الحب في زمن الكولير" بين الرواية والفيلم
جدل التاريخ والمكان والبحث في البناء الجمالي
د.طاهر علوان
مما لاشك فيه ان الصلة بين الرواية والفيلم كانت وماتزال ركنا مهما من اركان صناعة السينما في انحاء العالم وكانت الرواية على الدوام مصدرا مهما وأساسيا من مصادر السينما الروائية وتم تحويل المئات من روائع الروايات الى السينما بعد تعديلبها واعدادها سينمائيا .
وربما تساءلنا عن السر وراء هذه الصلة العميقة بين هذين الوسيطين التعبيريين : الرواية والفيلم ، والجواب بشكل عام هو التنوع والغنى السردي الذي تتمتع به الرواية وهو مطلب سينمائي رئيس ذلك ان هذا التنوع يتيح بالضرورة افقا مفتوحا من التحولات في الأزمنة والأماكن كما يتيح بالمقابل تنوعا في الشخصيات وفي بنائها واهدافها ، وعلى الجانب الآخر هنالك الأحداث التي تتنامى من خلالها الدراما وتبحر فيها الرواية في مدارات التاريخ وفي آفاق زمانية بعيدة .
هذه المعطيات وغيرها تؤشر دون شك لأهمية الرواية باعتبارها مصدرا فيلميا مهما واساسيا وفي الوقت نفسه تفتح افقا واسعا لأشكال وتجارب متنوعة في اعداد النصوص الروائية وتقديمها الى الشاشة..
ومما لاشك فيه ان هنالك خلاصات مهمة لابد من التوقف عندها في هذا الباب ومن ذلك السؤال الأزلي التقليدي القائل : هل كان الفيلم مطابقا للنص الروائي ؟ او الى اي حد كان كاتب السيناريو موفقا في نقل النص الروائي الى السينما ؟ هذا التساؤل المنطقي التقليدي ارتبط ارتباطا وثيقا بذاكرة القراء الذين الفوا الروايات وتفاعلوا معها واحبوها ولهذا لايخطر في بالهم ان يجري تشويه او اضعاف النص الروائي الذي عشقوه وتفاعلوا معه .
لكن جل المخرجين وكتاب السيناريو ذوي التجربة الطويلة في اعداد ونقل الروايات الى السينما لديهم رؤية اخرى مفادها ان الرواية الصالحة للسينما هي الرواية الأكثر قربا الى الحس ، الى ادراك الأفعال والأحداث واقترابها مما هو مرئي ومدرك ومسموع ، والنأي بعيدا عن تلك الروايات الباطنية التي يتحرك فيها تيار الوعي والأحاسيس الداخلية اذ ثم فرق شاسع بين رواية البحث عن الزمن المفقود لبروست وبين رواية العراب لماريو بوزو مثلا ، الأولى ارقت المخرج العالمي ايزنشتاين وعجز عن فعل شيء بصددها رغم شعبية الرواية وكونها نقطة تحول في مسار الرواية العالمية ، انها رواية العقل الباطن والتفكير الداخلي ، رواية تقدم اشكالا من التشويش الذهني ومن العسير بلوغ بنائها الدرامي بالشكل التقليدي بينما رواية العراب تعد نصا سينمائيا جاهزا وكذلك الحال مع رواية ذهب مع الريح واحدب نوتردام و عناقيد الغضب والشيخ والبحر و الطاحونة الحمراء و ممر الى الهند و كثير جدا غيرها .
ومؤخرا شغلت اوساط السينمائيين والنقاد وعشاق الرواية مسألة نقل رواية الكاتب الكولومبي الشهير كابريل كارسيا ماركيز الموسومة ( الحب في زمن الكوليرا ) ، هذه الرواية التي تعد واحدة من اهم روايات ماركيز والأكثر شعبية وواحده من اهم قصص الحب في نظر نقاد الأدب والقراء في ارجاء العالم حيث ترجمت الى اكثر من 35 لغة من بينها اللغة العربية بالطبع ، وقرأها عشرات الملايين من القراء .
ومن المؤكد ان ماتركته وتتركه الرواية في ذهن قارئها من انطباعات وافكار تدفعه الى مشاهدة الوجه الأخر للرواية على الشاشة ، ان تظهر الرواية وهي اكثر عمقا وجمالا على الشاشة وان يرى المشاهد شخصياته الأثيرة وهي حية وفاعلة امامه وبين يديه فهل كانت هذه الرواية في شكلها السينمائي خلاقة ومؤثرة كما كانت في شكلها الأدبي ؟
الرواية نقلت الى السينما على يد المخرج "مايك نويل" ،وهي تتحدث عن قصة حب طويلة تقع احداثها في منطقة الكاريبي في اجواء شائكة ومحتدمة ممثلة في وبائين كبيرين يلاحقان الشخصيات وهما الحرب الأهلية في كولومبيا في القرن قبل الماضي ووباء الكوليرا وكلا الآفتين اللتين مثلتا المناخ الذي نشأ وترعرع فيه ذلك الحب الغريب بين بطلي الرواية فلورنتينو و فيرمينا مذ كانا مراهقين ، لعل هذه الأجواء الكابوسية كافية لتعطيل احساس الأنسان بالحياة لكن ايقاعا رومانسيا انسانيا حالما كان يفعل فعله في فكر وضمير الشخصيات ويمضي ذلك الحب محركا اجواء الرواية وبنائها السردي مابين نزعة للتشبث بالحياة فيما غول الموت يتواجد في قرارة وعي ولاوعي الشخصيات لكنهما يمضيان في ذلك العالم القاتم . المهم ان عقبات شتى تقف في وجه تلك العلاقة منها رفض والد فيرمينا لتك العلاقة ورفض زواج ابنته من فلورنتينو ممايدفع اسرة فرمينا الى السفر بعيدا لقطع دابر تلك العلاقة بقرار من الأب الذي سيزوج ابنته الى طبيب شاب تخرج من باريس وفيه سيماء التحضر بكل ابعادها فيما يواصل فلورنتينو ذلك الحب من خلال تدفق البرقيات التي كان يرسلها لحبيبته لكنها كانت ترى في ذلك الحب سرابا طويلا حتى تيأس منه وتقبل الزواج من ذلك الطبيب والأنجاب منه ..هذا الحب بالنسبة لفلورنتينو يبقى حيا وقويا في داخله لمايقرب من نصف قرن ..لايجد خلالها في اية امرأة ممن عرفهن ايا من صفات حبيبته ليعود اليها وقد اكتهلا وفي يوم مأتم وفاة الزوج الطبيب معلنا انه لم يتوقف عن حبها يوما رغم كل تلك السنين الطوال .

البناء السردي والشخصيات الباحثة عن الذات

مما لاشك فيه ان الرواية تتميز بتنوع سردي عميق بل يمكن القول ان بناءها السردي هو احد ابطال الرواية ومحركها الأساس بالرغم من ان الوسيلة التقليدية التي اعتمدها ماركيز هي وسيلة التداعي للماضي (فلاش باك ) اذ يعود بالشخصيات القهقرى بامتداد يصل الى نصف قرن ليتتبع ماهي عليه لكنه خلال ذلك يجد في الزمن الخاص بكل شخصية من الشخصيات عنصر قوة اضافي يمنح البناء السردي قوة وتنوعا ملفتا للنظر .
فالسرد ينمو ويتطور بتطور الأحساس بالزمن في داخل الرواية فبالرغم من ان الماضي هو المتحكم في مسار الأحداث وفعل الشخصيات الا ان ذلك وحده لايغطي الا جزءا من التنوع السردي الذي يواكب تحولات الشخصيات فالزمن عند فلورنتينو مرتبط بأمرين هما : انه لايشعر ان ذاك الزمن الممتد الى نصف قرن والذي امتص منه رحيق شبابه كان سببا في تعطيل حواسه وهي تكتشف ذلك الحب الأول ولهذا كان في كل ماعاشه يواصل مهمته في انتظار يوم تحقق اللقاء مع فيرمينا اما الأمر الآخر الملفت للنظر فهو ان ذلك الزمن ليس زمنا متحجرا ميتا بل انه زمن حي اضفى عليه البناء السردي للرواية حياة اخرى تمثلت في ماشهده العصر من تحولات اذ كان فلورنتينو عاملا في محطة ارسال البرقيات بنظام مورس القديم الذي يعتمد الأشارات النقطية اضافة الى استخدام الحمام الزاجل حتى في تواصله مع صديقاته اللائي لم يحب يوما ايا منهن ولم يكن غير محطات عابرة في حياته .
واما البناء السردي من جهة احساس فيرمينا بهذا الزمن الطويل فقد كان اقترابها اكثر مما هو واقعي قد دفع بها الى قراءة اخرى للزمن فهي وجدت بعد بضع سنوات انها كمن ينتظر او يعيش على سراب ومجهول والحياة الجدية التي صنعها لها ذلك الطبيب الشاب كانت كفيلة ان توجد لها رؤية اخرى لما حولها ولهذا كان الماضي عندها ظلالا وبقايا من ازمنة المراهقة وكانت تمضي قدما في تأسيس احاسيس ومواقف اخرى اخرجتها من اسر تلك الدائرة القفلة .

الرواية والفيلم ..هاجس المقارنة واشكالية المعالجة الدرامية

وبعد ان مررنا بشكل سريع بأبرز محطات هذه الرواية وبالأرضية القوية لها ممثلة في تنوعها السردي ومتانة بناء شخصياتها لابد لنا من التوقف عند المحور الأهم فيها وهو طرحها السؤال المتجدد عن الشكلين الروائي وقرينه الشكل السينمائي .وفيما يخص ماركيز ورواياته فلا يختلف اثنان ان تلك الروايات تمثل تحديا كبيرا للمخرجين السينمائيين وكتاب السيناريو بسبب كونها ملاحم روائية يتنقل فيها ماركيز بين الأزمنة والتواريخ بمهارة عجيبة ويحلق مع شخصياته في اجواء تتداخل فيها الأشكال والرموز والميثولوجيا الكولومبية بالعادات والتقاليد والخرافات والنزعات الذاتية المتفجرة مابين الحب والكراهية والصراعات الكامنة والظاهرة وكأننا وتلك البلاد من خلال اعمال ماركيز نعيش في كوكب آخر . ولهذا ظل ماركيز الحائز على جائزة نوبل سنة 1982 حريصا على رواياته متمنعا من تحويلها الى افلام سينمائية وخاصة روايته ذائعة الصيت هذه التي تعد واحدة من اجمل روايات الحب على صعيد الأدب العالمي وكانت قد صدرت سنة 1985 ولم يوافق ماركيز على بيعها للسينما الا قبل عامين بمبلغ ثلاثة ملايين دولار ..وياليته مافعل ..فالفيلم المأخوذ عن الرواية محبط كثيرا في نظر الكثير من النقاد ومن قرأ الرواية وتمتع ببنائها السردي ونزعات شخصياتها سيجد نفسه من حيث لايشعر منقادا الى نوع ما من المقارنة مابين ماقرأ وما يشاهد على الشاشة .
فبينما كانت الرواية ملحمة انسانية عميقة لمايقرب من قرن كامل من الحياة في الكاريبي وكانت محملة بخرافات ذلك العصر وبالمحن التي تفتك بالشخصيات فيما الحب يشكل وسط قتامة الأحداث مسارا مشعا مشرقا تنتظم من حوله نزعات الأنانية والأستغراق في المجهول الأنساني ، كل هذا وغيره تكثف في عالم روائي مليء بالألوان والملامح والروائح واللمسات السحرية اما في الفيلم فقد كنا ازاء محاولة مستميتة لكنها غير موفقة تماما للحفاظ على تماسك هذا كله ، محاولة الوفاء للرواية بما هي عليه دون احداث تغييرات كبرى على حياة الشخصيات لكن هذا الوفاء للرواية كان يقابله دوما سؤال عن متانة البناء الدرامي وشكل الدراما وهو ما حاول المخرج ليونيل ان يتجاوزه من خلال مجموعة من التحوطات من اهمها التصوير في البيئة الحقيقية للرواية وتقديم صورة العصر الذي عاشت فيه الشخصيات الا ان ذلك كله لم يكن كافيا بالتأكيد .

كثافة الأحداث والخلاصات التعبيرية

لعل من الأمور الملفتة للنظر هي لجوء كاتب السيناريو رونالد هاروود وتاليا المخرج الى تلخيص احداث تلك الرواية المتشعبة العصية على السينما ، والملاحظ ان ذلك التلخيص لم تنتج عنه غير نسخة باهتة ومتواضعة من رواية ماركيز ، اذ بدت الأحداث والشخصيات وكأنها ترى من وجهة نظر تحاول الأقتراب من عوالمها فلا تستطيع ولاتملك عندها الا المحاولات التي تصيب حينا وتخيب احيانا .
فمثلا لم يكن فلورنتينو في الرواية شابا ضائعا طائشا بل وربما منحرفا كما هو في الفيلم ، كان محبا وانسانا واعيا ولهذا نجح في مجال العمل والعمل التجاري ونجح في مساعدةعمه في النقل النهري وآلت اليه شركة ذلك العم وصار من الأثرياء في خريف العمر ، بينما ظهر في الفيلم في صورة مشوهة تماما عما هي الحال في الرواية والتشويه ناجم عن عدم التمكن في اعادة صياغة الشخصيات سينمائيا ، فالممثل الأسباني خافيير بارديم الذي قام بدور فلورنتينو حاول انقاذ مايمكن انقاذه كلما اوتي الى ذلك من سبيل لكنه لم يوفق في كل الحالات ومن ذلك ان البناء الشعري العميق الذي وسم شخصية فلورنتينو الذي لم يكن متحققا على الشاشة ، كانت الشخصية في الرواية تعيش في قلب عالم محتقن وكانت احاسيس فلورنتينو التي تقترب من الخرافة تمثل نزعة عميقة لخلاص الذات من خلال الأخلاص لذلك الحب . واذا كان هنالك من الخلاصات التعبيرية الجديرة بالأشارة فهي الأشارة الى فيرمينا في المقابل والتي ادت دورها الممثلة الأيطالية جيوفانا ميزوجورجينو ولم تكن الا شاهدا خارجيا وربما هامشيا على ماجرى ويجري ، كانت بعيدة تماما على مستوى التعبير الفيلمي عن عمق الشخصية ونزعاتها وتحولاتها ونزقها ، وبعد ان رفضت حبها القديم اذا بها تعيش على هامش المغامرة متحدية ابناءها باتجاه خوضها لتلك المغامرة من جديد بعد موت زوجها فيما هي في حوالي السبعين من عمرها لتعود بطريقة آلية ضعيفة التأثير في البناء الروائي ، لتعود الى عالم فلورنتينو وقد صار ثريا وهو يحملها الى قاربه الذي يجوب مياه الكاريبي رافعا راية صفراء دلالة على ان القارب يحمل مصابين بالكوليرا فلا يجب ايقافه فيما يتمتع العاشقان بوقتهما .

