شعرية السرد السينمائي

"تبدأ السينما حيث تنتهي اللغة"
بارت

مدخل

تبدو شعرية السرد السينمائي اشكالية تتصل بالنوع، الابداعي، وبالأسلوب، وبالمديات التي بلغها المبدع في الفيلم ابتداءً من كاتب السيناريو وانتهاءً بالمخرج، انه اطار واسع وعريض للتعبير عن نوع فيلمي محدد يجري فيه الارتقاء بمعطيات وظواهر و تفاصيل وموضوعات من مكانها المباشر والأقرب الى الواقع الى مديات الأنساق التعبيرية المتصلة بالرموز والدلالات والإحالات التفسيرية المرتبطة باللون والشكل والهيأة والحركة.
بمعنى ان المبدع في الفيلم معني بتحميل المشهد الواحد واللقطة الواحدة بإحالات لا تقدم الصورة في دائرتها المعنوية المباشرة، بل بما بعد الصورة وما بعد التعبير المباشر (META-VISION)، وربما تتسع الدائرة هذه لتفتح مديات أوسع للانتقال بالرمز والدلالة من الإطار الكتابي، الى كم غزير من الاحتمالات الفكرية والمعنوية التي تقدمها الصورة. وبهذا تنخرط التجربة في تتابع بنائي ينشد شكلاً من أشكال التعبير غير مألوف ولا مستهلك.
ولعل هذا الجانب يقودنا الى محصلات متعددة توصلت اليها التجربة السينمائية تحتم الخروج من النمط التقليدي والمألوف والمكرر الى خطاب فيلمي قادر على الصمود أمام التأويل واستقصاء البنى الرمزية، وبموازاة ذلك نجد ان أشكال التعبير الفيلمي تستوجب قدراً كبيراً من التجريب في إيجاد ذلك المنحى الأسلوبي الذي يختص بهذا العمل وهذا المبدع دون غيره.
إن هذه الحصيلة تنسحب على نمط متكامل من التجارب السينمائية التي انخرطت في التعبير الواقعي المباشر لأن واحدة من أهم خواص الصورة الفيلمية هو هذا الشكل المطبوع الذي سرعان ما يتيح تعبيراً واقعياً مباشراً، فأنت إذ تستخدم آلة التصوير الفوتوغرافية فانك تلتقط واقعاً عيانياً مباشراً معروفاً ومألوفاً في أدنى درجاته، لكن توظيف المرشحات والعدسات والإضاءة ورؤية المصور الخلاقة ستقدم شكلاً صورياً مختلفاً عما هو عياني ومباشر، شكل يحتمل كثيراً من التأويل ويمكن فرز عدة مستويات للتعبير والتغلغل في ثنايا ما هو بصري الى الوسائل والأدوات التي وظّفت للتعبير، ولا تخلو هذه الخاصية من أشكال التعبير عن حشد للمعطيات الجمالية القادرة على الارتقاء بالصورة وجعلها رسالة غزيرة بالإحالات.
ومن هنا فنحن أمام نقطة انطلاق هي نقل الواقع كما هو ، وما بعد ذلك ثمة مديات تتسع للتعبير بآفاقه التي يتخلق في ثناياها الأسلوب الذي يميز مخرجاً دون آخر ومصوراً ومخرجاً فنياً دون آخر (Art Director).
في البنية الشعرية وانتاج المعنى


:
ينشغل السينمائي بوصفه منتجاً للخطاب بإشكالية انتاج المعنى ، وتوظيف الوسائل التي بواسطتها تتوالد المعاني ويجري تبادلها معاً، وتشمل مواضيعها شتى أنساق (systems) العلاقة وكذلك ما يمكن أن يجري ترميزه ويتحول الى (شيفرة رمزية دالة)، أي أن تكون هنالك بنية من الرموز التي يعمد صانع الفيلم الى توظيفها من خلال تحميل اللون بالرمز وتحميل الحركة والشكل وبنية المكان برموز خاصة بعضها ظاهر يمكن استخلاصه معنوياً والآخر قد يكون باطنياً يتعلق بالنسيج الفيلمي كله. وفي كل هذه المستويات وباتجاه انتاج المعنى لابد من انتاج رسائل بين مرسل أو منشئ الخطاب ومستقبله، ولذا ستحمّل هذه الرسائل بمعطيات اشارية ودلالية ترتبط بخصوصية الفيلم، بوصفه وسطاً (سمعياً/ بصرياً/ حركياً)، فالرسالة محملة بشيفرات سمعية عبر الموسيقى والحوار والمؤثرات الصوتية وشيفرات بصرية عبر دلالات الصورة وغزارتها وشيفرات حركية متنوعة. وبذا يمكن التوقف عند هذا المعطى لانتاج المعنى عبر هذه الشيفرات من خلال ما يأتي:
1 ـ الدلالة السمعية :
من خلال توليد المعنى بالتباينات الصوتية الحوارية، وأنماط الحوار وما يحمله من بنىً دالة، إذ تحمّل الجمل الحوارية بإشارات ورموز ظاهرة ومباشرة وأخرى سيجري الكشف عنها لاحقاً. وتوظف كذلك المؤثرات التي قد تميل الى بيئة الحدث وبالتالي تقرّب الرسالة من التكشف الواقعي المكاني، أوانها تحمل إطاراً خبرياً كسقوط شيء الى قاع سحيق فالطريقة التي يقدم بها الصوت عبر المؤثر ستحمل عنصر كشف خبري وهكذا، وكذلك توظيف تباينات ارتفاع الصوت وانخفاضه والضجيج وما شابه لتخليق معطىً تعبيري عن طريق دلالة الصوت وذلك على وفق إحالات المنظِّر والناقد الان كاستي.
2 ـ الدلالة البصرية :
ربما كانت الصورة هي العنصر الأكثر غزارة لانتاج المعنى وصنع اللغة الشعرية أو المساهمة فيها على أساس ان السينما هي لغة صورة أساساً وكذلك شاشة التلفاز وكذلك شاشـة الكومبيوتر وكذلك شاشة عرض الشرائح المصورة (Slides) فكلها مساحات تتخلق على سطحها مستويات المعنى ويجري انتاج الرسائل. ونحن هنا أمام وسائط كثيفة ومتداخلة تبدأ بسطح الشاشة وأبعاده وتتسع للعمق الفراغي وعمق الميدان وتشتمل على التباينات الصورية المقترنة بـ (ثبات الكادر) ومديات الثقل التعبيري في الصورة بين اليمين واليسار والأمام والعمق، فضلاً عن الاقتراب والابتعاد، التماس التام بالشيء أو الشخص، والابتعاد عنه كلياً، يضاف لهذا البنى المكانية الظاهرة التي يتسع لها المشهد وما تحمله من إحالات واقعية أو لا واقعية. وكذلك توظيف اللون والإضاءة في تخليق هذا النسيج التعبيري.
3 ـ الدلالة الحركية
لأن فن الصورة المتحركة هو فن حركة ، ابتداءً من حركة الشريط السينمائي أو الفيديوي أو التتابع الصوري الرقمي أو تتابع الشرائح عند العرض فكلها أشكال حركية يجري من خلالها توليد المعنى فيها عن طريق تتابع الصور وانخراطها في سلسلة بصرية تشد بعضها آصرة بعضها الآخر وعبر هذا التتابع يتهيأ ذهن المشاهد لاستيلاد ما وراء الحركة بحثاً عن صلة تصله بما هو معروض أمامه، أي باستقبال الرسالة في شكلها المتحرك وتفكيك شيفراتها والتفاعل معها. و لذا سيجري تدعيم حركة المرئيات ليس بالعرض المباشر والمرئي فحسب، بل بالحركة الداخلية المقترنة بحركة آلة التصوير الى داخل الموضوع او انسحابها خارجه أو عرضها لركن منه لإحدى الجهات أو الانسحاب الى أعلى الموضوع، وهكذا مما هو معروف من أنواع حركات آلة التصوير التي نجدها بكثرة في المراجع التي تتحدث عن هذا الجانب، لكن ما يهمنا في الواقع هو ما وراء الحركة أي بالتوصل للمحصلات المقترنة بشعرية البناء ذاته وبنسق (المروي) بوصفه دالاً على شعرية السرد.
إن الفيلم هو محصلة مرئية سريعة الزوال ، فتتابع آلاف الصور تزيل معها المعنى المباشر وتنطلق من هذا المعنى الى معنىً مضمر يجري خزنه في الذاكرة، ولذا لابد من تخليق قوى (التخييل بالمشاركة)، وهو ركن أساس في هذه الآلية السمعبصرية الحركية، فالتخييل بالمشاركة هو بناء عالم خيالي مشترك بين الصورة ودلالاتها وبين المتلقي المستعد لرسم الإشارات والرسائل عبر وسائله الحسية وإيجاد الترابطات المعنوية فيما بينها ولذا ستخرج هذه الفعالية عن أُطرها السلبية، أحادية الجانب لتتسع الى تتابع متدفق يقوم على التفاعل (interaction)، تتحول فيه الصورة الى مجال حيوي قابل للتخليق المشترك، أي صنع خلفياته وإشعاعاته بشكل مشترك بين منشئ الرسالة وبين مستقبلها.
توليد المعنى والأثر في النصّ الشعري :
كنت قد طرحت رؤيتي الخاصة ، وهي فرضية جمالية تعبيرية بما أسميته بـ (الأثر)
(1) عبر كتابي عبقرية الصورة والمكان، وأجد ان توليد المعنى والأثر هو المحرك الأقوى في أنساق التجربة الشعرية. فلم تعد الشعرية منخرطة في فاعلية ادائية شرحية، بل انها معنية بصنع أثر ما لدى المتلقي، والاندفاع بعيداً في ما بعد هذا الأثر من أصداء وتفاعلات نفسية محركة للمخزون المعرفي والشعوري، انها آلية إيجاد علاقات بين الأشياء والظواهر. والارتقاء بالمظاهر المرئية المشوشة الى حيز الدلالة والرمز وتحريك الذاكرة المبدعة.
وبصدد الصورة، فاننا ازاء عالم من العلاقات الداخلية المرتبة على وفق نسق خاص، يقوم على أساس الارتقاء من الحقيقة الفيزيائية المجردة الى المعنى التام. وبهذا تتشعب فاعلية الصورة في البناء الشعري الى آليات متعددة كالتجسيم والتشخيص والإيحاء والحركة وتوليد الإيقاع وما الى ذلك. وبذا يكون للصورة منطقها الداخلي بما يتيح تآزر الصور معاً ودخولها في علاقات بنائية باتجاه صنع بناء فني متكامل وليس مجرد إطار شكلي. وإذا كانت الصورة تنمّي المعنى من جهة، فانها بموجب نظرية هيوم الشعرية مثلاً تقوم على الآصرة بين المرسل والمستقبِل، ولا تخلو من إحالة الصور الشعرية الى تأطير واقعي، وما بين هذه الصور المتقابلة: شعري/ واقعي، أو خيالي/ واقعي يجري ربط الصور بإحالاتها المعنوية وحتى احالاتها الواقعية، لأن الأساس في ذلك هو (توقيف) المعنى.. لأنها فاعلية تقترن بالفضول ولذة الاكتشاف التي ينخرط فيها المتلقي.
وبسبب اقتران الصورة بالتجريد فقد أتيحت مساحة واسعة للمبدع لأن يولّد صوراً تتخذ تسميات متعددة مثل: الصورة البصرية والسمعية والذوقية والحركية والشمّية.
ولعل هذه الكثافة الصورية هي التي دفعت الى وضع أسبقيات موضوعية تقدّم صورة على غيرها، ومن ذلك ما رسخه (اليوت) مثلاً في الانشغال بالصورة السمعية فهو يتيح خيالاً واسعاً يسميه الخيال السمعي (Auditory Imagination)
(2). فهو احساس بالمقاطع والإيقاع احساساً يعبّر عن مستويات التفكير والمشاعر الواعية لأكثر الأحاسيس بدائية الى أرقاها منـزلة، ولذا ما انفك اليوت مفضلاً ملتون صاحب المخيلة السمعية على دانتي صاحب المخيلة البصرية.
وبذا تداخل هذا الأثر الصوري ، سواء أكان سمعياً أم بصرياً في الوصول لحالة من حالات الذاكرة المتحررة من المكان والزمان والتي تعتمد فتنتها على واقعيتها ولا عقلانية هذه الصور بالضرورة لأنها قد تكون شبيهة بالأحلام.
وكما يذهب (ريد) بموازاة ذلك. الى ان الفيلم ينتج تأثيره بواسطة الصور المسلطة على الشاشة التي ترتبط في الحال مع الصـور المخزونة في ذاكرة المشاهد ومن ذلك الترابط أو الرصف للصور تنشأ عواطف الدهشة أو البهجة أو الحزن التي نعانيها في دار السينما.
فكذلك الصورة الشعرية تحمّل بكمٍ من الرموز التي تشكل ركناً أساسياً في بنائها، حيث يفترض "كارل يونغ" مثلاً، التمييز بين التأويلات الرمزية والتأويلات الإشارية، فالفكرة مثلاً يمكن أن تؤوّل بوصفها تعبيراً مؤازراً، كما هو معلوم، ويمكن سحب الرمز الى ما هو مدرَك وما هو مقترن برؤى الشخصية وقدرتها على استخلاص محصلات ما من ذلك الرمز. على ان تحقيق عنصر الإيهام بالبدائل التي يطرحها الرمز ليس بالضرورة أن تتضمن هذه البدائل تفاصيل جزئية كاملة للواقع، بحسب رأي (ارنهايم)، فرسوم الأطفال المشوشة وغير المنظّمة للوجه الإنساني تحقق دلالة نفسية وفنية عند دراستها، وهذا من صميم الفعل الذهني في إدراك التشابهات من مصادر متفاوتة من الرسم غير المنظّم لملامح وجهٍ ما.
إن قوة الرمز ليست في الموضوع المستعار أو المرموز له حسب ، بل تكمن في قابليته على تركيب نفسه دون ضعف للوصول الى المعاني المطلوبة. فالرمز عند كوليريج يستمد جزءاً من وجوه الواقع فهو يمتلك دلالات متعددة.
وعند تودوروف ، فإن النص الشعري
(3) يتمظهر بمظاهر عدة عبر محمولاته الرمزية والدلالية، فهو يقسم تلك التمظهرات الى: فعلية وتركيبية ودلالية وبلاغية وموضوعاتية.
وأما أنظمة هذا النص عنده ، فانها تنقسم على ثلاثة أنظمة هي :
1 ـ النظام المنطقي .
2 ـ النظام الزمني.
3 ـ النظام المكاني.
ولعل الانشغال بهذه الأنظمة الثلاثة تحسم بنية النص الشعري وتحدد غائية محددة وتفترض اشتراطات تؤطره على أساس ان هذا النص قد امتلك مقومات تتعلق بحمولاته المعنوية والدلالية، فهو لا يتحرك إلا في فضاءات محددة ويسبح في مدياتها، سواء من ناحية تأكيد منطقية البناء، أم الانخراط في التتابع الكرونولوجي، وبموازاة ذلك لا يمكننا ابتسار النص واخراجه من جاهزيته المكانية وعلاقته بالقوى الفاعلة التي تجعل من المكان كلاً مكتملاً متماسك البناء.
مراجع مهمة
- Cynthia Freeland , Cognitive Science and Film Theory: October 31, 1997, Santa Fe
-
- Joseph D. Anderson, The Reality of Illusion: An Ecological Approach to Cognitive Film Theory (Carbondale and Edwardsville: Southern Illinois University Press, 1996
- Gregory Currie, Image and Mind: Film, Philosophy, and Cognitive Science (Cambridge: Cambridge University Press, 1995).
-

(1) يُنظر : طاهر علوان : عبقرية الصورة والمكان : التعبير ، التأويل ، النقد ، دار الشروق ـ عمان ، الطبعة الأولى ، 2002، القسم الخاص بالأثر من الباب الثالث.
(2) طاهر علوان : الصورة الشعرية والفيلم ـ بحث منشور ـ مجلة الطليعة الأدبية ـ ، كانون الثاني (يناير) ـ 1986، ص 112 وما بعدها.
(3) عن : أحمد يوسف في ترجمته تودوروف : الخطاب ، النص ، المؤلف. مجلة كتابات معاصرة ـ بيروت ـ عدد 8، السنة 1993، ص 49.


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اقرأ في ارشيف المدونة ايضا:

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels