فيلم "طفل العراق " في افتتاح مهرجان الخليج السينمائي الرابع :...
الأفلام العراقية تواجه مشكلة اجترار البكائيات الكئيبة والعنف...
طاهر علوان...
بانعقاده هذا العام يكون مهرجان الخليج السينمائي الرابع قد رسخ مساره في احتضان العديد من التجارب السينمائية في منطقة الخليج وفي استقطابه للطاقات والمواهب السينمائي الواعدة .
ومما لاشك فيه ان طبيعة المنطقة من جهة الأنتاج السينمائي تحتاج الى مزيد من التشجيع والتحفيز لغرض ضخ دماء وروح جديدة في هذا الحقل وذلك مايحرص عليه مهرجان الخليج عبر دوراته المتعددة .
قدم هذا المهرجان ومن خلال مسابقاته وعروضه المتعددة فرصة طيبة لطلبة السينما وللهواة بموازاة المحترفين وهنالك مسابقة للأفلام الأماراتية ومسابقات للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية تتسابق في الحصول على على جوائزها وقد بلغ عدد الأفلام المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي الرابع 153 فيلما
وبحسب الدول : الإمارات 45 فيلماً؛ العراق 23 فيلماً، و12 فيلماً من السعودية، و11 من الكويت و 8 من قطر: و 7 من سلطنة عمان، و 2 من البحرين ...
وحصد السينمائيون العراقيون مجموعة مهمة من جوائز المهرجان .
فيلم طفل العراق
يحكي هذا الفيلم قصة شاب عراقي يقرر العودة من منفاه في الدنمارك حيث امضى جزءا من طفولته ومراهقته في تلك البلاد ، ومنذ البداية يعتمد الفيلم طريقة مباشرة في تعريف الشخصية بنفسها من خلال الحديث المباشر امام آلة التصوير ، يتحدث عن جوانب من حياته في المنفى وانه قرر السفر الى العراق بعد ان سبقته امه الى هناك وتركت له تذكرة السفر ، وما يلبث ان يصل الى هناك وحيث يكون عمه في استقباله ليروي له ماذا يعني ان تعيش في بغداد وفي العراق عموما حيث الحياة تفتقر الى ابسط المقومات واولها بالطبع مشكلة عدم توفر امدادات الكهرباء وهي المشكلة الأزلية التي تجدها في اغلب الأفلام الوثائقية العراقية من منطلق انها العلامة المباشرة لمعاناة العراقيين اليومية .
العودة "الى الجذور " الى بغداد والى العراق شكلت مقتربا مهما بل المقترب الأهم على الأطلاق في موضوعات افلام اكثر من مخرج عراقي ، ووجدناها لدى المخرج طارق هاشم في فيلمه ( 16 في بغداد) وهو الآخر يعيش في الدنمارك ويعود الى بغداد ليعرض ماآلت اليه الحياة هناك بعد العام 2003 ، يفعلها ايضا المخرج قاسم عبد في فيلمه الوثائقي "الحياة بعد السقوط" الذي يقدم فيه جوانب من حياة اسرته :اخوته واخواته وكيف يعيشون في بغداد بعد انهيار النظام السابق وبعد الأحتلال ويفعلها المخرج هادي ماهود في فيلمه ( العراق وطني ) الذي يعرض للموضوع نفسه في اجواء مدينته السماوة .
اذا نحن امام لازمة وثائقية تتكرر بهذا الشكل او ذاك في عدد من الأفلام الوثائقية العراقية .
في هذا الفيلم الذي صنعه هذا الشاب الواعد "علاء محسن" البالغ من العمر 22 عاما بأمكانات بسيطة وبدعم دنماركي من خلال شركة بي يو فيلم وبتكلفة تقدر بمئة الف دولار امريكي، يذهب الى محافظة الديوانية لملاقاة امه واقاربه هناك حيث تكون الحياة مزرية اكثر واكثر ، الطرقات المتربة المحطمة والمباني المتهالكة والمعاناة اليومية للناس في صيف لاهب يكتوي الناس بحرارته في ظل الأنقطاع المستمر للتيار الكهربائي ومايلبث الشاب ان يقطع وتيرة الأحداث ليروي من وجهة نظره مايجري وهو الذي يتحدث الدنماركية بطلاقة .
في مدينة الديوانية تتجسم فواجع اخرى ممثلة في عادات زيارة المقابر وتفقد الأحبة من ضحايا العنف المدفونين في مقبرة وادي السلام في النجف حيث اكبر مقبرة في العالم .
وهناك يترحمون على ارواح اعزائهم ومنهم عم ذلك الشاب الذي يقضى بعد عدم حصوله على اللجوء في الدنمارك ليعود الى العراق وحيث يجد قدره يتربص به وفي انتظاره حيث يختطف ويقتل .
مايتطلع له الشباب العراقي ومايحلمون به يتجلى في حديث ابن عم الشاب :المخرج ، المصور الراوي الذي يحلم بالهجرة بعد تحطم الآمال في حياة طبيعية في داخل العراق ، وطريفة هي تلك الأحلام فالشاب يروي قصته وهو الشاب اليافع :انه عمل في شتى المهن ، بائعا وجنديا وسائقا وغير ذلك وكلها لم توفر له الحياة التي يحلم بها ولهذا لا يجد بديلا امامه غير الهجرة .
يجري ذلك الحوار كله على سطح المنزل في عتمة الليل حيث يدفع انقطاع الكهرباء الى لجوء العائلات الى النوم على سطوح المنازل .
لكن التحول الجذري في حياة الشاب يقع عندما يفقد والدته التي يفترض انها ستعود معه الى الدنمارك وهو حدث مؤثر للغاية بالنسبة له .
ثم يتبع ذلك تطور تلك التراجيديا الى تأبين الأم ودفنها وسط بكاء وعويل الشاب واقاربه .
مقتربات اخرى
يحمل الفيلم شحنة قوية من الشجن الذي يتراكم في عقل المشاهد العراقي والعربي من كثرة المآسي والخراب الذي عاشه ويعيشه المجتمع العراقي في ظل ما صار يعرف عالميا بالدولة الفاشلة .
في هذه الدولة الفاشلة لم يبق من آثار الأحتلال الا خراب متفشي في كل مكان وحزن مقيم وحياة محملة بالمشاق والصعاب.
ولهذا ربما كنت وقائع الفيلم تبدو معتادة بالنسبة لمشاهد غربي وحيث الفيلم من انتاج دنماركي اما بالنسبة للمشاهد العراقي وحتى العربي فالمسألة تبدو ثقيلة الوطء من كثرة المشاهد النمطية المنطبعة في عقله المشاهد .ولعل هذا يقودنا الى وجود احساس بالرتابة حاول المونتاج التخلص منها الى اقصى مايستطيع لكن المسألة كانت برسم الأخراج وعمل المخرج الذي اراد لفيلمه ان يكون بهذا الشكل .لكن الملفت للنظر هو ان المخرج الشاب يصرح مرارا ان موضوع فيلمه هو البحث عن الهوية اذ يصرح في احدى المقابلات التي اجريت معه ابان انعقاد المهرجان قائلا :" لقد كنت ابحث عن العراق الذي بداخلي وعن هويتي لأني ظللت بين احاسيس متناقضة واتساءل دائما : من انا ؟ ، هل انا دنماركي ؟ رغم ان لهجتي ومظهري يعرفان الجميع اني عربي عراقي لذلك قررت الخضوع لرغبة امي في العودة الى العراق للأجابة عن الأسئلة التي حيرتني لسنوات طويلة ".
لايتحمل الفيلم بعد سرد الوقائع من وجهة نظر شاب قادم من الدنمارك كثير من القراءات لاسيما وانه يؤكد مرار وتكرارا انه قادم من الدنمارك وانه يعيش في الدنمارك ثم يجعل امه قبل وفاتها ان تردد هي الأخرى انها تشكر الدنمارك وحكومة الدنمارك لأن هذا البلد اواهم وساعدهم وقبلهم كلاجئين تحت وطأة الظروف القاسية التي عاشوها .
وكان من نتائج استطرادات المخرج الشاب الذي لما تنضج تجربته وادواته بعد انه شتم العراق اكثر من مرة وتلك الشتيمة لم يكن لها مايبررها لامنطقيا ولا انسانيا ، ومسألة الجرأة على الناس والأستهانة بمشاعر شعب بكامله لم تكن بالأمر اللائق ولا الصحيح مهما كانت اسبابه التي تبدو ساذجة الى حد كبير وهو مااثار حفيظة الكثيرين . ولاادري ماهي الفائدة التي جناها هذا المخرج الشاب من اطلاقه تلك الشتيمة التي ربما صدرت منه وهو في وضع نفسي مترد ابان وفاة والدته ولكن ذلك لايبرر الأصرار على ابقاء تلك الشتيمة النابية .
من جهة اخرى لاشك ان ثمة اعتبارات تحسب لهذا الشاب الواعد ومنها بساطة طرح الموضوع وعدم تكرار كليشيها ت الصور والمقابلات الشخصية وترك الشخصيات على عفويتها من جهة ومن جهة اخرى استخدام الحركة المهتزة وعدم ثبات آلة التصور في القسم الأعظم من المشاهد وقد بدا هذا الأستخدام مقنعا تماما بسبب دخول الشخصية ذلك العالم القلق الذي التبست مسبقا معالمه في ذهن ذلك الشاب وهو يزور العراق للمرة الأولى بعد سنوات من الأغتراب وحيث لم يبق من العراق في ذهنه الا صور متداخلة شاحبة تعود الى سنوات الطفولة البعيدة .
ويحسب للفيلم المونتاج المتقن واستخدام الموسيقى التصويرية التي جاءت بالتوازي مع السرد المباشر للشخصية وهي تروي يومياتها .
