د.طاهر علوان
كان
مما لاشك فيه ان افلام المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي وهي 22 فيلما هذا العام هي الأكثر اثارة للأهتمام فهي مصنوعة خصيصا لكي تعرض في كان في عرضها الأول ونظرا لمستواها الفني والتقني بأختيارها من بين مئات الأفلام من جميع انحاء العالم لكي تدخل تلك المسابقة وبالطبع يجري الأحتفاء اليومي بهذه الأفلام من خلال استعراض ممثليها ومخرجيها وطاقمها على السجادة الحمراء في احتفال كبير وسط حشود ضخمة من الصحافيين ومحطات التلفزة ولتعرض في اكبر صالات العرض في المهرجان وهي صالة لوميير التي تتسع لألفين وخمسمائة متفرج ..وحيث يتزاحم لمشاهدتها آلاف من السينمائيين والجمهور على السواء ..وضمن هذه المسابقة الرسمية سأتوقف عند فيلم اجده مهما وجدير بالقراءة النقدية وتسليط الضوء عليه وهو الفيلم الذي حمل عنوان ( نبي ) لمخرجه الفرنسي - جاك اوديارد jacques Audiard والذي جرى اختياره ليمثل فرنسا في المسابقة الرسمية للمهرجان ..
و تأتي اهمية هذا الفيلم لأسباب عديدة يقع في مقدمتها انه يلامس قضية حساسة وبالغة الأهمية وهي قضية الجالية المسلمة وخاصة المغاربية التي تعيش في فرنسا ..وكيف تحول قسم من ابنائها الى قتلة ومجرمين وكان مصيرهم السجون ..والفيلم لايحاكم الظاهرة فقط من جوانبها المتعددة بل انه يحمل في طياته الكثير الكثير من الأشارات المقصودة والتي تخص حياة المسلمين وعقيدتهم بصفة عامة ومنهم المقيمين في فرنسا بصفة خاصة..ولهذا لااتوقع ان يمر الفيلم مرور الكرام لدى عرضه الجماهيري في الصالات الفرنسية في شهر آب اغسطس المقبل بل سيكون موضوعا لنقاش وآراء متعددة ربما .
سجين مغاربي في قبضة المافيا
يتحدث الفيلم عن قصة شاب من اصول مغاربية ( اما جزائري او مغربي ) ويعيش في فرنسا ومنذ اللقطات الأولى للفيلم يؤتى بمالك ( الممثل طاهر رحيم ) الشاب ذو التسعة عشر عاما ليزج به في السجن دون ان تتضح تماما الأسباب الحقيقية وراء ذلك بشكل مقنع على انه يدخل السجن والكدمات على وجهه وآثار الضرب على ظهره وصدره دون ان نعرف من عذبه كل هذا التعذيب الشديد ثم تبدأ الأجراءات الروتينية في داخل السجن بأخذ المعلومات الأساسية : عن السجين كالعمر والعنوان وماالى ذلك ولكن من بين الأسئلة المهمة التي عومها الفيلم وتجاوزها المحقق بشكل غريب ومقصود بسبب اجابات مالك الغامضة في حد ذاتها وهي السؤال عن جنسية الشاب الأصلية والسؤال عن دينه وهل هو يصلي ام لا وقد سأله المحقق عن ذلك فعلا والسؤال : هل يأكل لحم الخنزير وكان جوابه : نعم و لا ..والسؤال لاحقا : ماهي اللغة الأصلية التي يجيدها اجادة تامة فيجيب : انا ..لم اكن معهم ...اذا نحن امام شخصية غير مكتملة الملامح ولكن ستجيب لاحقا عن انتمائها الحقيقي وبيئتها الحقيقية ..
فما أن تطأ قدما ( مالك ) ارض زنزانته حتى تبدأ المشكلة التي ستعصف بحياته بالكامل وتقلبها رأسا على عقب ..اذ انه يجد نفسه محاطا بشلة من ابناء الشوارع الذين لايتورعون ان يوسعونه ضربا مبرحا لالشيء الا لأنتزاع حذاءه منه لأن ذلك الحذاء اعجب احدهم وهكذا تتكرر مشاهد الضرب العنيف بين السجناء ويعتدي بعضهم على بعض وينقسمون عرقيا بشكل واضح وخاصة ان الفيلم يركز على السجناء المسلمين الذين ان تجاوزت علامتهم الفارقة الممثلة في السحنة والملامح واللغة فلايمكنك ان تخطئ كونهم مسلمين بارتدائهم الدشاديش او الجلابيات واطلاق اللحى ..وفي المقابل تنشط في السجن احدى مافيات الجريمة ا المنحدرة من جزيرة كورسيكا والتي يديرها في داخل السجن رجل عجوزهو المدعو سيزار لوشياني (الممثل : نيلز ارسترب) تحفه ثلة من المجرمين الذين يتبعونه ..ومجرد هذا الوضع سيثير تساؤلا كبيرا وهو :السنا في فرنسا وفي داخل سجن فرنسي والا اين نحن ؟ اترانا في غابة تتوزع فيها الوحوش ويفتك بعضها ببعض ؟ واين السلطات ؟ واين الدولة المتطورة واجهزتها التربوية والتقويمية وحتى قوة الردع التي تمتلكها ؟ اين هذه كلها والضعيف في داخل السجن تفعل به العصابات ماتشاء ..فلا يردعها رادع ..وربما هي فكرة ان تترك العقارب تلسع بعضها بعضا هي فلسفة السجن الفرنسي في هذا الفيلم ..ربما ..
اذا ..تبدأ محنة مالك بمجرد ان تقع عينا زعيم المافيا الأيطالية في داخل االسجن عليه ..ويتشاور مع عصابته بشأنه والخلاصة ان على مالك ان يقوم بقتل عربي آخر في داخل السجن اسمه ( رجب ) ( الممثل هشام يعقوبي )بسبب خلافات ما ..ويجد مالك نفسه محاطا بقدره المحتوم اذ يتم تخييره بين ان يموت هو او يقتل ذلك السجين ..ويعيش مالك صراعا مريرا مع نفسه لأنه انسان بسيط وليس مجرما ولم يقتل احدا من قبل ولايستطيع ولايريد ان يقتل احدا ..وهو كما سيتضح فيما بعد لايقرأ ولايكتب ..ويزداد ضغط زعيم العصابة الكورسيكي على مالك ..وعندها لايجد حلا سوى ان يتصل بسلطات السجن لكي تحميه من تلك العصابة وتنقذ حياته ..وبالفعل يتصل طالبا مقابلة مدير السجن لأمر مهم ..ولكن الغريب ان الفيلم لايقدم مبررا مقنعا لماذا حيل بين مالك وبين مقابلة أي مسؤول في السجن او لماذا لم تتدخل سلطات السجن من امن وشرطة ، بل بالعكس ، اذ سرعان ماينتقم منه زعيم العصابة الكورسيكي هو وجماعته ويوسعونه ضربا ويوصلونه الى حافة الموت معلنين أن آخر فرصة امامه هي ان يقتل رياض ..ويدربونه على طريقة القتل وهي ان يخفي شفرة حلاقة (موس) في فمه فلما يدخل زنزانة رياض يباغته بأخراج الموس من فمه وبضربة خاطفة يقطع وريد رقبته حتى الموت ..ويدخل زنزانة رياض بالفعل على اساس ان هذا الأخير هو شاذ جنسيا ويريد ان يعطي مالك مخدرات في مقابل ممارسة الجنس معه ..ولكننا نفاجأ ان رياض هذا والمفروض انه شاذ ومنحرف انه متعلم ويحب القراءة والتعلم ..ولهذا يسأل مالك : هل انه يقرأ ويكتب ؟ ولما يعلم انه امي يحثه على دخول المدرسة في داخل السجن ويريه الكتب التي يحتفظ بها ويعده انه سيعيره بعض الكتب عندما يتعلم القراءة والكتابة ..ولكن مالك سرعان ما يباغته بتنفيذ خطة القتل وبعد صراع شرس بين الأثنين ينجح مالك في قطع وريد رقبة رياض في مشهد هو في منتهى البشاعة والأجرام اذ حرص المخرج على اظهار كافة تفاصيل الجريمة تلك وحمام الدم ببشاعة متناهية ..اذ تتدفق نافورة الدم من رقبة رياض وتملآ المكان بينما ينازع رياض الموت بعد ان يكتم مالك انفاسه ..
