لم يكن كل هذا يعني شيئا امام هذه الغزارة البصرية التي تتدفق بها الالة الممثلة للسينما الغزارة التي تقدمها الجداريات السينمائية الضخمة في مراكز التسوق والتجارة والمطارات والاماكن السياحية.
في المطار خاصة ووسط حركة الناس وراء مواعيد الرحلات تولد سينما اخرى سينما الناس العابرين الذين يلتقطون لقطة او مشهداً تندمج مع حركة الطائرات .. وكل شيء حركة في المكان.دهشة التلقي والمشاهدة صورت عنوانا لسينما اخرى مختلفة انها ما تسمى بـ(السينما المنزلية) سينما غرفة المعيشة غرف النوم وغرف الضيوف هي سينما اخرى وفرتها قنوات الافلام التي تدمج خرفية الفيلم مع فرضيات اخرى موازية واحوال مشاهدة مختلفة العثمة مفقودة هنا وكذلك مساحة العرض المرئي هنا سأتوقف عند رولان بارت فقد قرأ بارت السينما التي يسميها بـ(التجربة النقيضة) لا ادري لم يدعوها كذلك لكن سيفصل المسألة على اساس ان الظلام في التلفزيون معدوم والفضاء مألوف ومحدد (بالاثاث والاشياء المعروفة) كل شيء مدجن يخلص بارت في قراءته الى حصيلة متفردة يقول:
لقد حكم علينا التلفزيون بالعائلة التي اصبحت اداته المنزلية مثلما كانت المدفأة.
يراجع (مايكل كيلي) في قراءة موازية فرضيات رولان بارت تحت عنوان (جورج بوليه، دي اي ميللر ، بارت وانا) الفيلم المنزلي هو عنوان لسينما اخرى وتطبيق لآلية تلقي بعيدة عن سمعية بارت بـ(التنويم المغناطيسي) الذي تمثله المشاهدة في القاعة المعتمة او ما يسميه بارت بـ(المكعب المعتم). الموضوع الذي تطرحه المشاهده والتلقي ليست الا ادماجا لثقافة الفيلم بناء للمعنى وكثافة في الاشارات والرموز بثقافة كلية هي هذا النسيج الذي يتعامل معه الفرد.
رولان بارت مرة اخرى يراقب المشاهد الذي خرج تواً من السينما يقول:
(ينبغي للشخص الذي يتحدث هنا ان يعترف بشيء وهو انه يجب الخروج من قاعة سينما فيجد نفسه من جديد في الشارع المضاء والخالي يمشي صامتا لايحب بتاتا ان يتحدث مباشرة عن الفيلم الذي شاهده منذ حين يسير مخدرا لقد تحول جسده الى شيء ناعم وهادئ لين مثل قط نائم باختصار انه يخرج من تنويم مغناطيسي).
ثم يمضي رولان بارت في فرضية الذهاب الى السينما باستثناء حالة البحث عن شيء ثقافي محدد وهي حالة تتزايد في استمرار باستثناء هذه المسألة نذهب للسينما انطلاقا من بطالة واستعداد وعطلة.
يضيف : اننا لانحلم امام الفيلم وبواسطة الفيلم نحلم دون ان نعرف حتى قبل ان نصبح مشاهدين.
التلقي: الحلم هو قراءة اخرى للفيلم كانوا يعلموننا اشياء تتعلق بالتماهي التام، الاندماج مع الشخصيات ..
متعة المشاهدة المرتبطة بالتنويم المغناطيسي عادت لي برهة يوم كان الراحل (جعفر علي) يقودنا نحن تلامذته الى (قاعة علي) وهي قاعة منزوية ورطبة يديرها موظف اسمه علي ولم نكن نجد وقتا للعرض الا وسط النعاس منتصف الظهرة .. سأمضي يوما في استرجاع اجواء العرض والخربشات على الشاشة والقوقعة المعتمة التي نلوذ بها سأمضي في مشاهدة رائعتين : هما (غويا) ليندروتشوك و (الكسندر نيفسكي) لايزنشتاين ثم جاءت متعة فيلم(المدرعة بوتومكن).
متعة المشاهدة ليست فرضية سيجيولوجية من رولان بارت كما قرأنا بارت في مقتطفات تشبه الالغاز انها الان ترتبط بالحس والجمال والاشراق ونسق الثقافات وتقاليد الشعوب وثقافاتهم وسحناتهم وسلوكهم كل هذا وسط نوع من الحلم والتنويم الواعي وليس سينما العائلة التي اختلط فيها الاعلان بصوت مذيع كأنه يعلن البيان الاول للحرب ليخرجنا من احلام رولان بارت وتنويمه المغناطيسي