واذا توقفنا عند المونتاج ووجود المشاهد الزائدة ، يمكننا تشخيص بعضها ومنها ثرثرة العجوز اي الجدة ومنها ايضا المشاهد المكررة التي تؤكد عدم وجود الكهرباء وهو ماتشكو منه اغلب الشخصيات بطريقة متكررة .
ربما كان الفيلم في بعض مشاهده اكثر تلبية لدافع الفضول لدى المشاهد الغربي لكنه في الوقت نفسه يكون قد تخطى الى حد ما (الجرعة) المطلوبة والمعقولة من المادة التراجيدية والكئيبة التي طبعت وتطبع الواقع العراقي منذ الأحتلال وحتى اليوم .
تكرار المعالجات لاتخدم المخرج العراقي
وعودا الى تكرار المعالجات في عدد من الأفلام الوثائقية مابين قاسم عبد وهادي ماهود وطارق هاشم وهذا المخرج الشاب والواعد فمن المؤكد ان لكل منهم معالجته الفيلمية المختلفة عن الآخر لكنهم جميعا يلتقون في نقطة مشتركة واحدة ومهمة الا وهي فكرة عودة المغترب الى العراق وكيف آلت اليه احوال الناس والمجتمع وكلهم ايضا وكتحصيل حاصل يكون اقاربهم بانتظارهم لكي يطلعونهم على متغيرات حياتهم وكلهم ايضا يتم الأحتفاء بعودتهم من قبل الأهل والأقارب وكلهم يبدأون في تفحص الوضع السائد بمساعدة اقاربهم واهلهم اللذين يصحبونهم الى اماكن عدة من بغداد وخارج بغداد في بعض الأحيان .
لست اختلف كثيرا مع هذا النوع من المعالجة الفيلمية الوثائقية بل انني ارى ان هنالك مشاريع افلام اخرى ستأتي ربما لن تخرج عن هذا الأطار ولكن بشرط ان تحاول التخلص من الكليشيه في المعالجة وان لاتكرر بعضها البعض ولا تردد الأفكار نفسها .
ولعلها مسألة معتادة من وجهة نظر المغتربين انهم يريدون اعادة اكتشاف بلدهم الذي فارقوه لسنوات وماذا جرى من احداث ومتغيرات منذ مغادرتهم له وحتى عودتهم اليه ولكن النقطة المهمة سترتبط بمقتربات المعالجة الدرامية للموضوع والتي تعبر عن وجهة نظر كل شخص على حدة .
من هنا صرنا امام شكل واقعي يحاكي التحولات الدراماتيكية التي طرأت على الواقع العراقي بعد العام 2003 وتلك مسألة ستحيلنا مباشرة الى فكرة العنف المصاحب للحياة العراقية بعد العودة الى الوطن والعنف يتكرر في ثلاثة افلام عراقية على الأقل ففي فيلم قاسم عبد يتم اختطاف شقيقه في اثناء توثيقه للأحداث وفي فيلم هادي ماهود يتجلى العنف في نزعات الحركات والأحزاب السياسية التي تحمل السلاح وفي هذا الفيلم يتجلى العنف في اختطاف خال المخرج نفسه والتي تنتهي بتصفيته .
عنف وبكائيات
من المؤكد ان ثيمة العنف في الأفلام الوثائقية العراقية تحولت الى لازمة تتكرر لاسبيل لمخرجي هذه الأفلام للتخلص منها او بمعنى آخر تجاوزها ، لكن الفارق في المعالجات الفيلمية يكمن في كيفية تقديم صورة العنف وتأثيره والأبتعاد عن البكائيات والرتابة والتكرار التي تقع فيها كثير من الأفلام الوثائقية في كونها تنقل ماتراه وماتعيشه الشخصيات بلا تحريف ولا تعديل لكن المسألة المهمة هنا هي الأجابة عن سؤال : اي واقع نريد ان نقدمه الى المشاهد ؟ هل هو الواقع المختزن في الأذهان الذي طالما قدمته الفضائيات ؟ ام هو واقع مواز يتم فيه تلمس تلك الحياة التي تدب بصبر واناة ومن دون توقف ؟ ام هي تلك التفاصيل غير المرئية التي عجزت الفضائيات ووسائل الأعلام التقليدية من الأقتراب منها او الوصول اليها ؟.
مما لاشك فيه ان جدلا كهذا ينبع من طبيعة الفيلم الوثائقي نفسه لحساسيته ولوجود اعتقاد لدى كثير من الذين يخوضون في هذا الحقل ان هذا الفيلم يتطلب نقل الحقيقة كما هي من دون تعديل ولا تغيير والمحافظة على الوقائع الحقيقية ...مما لاشك فيه ان تخريجا كهذا لايخلوم من الصحة ولكن الأغراق في تكرار ماهو معروف ومعلوم سيوقع الفيلم وصانعه او صانعيه في مآزق لأنه في هذه الحالة سيفقد قسما لايستهان به من المشاهدين الذي يضعف لديهم دافع المتابعة والأهتمام بمايشاهدونه
.......................