اذا نفذ مالك ماطلب منه ويرضى عنه زعيم المافيا وكأننا نشاهد سجنا يقوده هذا الشخص ..وابتداءا من هنا تبدأ رحلة جديدة في حياة مالك فبرضا زعيم العصابة الكورسيكي ترضى ادارة السجن عن مالك ايضا ..فينقلونه الى زنزانة اخرى ..انظف واحسن ..وتظهر مشاهد تفاوض زعيم العصابة الأيطالي هذا مع واحد من ضباط السجن بل انه يأمره ويبتزه ..وكأننا في احد سجون جنوب افريقيا او كولومبيا ولسنا في فرنسا أي ان العصابة الكورسيكية قد اخترقت السجن وادارته ؟ولهذا تتساءل : ماسر قوة هذا العجوز الأيطالي وبضعة نفر هم عصابته لكي يسيطر على السجن الفرنسي ؟
المهم ..ان الأمر تحول سريعا مع مالك الذي يكون قد تحول بقتله رياض الى مجرم في طريقه للأحتراف الكامل فهو عبد مطيع لهذا المجرم الكورسيكي وعصابته داخل السجن ، يخدمهم ويسهر على راحتهم ، ينظف لهم الزنزانة ويجلب لهم الطعام ويعمل الشاي ومع هذا يهان دوما ويهدد بسبب وبدون سبب في رحلة اذلال واحتقار متواصلة ..
صورة المسلمين علامة فارقة
يقدم الفيلم بشكل متواصل اشارات عن المسلمين ويردد زعيم العصابة كلمة ( المسلمون ) و( العرب ) مرات ومرات وفي المواضع التي تدينهم وتحط منهم ..سواء خلال مناقشته مع مالك او مع ضابط السجن وهو يعبر عن اشمئزاز شديد منهم اذ توصلنا احداث الفيلم الى قناعة ان مافيات الجريمة الكورسيكية المغرقة في اجرامها على مدى عقود من الزمن هي تتنافس مع مافيا اشد بشاعة الا وهي (مافيا المسلمين المهاجرين في اوربا ) هكذا ..ببساطة شديدة مانفهمه من الفيلم ؟؟؟.
وخلال ذلك ايضا يظهر المسلمون وهم في صلاة جماعة في داخل السجن وفي وضع السجود وهو الوضع المفضل للعقل الأستشراقي المغرق في العنصرية والكراهية والقائل دوما : ان للمسلمين طريقة في الصلاة هي ان يطلقوا مؤخراتهم في الهواء خمس مرات في اليوم ..وبالطبع نجد هذا المخرج حريصا على تلبيية ذلك المطلب الأستشراقي بتصوير المسلمين وهم في وضع السجود ..ولا توجد بالطبع اية علاقة بين احداث الفيلم وبين مشهد الصلاة والمسجد في داخل السجن الا حاجة في نفس المخرج لاتخفى ..
و يمنح مالك فرصة للخروج من السجن خروجا شرطيا لمدة اربع وعشرين ساعة بناءا على حسن سيرته ولكنه سيتواصل مع عربي آخر كان سجينا ايضا ولكن اطلق سراحه ويتعرف على زوجته وطفلته ..ثم يكلفه زعيم العصابة الكورسيكي هذا بمهمة وهي ان يذهب الى مكان محدد خلال يوم الأفراج عنه وهناك يتسلم حقيبة من العصابة الكورسيكية ويذهب بها الى عنوان محدد ..وبالفعل يتسلم الحقيبة ويذهب للعنوان المحدد وهناك يسقط في قبضة عصابة من المسلمين ايضا ..ويحققون معه ويتأكدون من مهمته ويتسلمون الحقيبة التي يظهر فيما بعد انها مليئة بالنقود وهي فدية في مقابل اطلاق سراح كورسيكي كانت عصابة العرب المسلمين تحتجزه في مكان ما ..في باريس ؟!!ويخرج مالك بصحبة هذا الكورسيكي الذي لايستطيع السير على قدميه من فرط التعذيب الذي تعرض له فيحمله مالك على ظهره حتى قدوم سيارة العصابة ..
