الصراع وفكرة الغزو تتجدد ولو بعد مئة عام
جندي من المارينز يتساءل : " من اجل ماذا يسلمون اوطانهم ؟: من اجل البيرة الخالية من الكحول والجينز الأزرق؟"
الدراما الفيلمية تتصاعد وتجد الأحداث دافعيتها في ظل صراع شرس من اجل البقاء
افاتار فيه مساحة هائلة من الأبتكار الذي لم يسبقه اليه فيلم آخر : ابتكار الشخصيات ، ابتكار البيئات ، ابتكار الكائنات والمخلوقات الغريبة وابتكار الشكل السينمائي
قصة اقوام (النافي) في الفيلم تتماهى وتلتقي مع العديد من قصص الشعوب المقاومة للغزاة على مر العصور
من اهم الأبتكارات هو مجتمع ال "اومي تيكايا" الذي صنعه كاميرون في هذا الفيلم
نقلة هائلة على صعيد الصورة الثلاثية الأبعاد والمزيج الخلاق بين الواقع و المقابل الأفتراضي
لماذا حجبت الجوائز الكبرى للأوسكار عن افاتار ومنحت لخزانة الألم؟
طاهر علوان
ترى الى أي مدى يمكن ان تمتد رغبة الأنسان ، طموحه وسعيه، ان يخرج من كينونته الآدمية متحولا الى كائن آخر يعيش في ازمنة واماكن اخرى ، يستكشف فيها عوالم غير مرئية ولامدركة بالحواس البشرية المعتادة ..والى أي مدى يمكن ان نمضي مع هذا الخيال المتدفق الجامح ؟
لاشك ان لاحدود تحد هذا الخيال ، ولا اطر تؤطره مادام قادرا على مزج واقعه وكينونته الفيزيائية بواقع وكينونة اخرى لاسيما في ظل المزيد والمزيد من الأخبار والتنبؤات والأبحاث في موازاة الخرافات التي تتحدث عن وجود كائنات وعوالم اخرى تعيش بعيدا عنا بملايين الأميال بل ان هنالك من يتحدث عن اقوام يعيشون في كواكب بعيدة وهم على مستوى متقدم في ميادين العلم بل يمتلكون خارقيات لاقبل للعقل البشري باستيعابها .
من هنا تجد افلاما وقصصا من هذا النوع قبولا ورواجا ونجاحا ويستقبلها الكبار والصغار بمزيد من الأهتمام ..وهكذا اطل المخرج ذائع الصيت (جيمس كاميرون ) صاحب التيتانيك ومحطم الرقم القياسي في الواردات في شباك التذاكر متجاوزا المليار دولار ، يطل علينا في فيلم (افاتار) ليصنع في اوساط جمهوره دهشة عظيمة وغير مسبوقة مصحوبة باهتمام اعلامي ودعائي كبير ..فالأفاتار ، ذلك الكائن الذي انتجته مختبرات التجارب والأبحاث الأمريكية صارت ولادته بمثابة ولادة عصر جديد للسينما يدشنه كاميرون من خلال التقنية ثلاثية الأبعاد التي قدمت عالما ساحرا وخلابا مليئا بالأساطير والدهشة وصولا الى التفاعل الذي يستشعره المشاهد مع ذلك الأفاتار العجيب ..
مختصر القصة
تقرر قوات المارينز الأمريكية ان تنفذ خطة اجتياح كوكب بعيد عن الأرض بعد عدة عقود من الآن وازاحة السكان الأصليين لغرض السيطرة على معدن ثمين يسمى (يونوبتانيوم) ، ولهذا الغرض يقرر ارسال الجندي جايك (الممثل سام وورثنغتون ) بديلا عن شقيقه الذي قتل في حادث وبسبب الخريطة الجينية لكل منهما يتم ارسال هذا الجندي المشلول والذي يتنقل على كرسي متحرك الى ذلك الكوكب ولكن بعد اخضاعه الى برنامج مكثف ومعقد يتحول فيه الى افاتار ، كائن بطول ثلاثة امتار ، ازرق اللون وله ذنب ، ولكنه وهو يصل الى ارض ذلك الكوكب يبقى على اتصال مع جسده الأصلي الذي يخزن في شبه تنويم مغناطيسي وبعد وصوله الى كوكب(باندورا) المجهول يعيش مغامرات عدة ويقع في غرام فتاة ويحتجز بقصد التخلص منه لكن ملكة الكوكب تقرر الأفراج عنه في مقابل ان تعلمه ابنتها عاداتهم ولغتهم وينتهي به المطاف الى التعاطف مع سكان الكوكب وانضمامه للدفاع عنهم ضد غزو المارينز في معركة غير متكافئة تستخدم فيها امريكا – كالعادة- جيوشها الجرارة واسلحتها التدميرية الفتاكة وتكنولوجيتها المتقدمة في مقبل قتال اهل ذلك الكوكب بالقوس والنشاب و العقيدة الروحية العميقة لتندحر قوات المارينز في النهاية .
بين الميثولوجيا والتكنولوجيا
لعل اول مايلفت النظر في هذا الفيلم هو ذلك المزيج المدهش مابين الميثولوجيا وبين مستحدثات العصر التكنولوجي ، فقصة اقوام (النافي) .ربما تتماهى وتلتقي مع العديد من قصص الشعوب المقاومة للغزاة على مر العصور ، كما ان ايمان سكان الكوكب بالغيب والميتافيزيقيا هو عزف آخر على وتر الشعوب التي تعيش في داخلها معتقداتها الروحية دون ان تتخلى عنها ، ولهذا يتم التنويع على تلك العقيدة الروحية من خلال اظهار مشاهد الغناء او الصلاة او التراتيل الجماعية والثقة بالطاقة الروحية التي تنطوي عليها تلك الشجرة العملاقة المسماة (شجرة الأسلاف) والتي تقع تحت ظلالها وفي اكنافها مقتلة عظيمة تنتهي بأحراق الشجرة ماديا دون ان تحترق الروح والطاقة الروحية التي تختزنها تلكم الشجرة لاسيما وانها شجرة تنطوي على صلة عميقة مع الأجداد ، وتجد في حديث الأم الملكة الكثير من تلك الترانيم والطقوس التي تنتشر في ثقافات الهنود والأزتيك والبوذيين وغيرهم مما تم مزجه عبر شخصيات تلك القبيلة ، وفي مقابل ذلك تبرز التكنلولوجيا في ارقى ماوصلت اليه العبقرية العسكرية والأستخبارية والتجسسية الأمريكية ، انهم جميعا يقيمون في شبه مكوك يديرون عملية التخطيط لغزو الكوكب ، والتكنولوجيا هنا هي الوجه المقابل العكسي لتلك العوالم المطموسة والمجهولة لسكان الكوكب ، ومابين تلك الكفاءة التكنولوجية في المراقبة والرصد وفي الطائرات والمروحيات غريبة الأشكال ، يبقى الهدف واحد الا وهو : الغزو والأحتلال ، استخدام التكنولوجيا للأستحواذ على ثروة شعب مسالم ينظر اليه المارينز على انهم مجرد حيوانات جاهلة لاتستحق ان تمتلك تلك الثروة
مجتمع "اومي تيكايا"
من الأبتكارات الخلاقة التي ابدعها جيمس كاميرون : سيناريو واخراجا وتصويرا ومؤثرات وخدعا بصرية وادارة انتاجية و ادارة فنية ، من اهم هذه الأبتكارات هو مجتمع ال "اومي تيكايا" الذي صنعه في هذا الفيلم ، انه مجتمع افتراضي والكائنات فيه افتراضية ، لكنها تمتلك سر قوتها الخاصة ابتداءا من الملامح المشتركة للشخصيات التي تم نحتها بعناية فائقة وتقديم كائنات لايملك المرء الا ان يتوقف عندها وقد لايقبل اشكالها للوهلة الأولى متسائلا ان كانت شريرة ام طيبة ؟ واذا كانت شريرة فأنها تبرر استئساد ( الأصدقاء الأشاوس ) مارينز امريكا لتأديبهم وتلقينهم درسا ديموقراطيا ، ولكنك سرعان ماستقبل تلكم الشخصيات وتسيغ طباعها ثم تدريجيا تحب خفة حركاتها ثم تندهش من بساطتها ثم تعجب بطيبتها ثم تتفاعل مع حكمتها ثم تجزم ان ماتراه ليس الا مجتمعا مسالما يكتنز قوة روحية تعينه على البقاء هكذا كأي مجتمع بدائي بسيط ولكنه ليس مجتمعا من آكلي لحوم البشر بل انه مجتمع متسامح بدليل انه قبل اكثر من واحد ممن يسمونهم (سكان السماء) وكان جندي المارينز احد الذين قبلت تلك القبيلة ان يكون عضوا فيها .
ويضاف الى خواص ذلك المجتمع انه ومن وجهة نظر انثروبولوجية يمتلك مقومات المجتمع المنظم ، وفيه تركيبة اجتماعية متماساكة وتسود فيه قيم الطاعة والألتزام والعمل المثابر ومازلنا في حدود مجتمع افتراضي ولكنه مجتمع حي مع ان افراده غرباء الأشكال بأطوالهم التي تقترب من ثلاثة امتار واشكال عيونهم وانوفهم فضلا عن الذنب المدهش الذي يتلوى اسفل ظهورهم .
وتكمل كل هذا بيئة افتراضية ، بيئة ساحرة ومدهشة وكل ماستقوله عنها قليل ، فأشكال الشجر والزهور والجبال والسهوب والوديان والبحيرات والأحراش لاتملك ازاءها الا ان تعجب وتتعجب من تلك العبقرية التي انتجت كل هذا الجمال ، لتكتمل الصورة مع تلك الكائنات الطائرة او الزاحفة ، اشكال افتراضية لحيوانات تشبه الديناصورات لكنها بأجنحة تحلق بخفة وتناور في الجو بخفة تبز فيها الطائرات المقاتلة ثم هنالك تلك الكائنات الطائرة المسماة (ايكران) وهو نوع وحشي منه ومن يستطيع قهر الأيكران هذا فأنه يستحق ولاء القبيلة واحترامها لأن ذلك يعني انه يمتلك قوة خارقة وذلك مايحصل مع صاحبنا ( الأفاتار- جندي المارينز سابقا) والذي تنحني له القبيلة وتتوله فاتنتهم ( نايتيري- الممثلة زاو سالدانا ) وتتيه فيه حبا وغراما .
مجتمع المارينز
هنالك في المقابل مجتمع المارينز الذي فيه مافيه من طباع الفرد الأمريكي وكذلك طباع وكلمات وسلوكيات وحركات الجنود الأمريكان المارينز الذين كرست (الميديا ) الأمريكية الجبارة كل عبقريتها وامكانياتها لتمجيدهم وارعاب الناس من بطشهم ، هذا المجتمع سيتمثل سريعا في افواج من المحاربين المكلفين بغزو ذلك الكوكب دون ان يسأل واحدهم : لماذا ؟ وما جريمة اولئك القوم كي نحرقهم بالقاصفات وندمر ارضهم ونحرقها بالقنابل ونمزق اجساد ابنائها ...لماذا؟ لا احد يسأل هذا السؤال ولا احد يجيب ماعدا وصف احدهم سكان ذلك الكوكب الذين يعيشون في شبه محمية طبيعية ويكتنزون طاقة روحية اذ يقول فيهم قولا مأثورا :
" الأقوام الذين لديهم تواصل روحي هم مجرد حيوانات بذنب"
وفي المقابل هنالك صوت هامس مستنكر ساعة صعود المارينز تلك المركبة التي ستقلهم الى ذلك الكوكب اذ يقول :
"المارينز المدافعون عن الحرية هم هنا مجرد صعاليك"
ومايلبث آخر ان يردد معبرا عن فكرة الغزو ومسخ ثقافة الآخر قائلا:
" من اجل ماذا يسلمون وطنهم ؟ من اجل البيرة الخالية من الكحول والجينز الأزرق؟"
