفيلم الهولندي للمخرج(البرت تير هيردت ) اجده احد الأفلام الأخرى الجديرة بالأهتمام فهو فيلم متقن الصنعة تماما وبالرغم من تصديه لمفردات وقضايا حساسة وهي قضية المهاجرين في المجتمع الهولندي وبالأخص الجالية المغربية هناك الا انه كان موضوعيا الى حد كبير وعرض الوقائع كما هي ، كل شيء في هذا الفيلم قريب جدا من الواقع والواقعية ، اداء عفوي وشخصيات تقترب الى حد كبير من الحياة اليومية ..
سعيد (الممثل ميمون عويسا) هو ملاكم محترف وناجح تربطه صداقة حميمية بفتاة هولندية ولديه شقيق يعمل في متجر ولكن يتم طرده بسبب تقاعسه وتأخره في العمل ومع ان رئيسه يعلن ان سبب الطرد ليس بدوافع عنصرية الا انه يصرخ انه طرد لذلك السبب .
ولسوء حظ هذا الشاب يقع في مواجهة مع رجل شرطة تنتهي بمقتله ..وهنا يجد سعيد نفسه في مأزق بسبب ضغوط ابناء الجالية المغربية للدفاع عن حق اخيه القتيل وانه يفضل علاقته الغرامية مع الفتاة الهولندية على دم اخيه وتصبح قصة مقتل ذلك الشاب موضوعا للأعلام بعد ان يتهم بأنه كان يغني في احد النوادي ضد السامية .
في المقابل هنالك مروان الشاب المغربي الآخر الذي انخرط في سلك الجيش الهولندي وتخرج ضابطا وهو في طريقه للزواج من فتاة مغربية تعمل شرطية لكنه تخبره انها فاقدة لعذريتها لتتأزم العلاقة بينهما ويتعطل زواجهما ثم لتشهد هي مقتل ذلك الشاب المغربي من قبل زميلها الشرطي وتطلب شهادتها في المحكمة .
وتمضي احداث الفيلم بمتانة وانسيابية عالية لتظهر كيف يتعامل الهولندي مع المغربي ، السيدة الهولندية مثلا تسعى لفتح منافذ لشاب مغربي حسن الصوت يريد ان يغني ويصبح فنانا معروفا اما زوجها فمشغول بتتبع القصص الواقعية التي تحدث لأولئك الأجانب .
الفيلم في كل بنائه وتنويعاته يقدم موضوعا متميزا في البناء والمعالجة كما انه نجح بشكل ملفت في نظري في تقديم ممثلين على مستوى متميز من الأداء سواء الهولنديين او المغاربة وقدم ممثلة ناجحة في هدوئها وتماسكها وعفويتها هي الفتاة التي ادت دور الشرطية من اصول مغربية وقدم سعيد الممثل المبدع الذي لاتشي ملامحه بجمالية النجوم بل كان اداءه هو الذي اطلقه نجما .

كلمة اخيرة ...

لم اكن اتمنى مع نفسي وانا اكتب عن هذه الأفلام الثلاثة المتميزة الا ان اراها متوجة بالجوائز الكبرى للمهرجان وهو ماحصل فعلا ..اذ نال كلا منها احدى جوائز المهرجان ..حيث حصل الفيلم الفرنسي على الجائزة الذهبية كأفضل فيلم في المهرجان كما حصل على جائزتي افضل مخرج وافضل ممثل .اما الفيلم الباكستاني فقد حصل على الجائزة الفضية .فيما منح الفيلم الهولندي جائزة افضل سيناريو


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اقرأ في ارشيف المدونة ايضا:

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels