فيلم "طفل العراق " في افتتاح مهرجان الخليج السينمائي الرابع :...

الأفلام العراقية تواجه مشكلة اجترار البكائيات الكئيبة والعنف...

طاهر علوان...

بانعقاده هذا العام يكون مهرجان الخليج السينمائي الرابع قد رسخ مساره في احتضان العديد من التجارب السينمائية في منطقة الخليج وفي استقطابه للطاقات والمواهب السينمائي الواعدة .

ومما لاشك فيه ان طبيعة المنطقة من جهة الأنتاج السينمائي تحتاج الى مزيد من التشجيع والتحفيز لغرض ضخ دماء وروح جديدة في هذا الحقل وذلك مايحرص عليه مهرجان الخليج عبر دوراته المتعددة .

قدم هذا المهرجان ومن خلال مسابقاته وعروضه المتعددة فرصة طيبة لطلبة السينما وللهواة بموازاة المحترفين وهنالك مسابقة للأفلام الأماراتية ومسابقات للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية تتسابق في الحصول على على جوائزها وقد بلغ عدد الأفلام المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي الرابع 153 فيلما

وبحسب الدول : الإمارات 45 فيلماً؛ العراق 23 فيلماً، و12 فيلماً من السعودية، و11 من الكويت و 8 من قطر: و 7 من سلطنة عمان، و 2 من البحرين ...

وحصد السينمائيون العراقيون مجموعة مهمة من جوائز المهرجان .

فيلم طفل العراق

يحكي هذا الفيلم قصة شاب عراقي يقرر العودة من منفاه في الدنمارك حيث امضى جزءا من طفولته ومراهقته في تلك البلاد ، ومنذ البداية يعتمد الفيلم طريقة مباشرة في تعريف الشخصية بنفسها من خلال الحديث المباشر امام آلة التصوير ، يتحدث عن جوانب من حياته في المنفى وانه قرر السفر الى العراق بعد ان سبقته امه الى هناك وتركت له تذكرة السفر ، وما يلبث ان يصل الى هناك وحيث يكون عمه في استقباله ليروي له ماذا يعني ان تعيش في بغداد وفي العراق عموما حيث الحياة تفتقر الى ابسط المقومات واولها بالطبع مشكلة عدم توفر امدادات الكهرباء وهي المشكلة الأزلية التي تجدها في اغلب الأفلام الوثائقية العراقية من منطلق انها العلامة المباشرة لمعاناة العراقيين اليومية .

العودة "الى الجذور " الى بغداد والى العراق شكلت مقتربا مهما بل المقترب الأهم على الأطلاق في موضوعات افلام اكثر من مخرج عراقي ، ووجدناها لدى المخرج طارق هاشم في فيلمه ( 16 في بغداد) وهو الآخر يعيش في الدنمارك ويعود الى بغداد ليعرض ماآلت اليه الحياة هناك بعد العام 2003 ، يفعلها ايضا المخرج قاسم عبد في فيلمه الوثائقي "الحياة بعد السقوط" الذي يقدم فيه جوانب من حياة اسرته :اخوته واخواته وكيف يعيشون في بغداد بعد انهيار النظام السابق وبعد الأحتلال ويفعلها المخرج هادي ماهود في فيلمه ( العراق وطني ) الذي يعرض للموضوع نفسه في اجواء مدينته السماوة .

اذا نحن امام لازمة وثائقية تتكرر بهذا الشكل او ذاك في عدد من الأفلام الوثائقية العراقية .

في هذا الفيلم الذي صنعه هذا الشاب الواعد "علاء محسن" البالغ من العمر 22 عاما بأمكانات بسيطة وبدعم دنماركي من خلال شركة بي يو فيلم وبتكلفة تقدر بمئة الف دولار امريكي، يذهب الى محافظة الديوانية لملاقاة امه واقاربه هناك حيث تكون الحياة مزرية اكثر واكثر ، الطرقات المتربة المحطمة والمباني المتهالكة والمعاناة اليومية للناس في صيف لاهب يكتوي الناس بحرارته في ظل الأنقطاع المستمر للتيار الكهربائي ومايلبث الشاب ان يقطع وتيرة الأحداث ليروي من وجهة نظره مايجري وهو الذي يتحدث الدنماركية بطلاقة .