جماليات الشكل السينمائي والبناء المكاني

لعل من الحلول التي لجأ اليها المخرج ساعيا الى الأحتفاظ بذلك البريق الأخاذ الذي تمثله البيئة السحرية هو تأسيسه شكلا سينمائيا يمزج مابين ملامح العصر الذي عاشته الشخصيات وبين التصاعد الزماني المضطرد الذي يعد ميزة بالغة الأهمية في الرواية ، فهذا المزيج ظل هو العامل الأهم في البنية الروائية وتاليا كان هنالك سعي لتأسيس بيئة موازية حفاظا على صدقية وواقعية الشكل الروائي .
هذه المعطيات وربما غيرها كانت كافية بالنسبة للمخرج لكي يذهب بعيدا الى تلك القرى الكولومبية النائية لكي يدفع بشخصياته الى الواجهة ، ومن هنا توفرت للمخرج المرونة الكافية لأنتقاء مايشاء من اماكن تعوم في فضائها شخصياته ، لكن مايمكن تلمسه انها واقعيا اية اماكن واي زمان ، بمعنى ان لاخصوصية كبيرة تذكر للبناء المكاني في اطار البيئة الكولومبية عما سواها ، هذا اذا استثنينا بضعة مشاهد خارجية كمشهد نزوح عائلة فيرمينا بعيدا عن مسكنها ومشهد احد الأنهر الكولومبية حيث يطفو قارب فلورنتينو و فيرمينا معا في المشاهد الأخيرة من الفيلم وماعدا ذلك فالمسكن هو المسكن لاتميز يذكر فيه ، تلك القوقعة – بحسب ادوارد هال- الذي تعيش في قراراته هذه الشخصية او تلك ، سواء فيرمينا او فلورنتينو او احدى النساء الأخريات من اللائي عرفهن فلورنتينو ، هذه الأشكالية هي نقطة ضعف اضافية في البناء الفيلمي بسبب ان المكان والبيئة لم تلعبا دورا كبيرا في معالجة المخرج وقبله كاتب السيناريو ، لأن المكان في اصل الرواية يلعب دورا فعالا وبالغ الأهمية في البناء الفيلمي وهي ميزة من اهم ميزات ادب ماركيز ، اذ يتلمس قارئ روايات ماركيز ومنها بالطبع هذه الرواية ، ذلك التنوع المكاني الأخاذ والوصف الدقيق للتفاصيل ، لكل التفاصيل الضرورية التي تعمق صلة الشخصية بالمكان حتى يغدوان وحدة واحدة متكاملة من جهة كون المكان في هذه الحالة انعكاسا واعيا لأحاسيس الشخصيات وافكارها وليس ظلا تابعا للشخصيات فحسب . ولعل ميزة ماركيز الأخرى انه يجمل المكان ويمنحه ابعادا اعمق وأكثر تأثيرا فهو يلون المكان ويجسمه اثناء الوصف ويمنحه شكلا وبناء جماليا مؤثرا فضلا عن اطلاقه شتى الروائح المنبعثة من المكان التي يحرص عليها ايضا كل الحرص .
اما في الفيلم فأن التجريد كان ميزة غالبة بمعنى ان الفيلم اخرج شخصياته من بيئتها الى حد كبير ليضعها في بيئة فيلمية موازية وبذلك اسس مكانا بالرغم من كونه جغرافيا هو نفسه المكان الكولومبي الأصل الا ان طريقة عرضه لم تكن لتوفر كثير من عناصر التعبير والخلاصات الجمالية التي يمكن التوقف عندها على اي صعيد .
ولعل من الأمور التي من المهم التوقف عندها هي السؤال عن مدى ماتوفر للشخصيات من مناخ تعبيري مكاني اتاح لها ان تنمو طبيعيا وتتفاعل مع المكان وتعبر عن نفسها ؟ هذا التساؤل يقود واقعيا الى ان الشخصيات بحاجة الى تأثيث مكانها وبصمه ببصمتها الخاصة ، وعلى هذا فأن البحث في ثنايا ذلك المكان الكولومبي في الفيلم عن تلك الملامح والخصائص لايوفر كثيرا جدا من المعطيات المطلوبة ، او المتوقعة وهو عنصر اضافي من العناصر التي لم تجري معالجتها بعناية كافية .

ازمنة التحولات الكبرى

لعل من المهم القول فيما يتعلق بالناء السردي للرواية والفيلم على السواء انه لم يكن عبثا ان يقدم ماركيز على عرض حياة شخصياته على مدار مايزيد على نصف قرن من الزمان تم خلالها تنويع البناء السردي دون ان يكون لكل ذلك من دلالة ومعنى وغايات لعل من ابرزها ان هنالك تحولات كبرى سواء في مسار التاريخ والزمن او تاريخ الشخصيات وهي مسألة برع فيها ماركيز وهو في هذه الرواية قدم تحولين هامين في التاريخ الكولومبي في القرن قبل الماضي وهما : الأول هو الحرب الأهلية والثاني هو الكوليرا وفي ثنايا هذين التحولين عاشت الشخصيات وهي تكابد من اجل الأستمرار وفي ثنايا هذين التحولين ايضا كان حب فلورنتينو لفرمينا قد ترعرع وتعمق وتجذر ، فالحرب الأهلية كانت سببا في تمزق اجتماعي ودمار قيمي ورعب يومي يجتاح الشخصيات لكنها كانت في الفليم مشهدا مجردا ظهرت فيه امرأة مرعوبة من اصوات الأنفجارات تبحث عن ملاذ وهي في حالة من الهستيريا لكن ام فلورنتينو تدفع بتلك المرأة الى احضان ابنها من اجل ان تخلصه من عقد الماضي وحبه لفرمينا ..هكذا في مشهد واحد سبقته لقطات لأناس يركضون تصحبهم اصوات انفجارات ، وبهذا تم تجريد هذا التحول الكبير من تأثيراته النفسية والأجتماعية والأنسانية .
واما المؤثر الآخر المهم فهو اجتياح الكوليرا ، وهو مؤثر تم ابتساره الى بضعة مشاهد تمثل اولها في المستشفى ومشهد آخر لجثث مرمية في الطرقات وبين هذا وذاك كان فلورنتينو مشغولا بمغامراته العاطفية الطائشة وكونه مجرد رجل يبحث عن اللهو في وسط تراجيديا هائلة ومخيفة كافية تماما لتعطيل كثير جدا مما يسعى اليه الأنسان العادي في حياته اليومية .
لعل هذه الخلاصات عن التحولات الكبرى هي عناصر اساسية في الرواية يجب التوقف عندها مليا لأدراك حيوية البناء السردي ومدياته التي اطرت الشخصيات ولكنها دفعت باتجاه معالجة مغايرة لجأ اليها المخرج وجعل منها مجرد هامش مكمل لما يعيشه فلورنتينو من نزعات تبدو في الفيلم غير معمقة ولارصينة بما فيه الكفاية بينما هي في الرواية محاور اساية في البناء السردي وقوة محركة فاعلة للشخصيات عندما تتجاور ثلاثة عوامل اساسية هي : الحب من جهة والحرب والكوليرا من جهة اخرى فالحياة والموت يتصارعان بعناد في هذه الرواية ، وماالحب الا شاهد فاعل على ذلك الصراع بل انه يغدو احيانا بديلا لكل تلك الأزمات الطاحنة التي تفتك بالشخصيات .
لابد في الختام ان نعلم ان المخرج مارك نيويل هو في الستينيات من عمره وهو مخرج هذه الأفلام : فيلم هاري بوتر -2005 و فيلم ابتسامة الموناليزا – 2003 و فيلم دوني برالكو – 1997 وفيلم اربعة اعراس وجنازة – 1994 وفيلم في الغرب – 1993 وفيلم الأب الطيب 1987 وفيلم الرقص مع الغرباء – 1985 اما اول افلامه فحمل عنوان : الرجل ذو القناع الحديدي 1976
واما كاتب السيناريو فهو رونالد هاورد وهو نفسه كاتب سيناريو فيلم عازف البيانو – الحائز على جائزة الأوسكار.
.......................................


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اقرأ في ارشيف المدونة ايضا:

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels