بالطبع هنالك كثير من الكلام يمكن ان يقال حول الدوافع والأسباب التي تقف وراء هذا الأهتمام والتكريس وقد سمعنا كثيرا وقرأنا اكثر حول ( الهجمة ) وحملات التشويه المغرضة ثم النزعة الحاقدة التي تستهدف العرب والمسلمين ماضيا وحاضرا . لكن القصة هنا ستتعلق بكل تأكيد لا بهذا الصحافي الحقود او ذاك السينمائي اللئيم الذي لاهم له سوى تشويه صورتنا الجميلة والأفتراء عليها , القصة ربما ارتبطت بمنظومة متكاملة تتعلق بكيفية التعامل مع الشعوب وطريقة تقديمها ولذلك تراكمات معقدة تقترن بتاريخ العلاقة بين الشرق والغرب فضلا على العلاقة بين الأديان .واقعيا كان الشرق بكل ماينطوي عليه من تاريخ دافعا مولدا لقراءة تلك العلاقة وتجسيدها ولذا يبرز باستمرار سؤال : من هم هؤلاء الغرباء وكيف يمكننا ان نتعامل معهم ؟ وربما كان هذا السؤال التقليدي قد تفاقم في راهننا المعاش بعد احداث الحادي عشر من ايلول وبعدما ضرب الأرهاب ليس الولايات المتحدة معقل هوليوود واساطينها بل انه ضرب الشرق الساحر في عقر داره وهو ماتتواتر قصصه المعروفة حتى صارت تلك القصص زاد الأعلام الفضائي وزوادته الأزلية .
II
وتمضي رحلة هذه العلاقة منذ اسطورة فالنتينو وسلسلة الشيخ وابن الشيخ التي سبق وتحدثنا عنها وصولا الى فيلم آخر يقدم صورة الشرق عبر هوليوود وهو فيلم ( هيدالجو ) الذي قام ببطولته عمر الشريف وفيجو مونترسن وزليخا روبنسن واخراج جو جونستن وهو الفيلم الذي يعرض في ارجاء العالم هذه الأيام وكان مجرد عرضه حاليا كافيا لأن يتصدى له جاك شاهين المتخصص الأمريكي اللبناني الأصل في صورة العرب على شاشات هوليوود .كانت هذه السينما هي محور اشتغال باحثين واكاديمين آخرين ومنهم الباحث الأكاديمي (سكوت جي سيمون ) الذي كتب سلسة من الدراسات المهمة في هذا الباب اذكر منها دراسته المهمة التي حملت عنوان : ( العرب في هوليوود : الصورة التي لايستحقونها ).في مطلع دراسته هذه يؤكد هذا الباحث ان صناعة الفيلم في هوليوود هي المسؤولة عن ترسيخ صورة ما عن العرب في اذهان الملايين من الأمريكان فضلا على ملايين اخرى في العالم الغربي وخارجه ,وواقعيا كما يذهب الباحث ان مشاهدي هذا النمط من الصور غير مهيئين لأختباره والتحقق من صدقيته او عدمها , مطابقته للحقيقة التاريخية ام مجافاتها وبحسب هذا الباحث فقد تصدت هوليوود بالخصوص للأقليات ولم تسلم اقلية من حملات هوليوود ويذكر من بين تلك الأقليات الزنوج والآسيويين والأقليات في المجتمع الأمريكي لكن المجموعة التي كانت اكثر تعرضا للتضليل والتشويه هم العرب والمسلمين .
III
بناءا على مايورده هذا الباحث فأني ارى ان اول مايلفت النظر هو وجود ( قرين ) مكاني للشخصية العربية وربما تكون هذه هي النقطة الأكثر اهمية وحساسية في تقويم منظومة الفيلم الهوليوودي وبهذا شهدنا ان بواكير الصور الهوليوودية قد اقرنت العر بي بالصحراء ومنذ الأفلام الأولى التي تحدثنا عنها آنفا وحتى الفيلم الأخير هيدالجو المعروض الآن ظلت الصحراء محور اشتغال الفيلم الهوليوودي في عرضه للشخصية العربية بكال ما تشتمل عليه من موجودات وكائنات ( الناقة , الرمال , الفضاء المفتوح , الخيام , الحريم ...) وبكل ما تنطوي عليه من سلوكيات هي من انتاج قريحة غربية .
لنأخذ هنا بعض الأمثلة من تلك البواكير من تاريخ السينما الصامتة : في فيلم اغنية الحب من انتاج العام 1923 هنالك صورة العربي نفسه الذي تكرر عند فالنتينو وهو العربي الصحراوي ذو البشرة السمراء , هذا العربي الصحراوي سيخرج على طاعة الغربي ويتمرد عليه بطريقة غريبة وينصب نفسه سلطانا على الشمال الأفريقي برمته وبطرق لاتخلو من دهاء وخديعة .وفي فيلم آخر من انتاج العام التالي 1924 وحمل عنوان مقهى في القاهرة نشاهد عربيا يقوم بقتل رجل انكليزي وزوجته ولكنه ينقذ حياة ابنتهما رغبة منه في الفوز بها واتخاذها زوجة ,ووسط مغامرات تتكشف شخصية انتهازية غريبة .اما فيلم فخر الصحراء المنتج سنة 1928 فأنه يقدم لنا سيرة شخص عربي اسمه( قاسم بن علي) وهو يتزعم قبيلة في الصحراء او مجموعة من قبيلة ويلقي القبض على مسؤول فرنسي هو وزوجته وبعد ان يمسكهما يقوم بتعذيبهما .
لن امضي في استقصاء نماذج وامثلة اخرى في حدود هذه المساحة . لكن مايمكن الخروج به هو اقتران العربي على الشاشة بمانسميه بالفضاء الحيوي للشخصية او مايسميه الباحث يوري لوتمان بالأطار الحسي للشخصية وهو الذي تسقط عليه ميولها ودوافعها السيكولوجية .
لكن بموازاة ذلك هنالك استنتاج موازي لايقل اهمية عن اقران الشخصية بالبيئة الصحراوية وهوالذي يختصر في سؤال : ماذا عن صورة الغربي في المقابل وسط هذه المعمعة ؟ الجواب الذي يتفق عليه الباحث سكوت جي سيمون هو :ان الغربي هو المنتصر في الفيلم .ففي الوقت الذي برزت فيه شخصية العربي المتمرد في فيلم اغنية الحب واعلان نفسه سلطانا على الشمال الأفريقي فأن الحصيلة هي قتل هذا السلطان المفترض من قبل الفرنسيين .واما ذاك الشاب الذي اقترن بالفتاة الأنكليزية في فيلم مقهى في القاهرة فتكون نهايته مماثلة لنهاية صاحبه على يد الأنكليز , واما نهاية بن علي في فيلم فخر الصحراء فهي الأخرى نهاية تراجيدية اذ يقتل ويشتت جمعه في طول الصحراء وعرضها .
مابين الفضاء الصحراوي ودلالاته والنهايات التراجيدية ثم منطق استشراقي يمارس فرضياته ويطبق اجندته في ترسيخ الصورة الأفتراضية للعربي في كل زمان ومكان لكن ثمة معطيات اخرى تتعلق بالفكر والبناء النفسي وهو ما يستحق البحث ....وللحديث صلة