في مدينة الديوانية تتجسم فواجع اخرى ممثلة في عادات زيارة المقابر وتفقد الأحبة من ضحايا العنف المدفونين في مقبرة وادي السلام في النجف حيث اكبر مقبرة في العالم .

وهناك يترحمون على ارواح اعزائهم ومنهم عم ذلك الشاب الذي يقضى بعد عدم حصوله على اللجوء في الدنمارك ليعود الى العراق وحيث يجد قدره يتربص به وفي انتظاره حيث يختطف ويقتل .

مايتطلع له الشباب العراقي ومايحلمون به يتجلى في حديث ابن عم الشاب :المخرج ، المصور الراوي الذي يحلم بالهجرة بعد تحطم الآمال في حياة طبيعية في داخل العراق ، وطريفة هي تلك الأحلام فالشاب يروي قصته وهو الشاب اليافع :انه عمل في شتى المهن ، بائعا وجنديا وسائقا وغير ذلك وكلها لم توفر له الحياة التي يحلم بها ولهذا لا يجد بديلا امامه غير الهجرة .

يجري ذلك الحوار كله على سطح المنزل في عتمة الليل حيث يدفع انقطاع الكهرباء الى لجوء العائلات الى النوم على سطوح المنازل .

لكن التحول الجذري في حياة الشاب يقع عندما يفقد والدته التي يفترض انها ستعود معه الى الدنمارك وهو حدث مؤثر للغاية بالنسبة له .

ثم يتبع ذلك تطور تلك التراجيديا الى تأبين الأم ودفنها وسط بكاء وعويل الشاب واقاربه .

مقتربات اخرى

يحمل الفيلم شحنة قوية من الشجن الذي يتراكم في عقل المشاهد العراقي والعربي من كثرة المآسي والخراب الذي عاشه ويعيشه المجتمع العراقي في ظل ما صار يعرف عالميا بالدولة الفاشلة .

في هذه الدولة الفاشلة لم يبق من آثار الأحتلال الا خراب متفشي في كل مكان وحزن مقيم وحياة محملة بالمشاق والصعاب.

ولهذا ربما كنت وقائع الفيلم تبدو معتادة بالنسبة لمشاهد غربي وحيث الفيلم من انتاج دنماركي اما بالنسبة للمشاهد العراقي وحتى العربي فالمسألة تبدو ثقيلة الوطء من كثرة المشاهد النمطية المنطبعة في عقله المشاهد .ولعل هذا يقودنا الى وجود احساس بالرتابة حاول المونتاج التخلص منها الى اقصى مايستطيع لكن المسألة كانت برسم الأخراج وعمل المخرج الذي اراد لفيلمه ان يكون بهذا الشكل .لكن الملفت للنظر هو ان المخرج الشاب يصرح مرارا ان موضوع فيلمه هو البحث عن الهوية اذ يصرح في احدى المقابلات التي اجريت معه ابان انعقاد المهرجان قائلا :" لقد كنت ابحث عن العراق الذي بداخلي وعن هويتي لأني ظللت بين احاسيس متناقضة واتساءل دائما : من انا ؟ ، هل انا دنماركي ؟ رغم ان لهجتي ومظهري يعرفان الجميع اني عربي عراقي لذلك قررت الخضوع لرغبة امي في العودة الى العراق للأجابة عن الأسئلة التي حيرتني لسنوات طويلة ".

لايتحمل الفيلم بعد سرد الوقائع من وجهة نظر شاب قادم من الدنمارك كثير من القراءات لاسيما وانه يؤكد مرار وتكرارا انه قادم من الدنمارك وانه يعيش في الدنمارك ثم يجعل امه قبل وفاتها ان تردد هي الأخرى انها تشكر الدنمارك وحكومة الدنمارك لأن هذا البلد اواهم وساعدهم وقبلهم كلاجئين تحت وطأة الظروف القاسية التي عاشوها .

وكان من نتائج استطرادات المخرج الشاب الذي لما تنضج تجربته وادواته بعد انه شتم العراق اكثر من مرة وتلك الشتيمة لم يكن لها مايبررها لامنطقيا ولا انسانيا ، ومسألة الجرأة على الناس والأستهانة بمشاعر شعب بكامله لم تكن بالأمر اللائق ولا الصحيح مهما كانت اسبابه التي تبدو ساذجة الى حد كبير وهو مااثار حفيظة الكثيرين . ولاادري ماهي الفائدة التي جناها هذا المخرج الشاب من اطلاقه تلك الشتيمة التي ربما صدرت منه وهو في وضع نفسي مترد ابان وفاة والدته ولكن ذلك لايبرر الأصرار على ابقاء تلك الشتيمة النابية .

من جهة اخرى لاشك ان ثمة اعتبارات تحسب لهذا الشاب الواعد ومنها بساطة طرح الموضوع وعدم تكرار كليشيها ت الصور والمقابلات الشخصية وترك الشخصيات على عفويتها من جهة ومن جهة اخرى استخدام الحركة المهتزة وعدم ثبات آلة التصور في القسم الأعظم من المشاهد وقد بدا هذا الأستخدام مقنعا تماما بسبب دخول الشخصية ذلك العالم القلق الذي التبست مسبقا معالمه في ذهن ذلك الشاب وهو يزور العراق للمرة الأولى بعد سنوات من الأغتراب وحيث لم يبق من العراق في ذهنه الا صور متداخلة شاحبة تعود الى سنوات الطفولة البعيدة .

ويحسب للفيلم المونتاج المتقن واستخدام الموسيقى التصويرية التي جاءت بالتوازي مع السرد المباشر للشخصية وهي تروي يومياتها .

واذا توقفنا عند المونتاج ووجود المشاهد الزائدة ، يمكننا تشخيص بعضها ومنها ثرثرة العجوز اي الجدة ومنها ايضا المشاهد المكررة التي تؤكد عدم وجود الكهرباء وهو ماتشكو منه اغلب الشخصيات بطريقة متكررة .

ربما كان الفيلم في بعض مشاهده اكثر تلبية لدافع الفضول لدى المشاهد الغربي لكنه في الوقت نفسه يكون قد تخطى الى حد ما (الجرعة) المطلوبة والمعقولة من المادة التراجيدية والكئيبة التي طبعت وتطبع الواقع العراقي منذ الأحتلال وحتى اليوم .

تكرار المعالجات لاتخدم المخرج العراقي

وعودا الى تكرار المعالجات في عدد من الأفلام الوثائقية مابين قاسم عبد وهادي ماهود وطارق هاشم وهذا المخرج الشاب والواعد فمن المؤكد ان لكل منهم معالجته الفيلمية المختلفة عن الآخر لكنهم جميعا يلتقون في نقطة مشتركة واحدة ومهمة الا وهي فكرة عودة المغترب الى العراق وكيف آلت اليه احوال الناس والمجتمع وكلهم ايضا وكتحصيل حاصل يكون اقاربهم بانتظارهم لكي يطلعونهم على متغيرات حياتهم وكلهم ايضا يتم الأحتفاء بعودتهم من قبل الأهل والأقارب وكلهم يبدأون في تفحص الوضع السائد بمساعدة اقاربهم واهلهم اللذين يصحبونهم الى اماكن عدة من بغداد وخارج بغداد في بعض الأحيان .

لست اختلف كثيرا مع هذا النوع من المعالجة الفيلمية الوثائقية بل انني ارى ان هنالك مشاريع افلام اخرى ستأتي ربما لن تخرج عن هذا الأطار ولكن بشرط ان تحاول التخلص من الكليشيه في المعالجة وان لاتكرر بعضها البعض ولا تردد الأفكار نفسها .

ولعلها مسألة معتادة من وجهة نظر المغتربين انهم يريدون اعادة اكتشاف بلدهم الذي فارقوه لسنوات وماذا جرى من احداث ومتغيرات منذ مغادرتهم له وحتى عودتهم اليه ولكن النقطة المهمة سترتبط بمقتربات المعالجة الدرامية للموضوع والتي تعبر عن وجهة نظر كل شخص على حدة .

من هنا صرنا امام شكل واقعي يحاكي التحولات الدراماتيكية التي طرأت على الواقع العراقي بعد العام 2003 وتلك مسألة ستحيلنا مباشرة الى فكرة العنف المصاحب للحياة العراقية بعد العودة الى الوطن والعنف يتكرر في ثلاثة افلام عراقية على الأقل ففي فيلم قاسم عبد يتم اختطاف شقيقه في اثناء توثيقه للأحداث وفي فيلم هادي ماهود يتجلى العنف في نزعات الحركات والأحزاب السياسية التي تحمل السلاح وفي هذا الفيلم يتجلى العنف في اختطاف خال المخرج نفسه والتي تنتهي بتصفيته .

عنف وبكائيات

من المؤكد ان ثيمة العنف في الأفلام الوثائقية العراقية تحولت الى لازمة تتكرر لاسبيل لمخرجي هذه الأفلام للتخلص منها او بمعنى آخر تجاوزها ، لكن الفارق في المعالجات الفيلمية يكمن في كيفية تقديم صورة العنف وتأثيره والأبتعاد عن البكائيات والرتابة والتكرار التي تقع فيها كثير من الأفلام الوثائقية في كونها تنقل ماتراه وماتعيشه الشخصيات بلا تحريف ولا تعديل لكن المسألة المهمة هنا هي الأجابة عن سؤال : اي واقع نريد ان نقدمه الى المشاهد ؟ هل هو الواقع المختزن في الأذهان الذي طالما قدمته الفضائيات ؟ ام هو واقع مواز يتم فيه تلمس تلك الحياة التي تدب بصبر واناة ومن دون توقف ؟ ام هي تلك التفاصيل غير المرئية التي عجزت الفضائيات ووسائل الأعلام التقليدية من الأقتراب منها او الوصول اليها ؟.

مما لاشك فيه ان جدلا كهذا ينبع من طبيعة الفيلم الوثائقي نفسه لحساسيته ولوجود اعتقاد لدى كثير من الذين يخوضون في هذا الحقل ان هذا الفيلم يتطلب نقل الحقيقة كما هي من دون تعديل ولا تغيير والمحافظة على الوقائع الحقيقية ...مما لاشك فيه ان تخريجا كهذا لايخلوم من الصحة ولكن الأغراق في تكرار ماهو معروف ومعلوم سيوقع الفيلم وصانعه او صانعيه في مآزق لأنه في هذه الحالة سيفقد قسما لايستهان به من المشاهدين الذي يضعف لديهم دافع المتابعة والأهتمام بمايشاهدونه

.......................

المخرج قتيبة الجنابي

الفيلم الفائز بالجائزة الأولى في مهرجان الخليج السينمائي الرابع 2011..
...."...الرحيل من بغداد" للمخرج قتيبة الجنابي:الذات الهائمة في المنافي تلاحقها صور الماض وآثامه
...طاهر علوان...
..معالجة سينمائية متميزة تخلصت من البكائيات السائدة...
تحضر في ذهني هذه الأيام افكار عن ظاهرة الأفلام العراقية التي صرنا نشاهدها هنا وهناك في المهرجانات وهي لاتزيد على اصابع اليد الواحدة فضلا عن الأفلام قصيرة والوثائقية ، فهذه الأفلام يجد صانعوها انفسهم امام تحديين ومشكلتين اساسيتين ، هما ان ما يقولونه او سيقولونه في افلامهم يجب ان لايكون تكرارا ولا اجترارا ولانسخة مكملة لصور الكوارث والمحن التي عصفت بالعراق سواء في زمن النظام السابق او بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد ، ذلك ان وسائل الأعلام وخاصة الفضائيات لم تترك شاردة ولا واردة الا وارسلت كاميراتها وطواقمها لنقلها الى العالم ، ولهذا تعبأ ذهن المشاهد بصور الخراب العراقي وهو يدرك جسامة المحنة وثقل الأحزان التي تفتك بالشخصية العراقية ولهذا يجب الغوص فيما وراء تلك الصورة النمطية وان لايكون الفيلم اجترارا ولا تكرارار من جهة ولا استدرارا لعواطف ومشاعر الجمهور وخاصة الغربي فيعطف على الفيلم ومخرجه وطاقمه فيتحقق الهدف المرجو ..المشكلة الأخرى التي يواجهها صانعوا هذه الأفلام انهم امام واقع صعب ومعقد وخطير ايضا وهو ان ليس من السهل ان تخرج الكاميرا وطاقم الفيلم الى الشارع لغرض تصوير فيلم ما...في ظل هذا كله يأتي فيلم الرحيل من بغداد للمخرج قتيبة الجنابي وهو اول افلامه الروائية الطويلة بعد رحلة طويلة مع الأفلام القصيرة والوثائقية .
والجنابي انسان حالم بمعنى الكلمة ومخلص لمشروعه الأبداعي والأنساني واول ماسيبادرك وانت تلتقي به انه يريد صنع فيلم آخر وآخر ولكنه يحتاج الدعم ...هو بلا دعم ...لايجبد (فن الحصول) على المنح المالية متعددة الجنسيات ، وهو يتحدث عن ذلك ببراءة وصدق ففيلمه ليس عابرا للحدود، هو عاجز عن (شم) رائحة الدعم والتقدم لها ولو كانت في الصين ....هذه مشكلة قتيبة ...الذي لايملك غير كاميرته التي ترافقه اينما حل واقام ...ولهذا هو لن يتوقف عن التصوير والأخراج بتقشف شديد وامكانات تكاد تكون فقيرة..بل انه ضمن نوع المخرجين الذين يعملون من دون ميزانية ..
مختصر القصة
الغوص في الواقع ..ضياع الحلم ...الشخصنة وحب الرموز ..الخيانة وبيع الضمير ..الأغتراب والمنفى ...كل هذه هي مقتربات مهمة للدخول الى هذا الفيلم : طارق (الممثل صادق العطار ) تدرج في ولائه لنظام صدام حسين وحزبه حتى اصبح مصورا خاصا له ، وهو مولع بصور (القائد الضرورة) ووقفاته الشجاعة والكاريزما وكل ذلك تستعرضه ذاكرته من خلال كم من المشاهد الوثائقية من يوميات صدام ، والرجل يستعرض ذلك وهو في مأزق كبير فقد سقط النظام واحتل العراق ، وهاهو المصور يكتب رسالة الى ولده الذي نكتشف فيما بعد انه مفقود في الحرب بينما زوجته تقيم في بريطانيا فيقرر الهرب من العراق خوفا على حياته ورثاءا للماضي السعيد الذي يحن اليه حنينا شديدا حتى تحسب ان الفيلم ماهو الا نوستالجيا وتمجيد لذلك الزمن الغابر ...ويتنقل طارق بين بلدان عدة لانعرفها اذ عمد المخرج على تعويمها وطمسها لنجد انفسنا اخيرا في هنغاريا ، وهناك يحاول العثور على مهرب يساعده في الوصول الى لندن ، وكلما صادف شخصا سأله عن كيفية الوصول الى لندن ، فيتلقى النصائح من هذا وذاك مع تحذير شديد من الوقوع في حبائل المخادعين الذين يأخذون المال ويرمون الشخص على الحدود ...وفي آخر المطاف وبعد اتصالات تلفونية عديدة مع زوجته المقيمة في لندن لكي ترسل له المال ، يعثر على مهرب لكنه يطالبه بمبلغ خمسة الاف دولار هو لايملكها ، فيخرجه من تلك الحجرة التي كان يسكن فيها ، خلال ذلك هنالك من يراقبه ويلاحقه من بعد في سيارة ولانعرف من هو وماذا يريد منه ، لكننا نكتشف ان صورته قد ارسلت الى شخص ما يستدرجه ويأخذ جوازه وينصحه ان يسافر الى بلدة على الحدود الهنغارية حيث من الممكن ان يساعده بعض اقارب ذلك الشخص ويصل الى احد الأرياف ويمضي ليلته في ضيافة فلاح هنغاري ليلاحقه ذلك الشخص ويجهز عليه برصاصة يستحقها لكنه لايموت كما يظهر في الفيلم ، وهو يستحق الموت حقا لسبب هو انه وشى بأبنه الوحيد كونه صار شيوعيا وبدأ يعمل مع المعارضة ضد نظام صدام ، وحرصا منه على الحفاظ على منصبه وامتيازاته في القصر الجمهوري ولكونه مصورا شخصيا لصدام تكون النتيجية انه يقوم بنفسه يتصوير مشهد قطع رأس ابنه بالسيف ..
مابين الروائي والواقعي- الوثائقي
يحرص المخرج منذ البداية على منح فيلمه قدرا كبيرا جدا من الواقعية ، فالتصوير كله يتم في اماكن حقيقية والشخصيات التي ظهرت في الفيلم ليس من بينها ممثل واحد هو ممثل محترف بل اختارهم المخرج من الحياة فضلا عن شحن الفيلم بكم من الصور الوثائقية من وثائق نشاطات صدام اليومية ومشاهد الجلد والتعذيب ، هذا كله دافع عنه المخرج بأصرار ، انه كان متعمدا اتخاذ هذا الحل الأخراجي ، ولذلك بدت هنالك مساحة من الفيلم الوثائقي لايقطعها الا التحول في الكشف عن علاقة طارق بالنظام التي اثبت فيها الأخلاص من خلال الوشاية بالأبن .
واذا فرغنا من كون الفيلم ينتمي الى افلام الطريق فأن المخرج عمد الى التنويع على الموضوع من خلال اثارة موضوع المنفى والتشرد والضياع الذي تعيشه الشخصية التي فقدت الجاه والسلطان واذا بطارق لايكاد يملك قوت يومه .
يمزج المخرج خطوطا عدة مع بعضها ملمحا لموضوع المعارضة الشيوعية متخذا موقف الدفاع غير المباشر عن اليسار العراقي في تصديه للنظام السابق ومن جهة اخرى يمزج ذلك بملمح انساني في حنين طارق لأبنه وهو حنين فطري لكنه يبدو فجا وساذجا عندما يري صورة الأبن للكثيرين ، اذ لا يستقيم ذلك مع تعمده الوشاية به ثم الحنين اليه .
ومن وجهة نظر شخصية لم اكن متفقا مع اختيار المخرج لممثل لم يقف يوما ممثلا محترفا امام الكامير ، كان بحاجة الى ممثل اكثر حرفية وخبرة ، ثم تلاحظ الغياب التام للمرأة التي لم يكن لها دور يذكر في الفيلم وكان بالأمكان لصداق ان يلتقي امرأة في رحلته الطويلة لتمنح وجها آخر للأحداث كما اني لست متفقا مع المخرج في مسألة تعويم المكان في اثناء تنقل الشخصية الهاربية بين البلدان...نقاط وجدت الأشارة اليها ضرورية من دون ان تنال من الفيلم وجهد المخرج شيئا.
استدرار العواطف والتراجيديا التي تتكرر
واضح جدا عدم سقوط الفيلم في معالجته واخراجه في ماسقط فيه آخرون عندما قدموا افلاما او تمثيليات تلفزيونية لذرف الدموع واستدرار عواطف المشاهدين الغربيين خاصة ، وعدم الأمعان في العزف على وتر الفجيعة ، بل انه عرض بموضوعية من خلال طارق الذي هنالك من سيحبه ومن لايحبه ، عرض من خلاله واقع اولئك العراقيين الذين يتنقلون من منفى الى منفى ويبحثون لهم عن بقايا حياة آدمية خاصة بالنسبة لطارق فهو كمن يريد التخلص من ذاته ، لكنه لم يظهر ولا في مشهد واحد مع نفسه وهو يشعر بوطأة تأنيب الذات تجاه مااقترفه تجاه ابنه وهو تجنب آخر للبكائيات وتحريك العواطف ، فهو اراد من طرف خفي محاكمة مرحلة سابقة وراهنة ، فطارق العاشق لصورة قائده (الرمز ) مثله مثل آخرين يهيمون بذلك العشق سواء قلوا او كثروا متجاوزين او متجاهلين كل الكوارث التي حلت بالعراق وكأنها جاءت من المريخ ومن دونما سبب في فتح الأبواب الما آلت اليه الأمور ..
فضلا عن ظاهرة غير مسبوقة انسانيا وتتناقض مع الضمير والفطرة السوية الا وهي الوشاية بأقرب الناس وهو فعل تكرر من نساء قمن بالوشاية بأزواجهن او اخوانهن او رجال وشوا بأبنائهم او العكس ..وكانوا يحصلون على اكراميات في مقابل قتل اولئك الذين وشوا بهم ، وطارق فضل الأمتيازات التي يتمتع بها حيث يعمل في القصر الجمهوري على اي شيء آخر .
الصوت الخارجي والحوار
لعل من اجمل مالجأ اليه المخرج وهو كاتب السيناريو ايضا هو لجوءه الى الصوت الخارجي عند كتابة رسائله لأبنه (voice over( فهو منح الفيلم مسارا سرديا مميزا فمن جهة رسخ الأيهام لدى المشاهد بأنه مجرد حنين من اب لأبنه وبذلك قاد المشاهد الى تتبع ما سجري لاحقا ومن جهة اخرى قدم معالجة منطقية لما سيلي من الهجرة وترك الديار في المقابل كانت الحوارات المتكررة لطارق مع زوجته عبر الهاتف ، وقد ذكرت للمخرج المبدع قتيبة الجنابي هذه النقطة وكذلك تحدثت مع المونتير الأنجليزي "وايت تيجر" وتمنيت لو ابتدأ فيلمه بعد المشهد العام لبغداد الصوت الخارجي لكتابة الرسالة بدل المحادثة التلفونية .
..............
لاشك ان كل ماذكره المخرج من مكابدات ومصاعب واجهته لأنجاز فيلمه واضحة ، وهي لم تنل من صبره واصراره على انجاز الفيلم ، فقد انجزه معتمدا تماما على امكاناته الذاتية في ميزانية متقشفة جدا ، ولم يحصل الا على دعم بسيط من مهرجان دبي السينمائي ساعده على اكمال المراحل الأخيرة ، لكن الفيلم مازال يحتاج الى ان ينقل الى نسخة 35 ملم وهو مايسعى المخرج جاهدا للوصول اليه من خلال تمويل هذه المرحلة من جهة ما .
............قتيبة الجنابي الذي تميز مصورا ومخرجا للأفلام القصيرة هاهو يطرح نفسه مخرجا واعيا وناضجا في هذا الفيلم الذي يفتح له افقا جديدا في مجال السينما الروائية نتطلع الى ان تتجذر اكثر وان يجد السبيل الى تمويل كاف لفيلمه المقبل لكي يتجاوز اي مشكلات ومصاعب فنية .
..........فاز الفيلم عن جدارة بالجائزة الأولى لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي الرابع الذي اختتم مؤخرا في دبي.


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels