The BALKAN Film Festival -Brussele 2008
شيء ما عن مخلفات الحرو ب واجيال تبحث عن وجودها
انطلقت في العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخرا اعمال المهرجان السينمائي لدول غرب البلقان الذي نظمته مفوضية الأتحاد الأوربي وهو مهرجان فريد من نوعه اذ لم يسبق للجمهور العريض ان تعرف على هذه السينما الا من خلال عروض الأفلام الفردية في دور السينما او في اطار هذا المهرجان او ذاك .
تجربة المهرجان وتحت رعاية مؤسسات الأتحاد الأوربي وفرت امكانية اخرى هي قراءة الحياة الأنسانية والأجتماعية لتلك المجتمعات التي كبدتها الأزمات الداخلية والحروب ماكبدتها من خسائر وماخلفته من مآس انسانية كان لها ابلغ الأثر على حياة ابناء تلك المجتمعات المأزومة .
الضحايا من عمليات التطهير العرقي في البوسنة والبانيا وصربيا وغيرها حفرت عميقا في الذاكرة الجمعية وخلفت وعيا مأزوما يستبد به القلق والرعب وتتناهبه اسئلة محيرة عن المستقبل والمصير المجهول .
ولهذا ليس مستغربا ان المرء وهو يشاهد افلام المهرجان يبحث عن اجابة لسؤال مسبق مفاده : اين الحرب ومآثارها ومخلفاتها على الحياة الأجتماعية للأفراد ؟
هذا السؤال المحير وغيره قدمته المخرج البوسنية ياسميلا زبانيتش في فيلمها كرابافيتشا ، وهو اسم احدى قرى البوسنة قرب سراييفو حيث هنالك السيدة عصمة ( الممثلة ميريانا كارانوفيتش ) التي تمثل صورة حية وواقعية مريرة لمخلفات ونتائج حرب البلقان ، فهي تعيش حياة طيبة مسالمة رغم ان احتمالات الفقر تلاحقها من كل جانب وهو مايؤرقها لاسيما وانها قد عنيت طويلا برعاية ابنتها الوحيدة المراهقة وجعلها تعيش حياة لاينقصها فيها شيء .
لكنها وهي تذود عن نفسها غلواء الفقر تلجأ الى خياطة الثياب لصديقاتها في مصنع الأحذية وفي الأخير تقرر العمل نادلة في ناد ليلي ، وخلال ذلك لاتنقطع عن الذهاب الى تلك المنظمات الخيرية التي تشمل النساء البوسنيات من ضحايا الحروب بالرعاية وكل املها في كل مرة تذهب الى هناك هو ان تحصل على مساعدة مالية تعينها في تسيير حياتها لكنها لاتتلقى شيئا سوى المشاهدة اليومية للنساء المحبطات المدمرات من جراء الحروب .
وتتضح صورة اخرى موازية من خلال حياة الأبنة المراهقة سارا ذات الأثني عشر عاما فهي غالبا ما تعرف بفسها بين زميلاتها وزملائها انها ابنة الشهيد في الحرب لكنها تردف ذلك بسؤال متواصل لأمها عن شكل وملامح ابيها الشهيد لأنها لم تره ، فتردد الأم مرارا وبطريقة مفرطة في الأنفعال الغاضب انها لاتشبه ابوها بل تشبهها هي ، اي الأم .
لكن مايتضح فيما بعد ومن خلال نوبات الغضب التي تجتاح الأم وشعورها المتواصل بالأحباط واليأس انها قد حملت بالطفلة في السجن وانها تعرضت مرارا لعمليات اغتصاب من حراس السجن وعندما شعرت انها حامل ارادت التخلص من الطفلة ولكن تشاء الأقدار ان تعيش الطفلة معها هذه الحياة المليئة بالمعاناة .يضاف لهذا انها مطالبة من قبل المدرسة اثبات ان زوجها شهيد لكي يتم اعفاء ابنتها من الرسوم الدراسية ولكنها تعلن انها لاتستطيع اثبات ذلك لأن الزوج اعتبر في عداد المفقودين في الحرب .