ويرضى زعيم العصابة الكورسيكي مرة اخرى على مالك ولكنه يواصل اهانته واذلاله واحتقاره ..ومن حفاوة ادارة السجن بمالك ..ولاتدري ماهو السر ..يقومون بجلب فتاة له لكي يضاجعها ..
ويجد مالك نفسه مرة اخرى منقادا بعبودية تامة لهذا الأيطالي الذي يطالبه هذه المرة بالتجسس على السجناء وسماع احاديثهم واخباره اولا بأول وحتى العرب المسلمين منهم ويزوده بهاتف نقال لكي يبقى على اتصال معه ..ويقوم مالك بهذا الدور وبشكل يومي مراقبا السجناء ومنصتا لهم مواصلا رحلة الأنحطاط والمهانة ..وحيث ستكون مهمته التالية هي قتل شخص مصري في خارج السجن ..ويتطلب ذلك ان يسافر مالك عند منحه الأفراج المشروط ليوم واحد ان يسافر الى مقاطعة فرنسية اخرى ويفعل ذلك وهي المرة الأولى التي يركب فيها الطيارة في حياته ..وخلال رحلته بالسيارة في الليل مع العصابة بعد وصوله من المطار يخبرهم ان حيوانا ( غزالا ) سيعبر وبالطبع يكون جميع افراد العصابة الجديدة هذه هم من العرب المسلمين ايضا وايضا وهم مدججون بالسلاح ..وبالفعل يحصل ان يصطدم الحيوان بالسيارة ..وعندها يسأله زعيم العصابة العربي ايضا : هل انت (نبي ) لكي تعلم بقدوم الحيوان ؟ ويبدأ بمناداته بأسم (نبي ) ...وينزل افراد العصابة اثر ذلك الى الغابة القريبة بمسدساتهم ويصطادون بالرصاص غزالا يحملونه معهم الى منزلهم ..حيث تستقبلهم عائلة زعيم العصابة وامه وهي عائلة مغاربية طبعا !!!
وتنطلق العصابة لتنفيذ مهمة قتل المصري ولكن اين ؟ في قلب باريس .....
وتقع معركة حامية بالرصاص ..يقتل فيها من يقتل في مجزرة رهيبة داخل سيارة دفع رباعي ..فلا تجد شرطيا واحدا في المكان .. ونحن في قلب باريس ....ياسلام ..
وينفذ هؤلاء العرب المسلمون بلحاهم الكثة ووجوههم السمراء وشعرهم المجعد تلك المجزرة ويخرج مالك ملطخا بدم الضحايا عائدا للسجن بعد تنفيذ مهمته وانتهاء اجازته المشروطة ..
رياض : هل هو ضحية ؟ ام هو شاذ ؟ ام مصلح اجتماعي وديني ومثقف؟
وبهذا يكون مالك قد تحول الى مجرم كبير صنعه السجن ودفعه للمجتمع ...وخلال ذلك يتكرر مشهد المسلمين واسم المسلمين عشرات المرات داخل السجن وهم يقدمون على انهم اساطين ترويج المخدرات والجريمة كما هو الحوار بين زعيم العصابة الأيطالي مع الضابط في السجن ..وهو يتحدث عن اجرام العرب والمسلمين على اساس انهم الشياطين اما العصابة الكورسيكية فهم الملائكة ..ويظهر مسجد المسلمين وقد تحول الى مكان للمساومات بين العصابات اذ يوضع المال لتنفيذ العملية في داخل المسجد!!
واما الضحية رياض ..فيظهر كثيرا في احلام مالك اذ يلاحقه شبحه ..وتجد رياض في مشهد حلمي او افتراضي من وجهة نظر مالك وهو يدور حول نفسه مرددا عبارات المتصوفة ومرددا لفظ الجلالة ..فيما يكرر مالك المشهد نفسه ..وفي مشهد آخر افتراضي او حلمي آخر ولاتدري من وجهة نظر من ولماذا وجد هذا المشهد اصلا ؟ اذ هو مشهد غير مبرر ومحشور حشرا في الفيلم وبقصدية اذ يظهر رياض وهو يشرح كيف نزل القرآن على سيدنا رسول الله محمد (عليه الصلاة والسلام ) وكيف خاطبه جبريل الأمين قائلا : اقرأ ..وبالطبع ان ورود اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام ما هو الا امتداد لعنوان الفيلم ( نبي ) ولكن من زاوية اخرى مريبة والا كيف يجرؤ الفيلم على اطلاق صفة نبي على مجرم منحط ؟واي نبي هذا ؟ الا اذا كان القصد هو القدح في قناة المسلمين وهو ماارجحه .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ايضا و ببداهة شديدة هو : كيف يكون رياض انسانا ساقطا وشاذا جنسيا ولواطيا ويتعاطى ويروج المخدرات وفي الوقت نفسه يحظ على القراءة والتعلم والثقافة ثم يعطي دروسا عن الدين الأسلامي وعن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه وماالى ذلك ..؟ كيف ؟ الا اذا كان المراد هو القول ان هذه الملة أي ملة المسلمين يتصفون دون غيرهم انه حتى المثقف والمتدين من بينهم هو منحط مثل رياض هذا مثلا ؟؟؟ وهو دس رخيص في كل الأحوال .
وتظهر لنا ملامح اخرى من شخصية مالك :فهو لايرى في المسجد قط .. ولايظهر وهو يصلي قط ..بل انه يقتني المجلات الأباحية وبعد ان تمنحه ادارة السجن مكرمة وهي عبارة عن تلفزيون وستلايت يكرس وقته في مشاهدة الأفلام الأباحية ..وهو منعزل عن المصلين واصحاب اللحى والجلابيب ولكن الغريب انه بمجرد ان يختلف مع زعيم العصابة الأيطالي فأنه يتكتل فجأة مع اولئك الملتحين والمصلين من المسلمين بل انه يأمرهم بضرب الأيطالي ..ويضربونه فعلا ..وهو امر غريب آخر ..فهل اراد الفيلم ان يقول : ان هؤلاء المسلمين حتى وان كانوا مختلفين فهذا في الظاهر واما فعليا فهم مجموعة اشرار واحدة ..؟
.......
تنتهي محكومية مالك ويخرج من السجن فيجد زوجة صديقه وابنتها في انتظاره ..وبخلفه عدة سيارات فخمة تسير ببطء وتتبعه ولاشك انها العصابات المتعددة التي تعامل معها او قتل افرادا منها ..فأي مستقبل بانتظاره؟؟ .
ملاحظات
- الملاحظة الأولى : ان طول الفيلم ساعتان ونصف الساعة ..وهو اشبه (بموسوعة فيلمية متشعبة ) موضوعها الى حد كبير من مساحة الفيلم هو الجالية المسلمة والعربية المغاربية في فرنسا وسلوكيات ابنائها ..ولهذا فأن المشاهد الغربي يخرج بعد هذا الفيلم وهو يشعر بالمرارة.لأن الفيلم وبشكل عام يفتقد كثيرا الى لغة التسامح والتعايش بين الأعراق والثقافات والنظرة الموضوعية المتوازنة اذ لم تظهر شخصية عربية او مسلمة واحدة متوازنة وايجابية يمكن للجمهور ان يحبها ويقبلها او يتعاطف معها مطلقا..بل ان الفيلم ينبش في قضايا تثير حساسيات كثيرة ..بصرف النظر عن القول ان الفيلم مأخوذ عن وقائع حقيقية ومن الملفت للنظر حقا ما كتبه احد النقاد معلقا على هذا الفيلم بقوله انه جاء ردا على الفيلم الفرنسي ايضا (الصف) والذي عرض في كان العام الماضي ونال السعفة الذهبية ، او هما وجهان لعملة واحدة كما يقول ذلك الناقد اذ كلاهما معني بقصة المهاجرين وجيلهم الثالث او الرابع ومنهم بالطبع وفي الصدارة الجالية العربية ، ففي الوقت الذي قدم فيلم الصف مجموعة كبيرة من ابناء المهاجرين وفيهم العرب والمسلمين نجد ان الجمهور احبهم جميعا وتعاطف معهم برغم مشاكلهم وآرائهم فجاء هذا الفيلم لكي يقلب المعادلة ويشوه ويثير الكراهية المقيتة وكأنه يضع حدا لخطاب لايراد له ان يتسع ويشيع الا وهو خطاب الأنسانية والتسامح والتعايش بين الأعراق وقبول الآخر .
- الملاحظة الثانية :ظهر في الفيلم كثير من العرب المشاركين من ممثلين رئيسيين الى ثانويين وكومبارس تضاف لذلك مساهة في كتابة الفكرة والقصة والسيناريو من طرف عبد الرؤوف دافري.
- الملاحظة الثالثة : انا لست ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة ابدا ..ولكنني اجد في ثنايا الفيلم وماانفق عليه والموضوع الحساس الذي اثاره والتفصيلات الدقيقة التي قدمها وجلبه الى مهرجان كان وعرضه مرات عدة واختياره للمسابقة الرسمية اعتقد ان مؤسسات كبيرة احترافية ضخمة ومؤسسات ابحاث معمقة وموقف سياسي كلها تقف وراءه ولااظنه فيلما عابرا جاء بالصدفة الى كان يضاف لذلك ان اوساطا عديدة روجت له واثرت في رأي الجمهور وقد سمعت من بعض الجمهور الغربي ان ذلك السجين هو بطل ونموذج جيد رغم اجرامه ولهذا مثلا وخلال الأسبوع الأول للمهرجان منحته مجلة فارايتي الشهيرة ثلاث نقاط ونصف من مجموع خمس نقاط في مدى امكانية ترشحه للجائزة الكبرى أي ان الأجواء مهيأة الآن لمنحه جائزة كبرى او اكثر من جائزة ..
- الملاحظة الرابعة : ظهرت اشارة عابرة في الفيلم تشير الى الرئيس الفرنسي الحالي سركوزي أي ان الأحداث تقع في حقبته الرئاسية .. ولاادري لماذا اقتران الفيلم بأسمه وهو المعروف بمواقفه المتطرفة ضد الأجانب في فرنسا واوربا والعرب والمسلمين منهم خاصة .
- الملاحظة الخامسة : تذكرت عبارة سركوزي ايام مشكلة سكان الضواحي من الأجانب في باريس ويوم كان سركوزي وزيرا للداخلية عندما قال عن الشباب الذين اصطدموا بالشرطة انهم (حثالة ) وخلف ذلك الوصف ردود افعال كثيرة على جميع مستويات المجتمع الفرنسي لأقدامه على اهانة مواطنين فرنسيين حتى ولو كانوا ينحدرون من اصول اخرى مما دفعه للتراجع عن وصفه ذاك لاسيما وانه أي سركوزي ذاته يحمل الجنسية الفرنسية ولكنه من اصول مهاجرة من شرق اوربا
..........................
وحقا كرس الفيلم طاقات ضخمة ليقدم لنا صورة ( حثالة ) صنعه السجن الفرنسي ولكنه كان (حثالة ) يحمل صفتي (عربي) و(مسلم) على شاشة كان هذه المرة....والسؤال هو : لماذا كل هذه الجهود والطاقات والأموال والتغطية الأعلامية الهائلة لتقديم هذا النموذج النمطي والترويج له ؟
........................
- نبذة عن المخرج : جاك اوديارد
مواليد فرنسا 1952 اخرج اربعة افلام قبل هذا الفيلم وهي : انظر كيف يسقطون : 1994 ، البطل الذاتي : 1996 ، اقرأ شفاهي : 2001، الضربة التي تجاوزها القلب : 2005
- ممولو الفيلم : شركة واي نوت – فرنسا ، شركة جيك فيلم –فرنسا، شركة فرانس 2 سينما – فرنسا ، شركة يو جي سي – فرنسا ، شركة بيم للتوزيع – ايطاليا .
التوزيع لأنحاء العالم :
شركة سيلولويد دريمز : celluloid dreams
تاريخ العرض التجاري في الصالات : شهر آب اغسطس 2009
........................................................
مشاهد ...اماكن ...وتيارات
مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة
تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..
الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.
الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..
وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..
وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.
ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية
......................................................................................................................................
الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور
تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر
اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .
ملخص موضوع الفيلم
ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .
تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .
مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء
لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .
وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :
الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة
الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر
السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج
الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم
الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية
تراجيديا المكان الوثائقي
يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .
..................................................................................................................
الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر
صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة
يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة
لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .
يوميات
يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .
ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .
ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .
............................................................................................
الناقد