من هنا تدب مخلفات الحرب دبيبا صامتا في ثنايا الحياة في تلك المدينة الصغيرة البعيدة من اراضي البوسنة حيث جرت ابشع عمليات القتل والأغتصاب للنساء البوسنيات وخلفت آلافا من النساء اللائي تعرضن للأغتصاب .
انه شعور الرفض المتأصل ، رفض الواقع الذي تمارسه عصمة – الأم – لكنه رفض يذهب مباشرة الى المعاملة الصارمة للطفلة وصفعها مرارا حتى تنشأ علاقة كراهية بينهما وتدفع بالأبنة الى اقامة علاقة عاطفية مع مراهق وتقوم اثرها بحلق شعرها فيما يكون كل رصيد ذلك المراهق هو مسدس حقيقي خلفه له ابوه الذي قتل في حرب البوسنة ايضا وهو المسدس نفسه الذي تشهره الأبنة في وجه امها في نوبة من نوبات الصراع بينهما لكن النهاية تحتم التفاتة انسانية بين الطرفين عندما تذهب الفتاة في رحلة مدرسية وهنا يتأكد عمق العاطفة التي تربط الأم وابنتها .
المخرجة الشابة ياسميلا زبانيتش دخلت ميدان السينما ابتداءا من العام 1997 واخرجت عدة افلام وثائقية وهذا الفيلم هو اول افلامها الروائية .
واما من صربيا فقد قدم المهرجان فيلم حلم منتصف ليل الشتاء للمخرج كوران باسكاليفيتش الذي قدم فصلا آخر من فصول الدراما البلقانية وابعادها الأنسانية المعقدة ، لازار ( الممثل لازار رستفسكي ) يخرج توا من السجن بعد عشر سنوات دون ان نعلم بالضبط ماالذي ارتكبه لكي يسجن كل هذه السنوات لكن من الواضع ومن السياق ان الرجل قد تورط في اعمال عنيفة . المهم انه عندما يعود الى مسكنه القديم الذي تركه مجبرا لسنوات ، يفاجأ بأن هنالك سيدة – جاسنا زليكا- وابنتها تقيمان في المنزل بعد نزوحهما مجبرتين من البوسنة في اجواء حرب التسعينيات التي اجتاحت اراضي البوسنة وخلفت مئات آلاف العائلات المهجرة .
يحاول لازار ان يوجد حلا لهذه المشكلة لكن تعاطفه مع الأم وابنتها المعاقة يدفعه الى القبول بالأمر الواقع والعيش معهما بسلام .وخلال ذلك يتضح ماآل اليه هذا المجتمع بعيد الحرب فلازار يشعر بنفسه غريبا عن هذه البلاد والناس فيها وهو اذ يتجول بسيارته القديمة للأجرة فأنه يشعر بصعوبة الأندماج مع ما جرى ويجري وتتجسم المأساة في العدد الهائل من المعاقين من جراء الحرب ، وربما كانت الطفلة جوانا هي خير نموذج لضحايا تلك الحرب المروعة ، فهي تتحاشى ان تكون جزءا من الزمان والمكان وهي غاليا ماتصم اذنيها متحاشية سماع اي شيء من حولها ، فكل شيء بشع ومخيف كما انها تفتقد الى مشاعر الأبوة اذ ان ابوها هو الآخر كان قد قتل في حرب البوسنة .
وسط هذا السياق هنالك من يخطب ود المرأة الأرملة فيزورها في بيتها وبعد رفض منها لوجوده وفي نوبة عنف تنتهي بأن يغمد المقص في صدر المرأة وسط لامبالاة الطفلة المعاقة التي لاتفقه شيئا مما جرى حتى وصول لازار نفسه ليجد امامه ياسنا جثة هامدة يحملها في سيارته وقد فارقت الحياة ويبكيها بمرارة قائلا للطفلة انك انت التي بقيت لي في هذه الحياة لكن الطفلة تخرج من السيارة وسط بستان مهجور بعيد وتضيع في ارجائه ولانسمع غير صوت اطلاقة لم نعرف من اين ولا من اصابت ولكن النهاية المفتوحة تنبئ بأن لازار قد اطلق النار على نفسه بعدما يئس من حياته وبعد فقده ياسنا وجوانا .
المخرج كوران باسكاليفيتش هو مخرج مخضرم ومعروف تخرج في معهد السينما في براغ واخرج حتى اليوم قرابة 30 فيلما وثائقيا وثلاثة عشر فيلما روائيا طويلا وافلامه شاركت في العديد من المهرجانات الدولية .وهو يعلق على فيلمه هذا في احدى اللقاءات الصحافية قائلا " لقد قدمت شخصيتين شعرت انهما سجينتان ، الطفلة المعاقة جوانا هي اسيرة داخل عقلها وتصوراته المحزنة ومخاوفها واما لازار فهو يعيش سجنا آخر اسمه سجن الحياة الكبير وكلاهما ضحيتان صارختان من ضحايا الحرب ".
ومن كرواتيا يقدم المخرج انتونيو نويك فيلمه " كل شيء مجانا " ويحكي قصة الشاب كوران ذو الثلاثين عاما – الممثل انس بيسلاكيتش – الذي يفقد كل اصحابه تقريبا في الحرب ويشعر انه وحيد وغريب بعيد عن اولئك الأصدقاء وفي محاولته لملمة مشاعره المبعثرة بسبب موجة عاطفية تعصف به من الحنين لذكرياته ، يقرر ان يبيع كل شيء ويذهب الى مدينة اخرى ينقطع فيها عن ذلك الماضي ويحاول نسيانه ، وهنا يجد عجوزا يدير سيارة في شكل مطعم ومقهى صغير- كارافان - فيشتريها منه ويرتحل الى مدينة كرواتية بعيدة حيث يبدأ بتقديم الطعام والشراب مجانا للزبائن وهو يفعل ذلك وسط استغراب الجميع واستمتاعه هو بما يفعل من اجل كسب مزيد من الأصدقاء وهو يفعل ذلك بطريقة لاشعورية فضلا عن كونه يشعر بلاجدوى كل شيء .
لكنه يجد نفسه في مواجهة رجل شرير يدير مقهى كبيرا ولأن مافعله كوران ادى الى استقطاب الزبائن عن مقهاه فأنه يهدده ويأمره بالذهاب بعيدا ولما يمتنع يسلط عليه اثنين من عتاة الأجرام الذين يذهبون بسيارته بعيدا ويضربونه ضربا مبرحا .
لكنه خلال ذلك يشعر بتعاطف زوجة شقيق ذلك الرجل الشرير التي تطلب منه ان يكون قويا ولايلتفت الى تهديداته ، وهو سرعان مايتعلق بالفتاة بعد ان تروي له قصة فقد زوجها في الحرب ، لكنها تجد نفسها مرة اخرى في مواجهة ذلك الرجل الشرير ، شقيق زوجها المفقود في الحرب ، الذي يضبطها وهي في صحبة كوران مواصلا تهديده ، فمايكون من كوران الا الأنسحاب من الموقف كله وقيادة سيارته بعيدا بعيدا وهو ثمل وضائع بعدما كانت تلك الفتاة آخر ملاذاته وآماله لكنه يفقدها هي الأخرى .
المخرج انتونيو هو من مواليد 1977 في سراييفو وتخرج من معهد السينما والتلفزيون في زغرب وهذا هو فيلمه الروائي الأول .
ومن كرواتيا يقدم المخرج انتونيو نويك فيلمه " كل شيء مجانا " ويحكي قصة الشاب كوران ذو الثلاثين عاما – الممثل انس بيسلاكيتش – الذي يفقد كل اصحابه تقريبا في الحرب ويشعر انه وحيد وغريب بعيد عن اولئك الأصدقاء وفي محاولته لملمة مشاعره المبعثرة بسبب موجة عاطفية تعصف به من الحنين لذكرياته ، يقرر ان يبيع كل شيء ويذهب الى مدينة اخرى ينقطع فيها عن ذلك الماضي ويحاول نسيانه ، وهنا يجد عجوزا يدير سيارة في شكل مطعم ومقهى صغير- كارافان - فيشتريها منه ويرتحل الى مدينة كرواتية بعيدة حيث يبدأ بتقديم الطعام والشراب مجانا للزبائن وهو يفعل ذلك وسط استغراب الجميع واستمتاعه هو بما يفعل من اجل كسب مزيد من الأصدقاء وهو يفعل ذلك بطريقة لاشعورية فضلا عن كونه يشعر بلاجدوى كل شيء .
لكنه يجد نفسه في مواجهة رجل شرير يدير مقهى كبيرا ولأن مافعله كوران ادى الى استقطاب الزبائن عن مقهاه فأنه يهدده ويأمره بالذهاب بعيدا ولما يمتنع يسلط عليه اثنين من عتاة الأجرام الذين يذهبون بسيارته بعيدا ويضربونه ضربا مبرحا .
لكن تلك الشعارات تتعرض للأنجراف من جراء الأمطار او من جراء عبث قطعان الأغنام والماعز اثناء مرورها على تلك الشعارات ولهذا يتم توجيه مجموعة من الشرطة لمراقبة مايجري لتلك الصخور اي الشعارات ولسوء حظه يمر الراعي (سلمان توسكا ) بمنطقة الشعارات وسرعان مايلقى القبض عليه بتهمة الخيانه العظمى وانه السبب في تخريب الشعارات ، ورغم دفاعه عن نفسه ودفاع اندريه ايضا الا ان ذلك لايشفع من احالته الى البوليس السري في مشهد محاكمة عاجلة يشهده ابناء القرية صغارا وكبارا .
واما الأطفال الصغار في المدرسة فيلقون من سوء المنعاملة مالايوصف حيث يقوم مدير المدرسة بأهانتهم وصفعهم وجر آذانهم باستمرار ، ويقدم المدير ومسؤول الحزب في القرية صورة بشعة اخرى يحاكون فيها طفلا لايتعدى الثانية عشرة من عمره على مخالفة بسيطة وينادونه مرارا ( ايها الرفيق ...هلا اخبرتنا عن سبب خروجك على القانون ).
وسط هذه القتامة يرصد اندريه بصمت وحزن مايجري وينجذب الى زميلته المعلمة في المدرسة ويتشاركان ذلك العناء وبسبب غيرة المسؤول الحزبي في القرية من اندريه لعلاقته العاطفية بتلك الفتاة ولكونه وقف يوما لمساندة سلمان توسكا الذي ارتكب خيانة بحق الوطن بتخريبه للشعارات الحزبية كما يقول مسؤول القرية ، تتم معاقبة الفتاة بنقلها الى مدرسة نائية ومعاقبة اندريه بأن يعمل فلاحا في الحقول لفترة من الزمن .
تراجيديا سريالية قاتمة تري الجميع ماكانت ترزح تحته تلك البلاد من ظلم ومصادرة لأبسط صور الكرامة الأنسانية ، انه وجود مهمش ومقفل والحياة في تلك القرية ماهي الا صورة مصغرة للحياة في بلاد او بلدان طالما رزحت تحت سطوة الأنظمة الدكتاتورية الشمولية البشعة .
بالطبع قدم المهرجان على امتداد ايامه افلاما اخرى لعدد من المخرجين في البلقان ، الا ان هذه الأفلام التي اتينا على ذكرها تعد الأبرز والأكثر اهمية من بين غيرها من الأفلام .حيث عرض فيلم " ارمين " للمخرج الكرواتي اونجين سيفيتيش و فيلم " هدرفلد " للمخرج الصربي ايفان زيكوفتش وفيلم " ظلال " للمخرج المقدوني ميلكو ماتشيفسكي وفيلم " الأب والجد " للمخرج الألباني ديميتر اناكنوستي