هذه هي المعادلة التي تلخصها مهمة المارينز ، انهم خاضعون لسلطة الجنرال العدواني (ستيفن لانج ) في مقابل تعاطف العالمة (جريس – الممثلة سيجورني ويفر) التي تمثل نقطة توازن انساني تدفعها الى اكتشاف تلك الأقوام المجهولة لأقامة صلة معها ومع كوكب الأرض دون ان يقع في خاطرها فكرة القتل والغزو وهي التي تعيش حلمها الكبير ان تصل الى الشجرة المقدسة لأخذ عينة منها ومن جبال (الهلالويا) وتكون المفاجأة انها تلفظ انفاسها تحت تلك الشجرة المقدسة معبرة عن تواصل روحي مع اموات تلك القبيلة وفيما مجتمع المارينز مدجج بالتكنولوجيا المتقدمة ، بالقاصفات والقنابل والمروحيات الهجينية الغريبة التي ابدعتها عبقرية المخرج ، الحاصل انك لاتخرج من مجتمع المارينز الا بصورة نمطية للجيش الذي لايقهر واذا بتلك القبيلة البدائية تحطم كل ذاك الكبرياء بفضل الطاقة الروحية والدفاع المستميت الذي مارسه افراد القبيلة وبالطبع مع مهارات الأفاتار الذي ابلى بلاءا حسنا وعلى يديه كان اندحار الجنرال الشرس والعدواني الذي بمقتله ينتهي كل شيء وذلك في مشهد صراع شرس وقتال دامي يشبه كثيرا العاب الفيديو التي يولع بها الفتيان والفتيات بمعنى اني اعده من اضعف مشاهد الفيلم على الأطلاق .
الدراما الفيلمية والبنية السردية
مما لاشك فيه ان فكرة الصراع هي فكرة راسخة وعميقة في هذا الفيلم ، فالدراما الفيلمية تتصاعد بشكل منطقي وتجد الأحداث دافعيتها وتصعيدها ، وتتدرج تلك الدراما في ظل صراع شرس من اجل البقاء وليس اشد قوة درامية من فكرة الصراع من اجل البقاء ، وحتى بالنسبة للأمبراطورية الغازية هنالك دافع لقتل اولئك القوم في ذاك الكوكب ، ربما لأنهم لايستحقون الحياة او لايستحقون تلك الثروة الهائلة المتمثلة في معدن (اليونوبتانيوم ) الثمين ، ربما هو تخريج بشع ولا انساني ولكن (كل قوم بمالديهم فرحون) بمعنى ان الأمبراطورية اذ تخوض صراعها الشرس وتزج بالمارينز زرافات ووحدانا الى محارق الحروب فأنها تكون قد بلغت شأوا في اقناع شبابها بشرعية تلك المهمة وتاليا شرعية هذا الصراع من اجل البقاء ، وعلى هذا ينقسم البناء الدرامي على وفق دافعيات متعددة ولكنها تختصر في دافعية المارينز ودافعية قبيلة (نافي ) ولهذا تنقسم الأحداث بالقسطاس على هاتين الدافعيتين ونمضي الفيلم ونحن اما في مقصورة قيادة المارينز المحجوبة عن التلوث الذي يمثله كوكب (باندورا) لأن خواص المارينز البيولوجية كبشر – بحسب الفيلم- لاتمكنهم من العيش في تلك البيئة لأنهم اذا مااستنشقوا هواءها فسيموتون فورا ولهذا يرتدون الأقنعة اذا ماخرجو الى ذلك الفضاء او على ارض الكوكب .
في المقابل تجري اعادة صياغة الزمن الفيلمي بشكل محسوب ودقيق ، مما يمنح السرد الفيلمي قدرا كبيرا من التماسك والموضوعية وينسحب ذلك حتى على الأيقاع الفيلمي مابين بيئتين متباينتين تباينا صارخا ، فالأيقاع عند التصوير على ارض ذلك الكوكب الأفتراضي حيث الحياة البسيطة والتفاعل اليومي مع الطبيعة هو ليس نفسه الأيقاع المتسارع ونحن في مقصورة قيادة المارينز التي تتسيد فيه التكنولوجيا ولغة الكومبيوتر المتطورة ، وعلى هذا اكتسب السرد الفيلمي خواصه المميزة في تأسيس سلسلة من البنى الفاعلة وكمايلي:
- البنية السردية الفاعلة الأولى : وتتمثل في دافعية المارينز للغزو والأجتياح وهي دافعية جمعية بمعنى انها غير مرتبطة بالشخصية الرئيسية في الفيلم او من حولها وهم بضعة افراد وعلى هذا كان من الصعب التخلص من تلك الدافعية او تجاوزها او حرفها عن مسارها بل ان العكس هو الصحيح اذ كانت تلكم الدافعية سببا في اذعان المجموعة لقرار الغزو وهو ماشكل بنية سردية فاعلة محركة لمايلي من نتائج .
- البنية السردية الفاعلة الثانية وهي الدافعية الذاتية : وتتمثل في دخول الشخصية الرئيسية (جندي المارينز ) دائرة الفعل السردي منطلقا اولا كما يبدو للوهلة الأولى من الرغبة في الأكتشاف ربما ، ثم ليتطور الأكتشاف بعد خوض التجربة الى مغامرة غير محسوبة ساعة ان تطأ قدماه ارض الكوكب المجهول فيخوض صراعا مع كائنات ومخلوقات شتى وتتطور تلك المغامرة الى علاقة حب مع ( نايتيري ).
- البنية السردية الثالثة : وتتمثل في دافعية قبيلة (نافي) المدافعة عن نفسها في وجه الغزو والأجتياح والقتل والحرق والتخريب الذي تمارسه جيوش المارينز المدججة بأسلحة الفتك الجماعي ، وهي دافعية جمعية موازية طبعت الشخصيات وكنا ازاء قرارموحد تم بموجبه صياغة الأفعال والأحداث على وفق اتجاه واحد يتمثل في التخلص من ذلك الحتم المدمر ولاسبيل الا بتصعيد السرد الى درجة الصراع الشرس من اجل البقاء .
السينما ثلاثية الأبعاد ابتداءا من افاتار
كلام كثير انتشر مواكبا عرض الفيلم على انه بداية عصر جديد للسينما ثلاثية الأبعاد حتى قال البعض ان هنالك زمنان سينمائيان وتاريخان سينمائيان وهما ماقبل افاتار ومابعده .
ولاشك ان الفيلم يشكل نقلة هائلة على صعيد الصورة الثلاثية الأبعاد وذلك المزيج الخلاق بين الواقع والشخصيات الحقيقية وبين المقابل الأفتراضي لها والذي تصنعه برامج الكومبيوتر المتطورة ، لكن النقطة الفاصلة هنا تكمن في النجاح الباهر الذي وصل اليه صانعوا هذا الفيلم في ادماج المشاهد بذلك العالم الأفتراضي ، بمعنى ان الأحساس السابق المتراكم الذي كان ينظر الى تلك السينما التي انتجتها التقنيات الرقمية بدأ يتلاشى بالتدريج بل ان تفاعلا خلاقا من لدن المشاهدين بأمكانك ان تتلمسه مع كل كل من شاهد الفيلم : هنالك احساس عميق بالطبيعة وحركة الموجودات وماالى ذلك بمعنى ان تلك البيئة الغرائبية لم تعد كذلك بل هي بيئة اليفة وممكن قبولها بل وان نحبها بأشجارها وطيورها ومخلوقاتها الغريبية .
وعلى هذا كانت التقنية ثلاثية الأبعاد في هذا الفيلم قد حققت سبقا ونجاحا سيجعل الآخرين يلهثون للحاق بهذه المخيلة المدهشة التي انتجت كل هذا الجمال اللوني والصوري واعطت للمكان بهاءا حلميا وشاعريا خاصا .
سينما المخرج( كاميرون ) القائمة على ادهاش المشاهد من جهة وتقديم شخصيات وموضوعات مؤثرة كما هي في اغلب ان لم نقل كل افلامه تجدها هنا امام امتحان هائل يتمثل في كيفية نقل تلك المغامرة المكررة الى درجة الملل الا وهي مغامرات حرب النجوم واجتياح كواكب اخرى وخوض الحروب معها ،كيفية نقلها من هذا النطاق الى ماشاهدناه في افاتار ، كيفية تجسيد خيالات الكاتب ( وهو المخرج نفسه) مرورا بالتكنولوجيا الرقمية ثلاثية الأبعاد ؟ اذ لو اخفق الفريق التقني في ترسيخ القناعة لدى المشاهد والتفاعل مع الشخصيات والأحداث لكانت تلك التقنيات ليست اكثر من مؤثرات بصرية مصطنعة .
ولاشك ان المخرج كان ذكيا الى حد كبير في اخياره لذلك الأدماج الخلاق مابين التقنية ثلاثية الأبعاد وبين الخط الواقعي بمعنى ان لديه جمهور جاهز يعد بالملايين في جميع القارات ممن ادمن العاب الفيديو والمغامرات الحربية حتى انك تستطيع وبلا تردد ان ترشح الفيلم لكي يشاهده الشباب ومن هم في سن المراهقة ممن درجوا على ممارسة العاب الفيديو القائمة على الصراع والقتل المتواصل من اجل القتل ، لكننا هنا امام مسألة اخرى ممثلة في قصة انسانية فيها كثير من المقومات الأخلاقية خلاصتها حق الشعوب في العيش الآمن والتمتع بحياتهم وثرواتهم والحفاظ على معتقداتهم وبنية مجتمعاتهم وهو مامثلته قبيلة (نافي ) في مقابل النزعات العدوانية والأنتقامية وعقدة ابادة المجتمعات الأخرى وتخريبها وقتل ابنائها ونهب ثرواتها وهو مامثله جيش المارينز ، ولعل هذا هو العنصر المفصلي في الفيلم الذي جعل كل ذلك الجمهور العريض يندفع متلقفا تلك التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد المندمجة مع قصة انسانية مضافا اليها ذلك الحب الشفاف والعميق بين الأفاتار وبين ( نايتيري ) وهي علاقة اضفت على الفيلم بعدا رومانسيا آخر مؤطرا بسؤال قد ينشأ في داخل المشاهد قوامه : ياترى كيف يحب الأفاتار بعضهم ، كيف هي عاطفتهم ؟ بل وكيف يتبادلون القبل فيما بينهم ؟ وكيف يشاركون بعضهم البعض التعبير عن العاطفة والحب في السرير ؟ فكيف اذا كان ذاك السرير ليس الا احضان الطبيعة الساحرة ؟
المارينز المنتصر حتى لو كان مشلولا ومقعدا !!!
لاشك ان تمجيد الفرد هي سمة غير مباشرة في كثير من الأفلام الأمريكية خاصة تمجيد افراد المارينز والمحاربين المضحين من اجل نشر القيم الأمريكية الديموقراطية ، لكننا هنا امام مسألة اخرى الا وهي ان المارينز يواصلون مهمات الغزو واجتياح الشعوب الأخرى حتى بعد مئة سنة او اكثر من الآن لأن الفيلم يتحدث عن العام بمعنى ان البشرية حتى ذلك الحين ستبقى اسيرة عقدة غزو الآخر من وجهة النظر(المارينزية !!!) ، وستضاف اقوام اخرى للقائمة اضافة للهنود الحمر والفيتناميين والبناميين والأفغان والعراقيين وغيرهم ، لكن المارينز تقدم قدرة خارقية جديدة وهي ان افرادهم حتى المعاقين والمشلولي الأطراف منهم ، هم جاهزون لتلبية نداء الغزو والأجتياح كما هو هذا الفيلم ، وبالرغم ان الشخصية الرئيسية ( جندي المارينز ) لايقابل الا بالسخرية من لدن اصحابه للوهلة الأولى متسائلين كيف يمكن لمعاق ان ينظم الى حملة عسكرية كبيرة تحتاج الى الجهد البدني وطاقة التحمل؟ وهو تمهيد ذهني للمشاهد خلاصته : اننا سنريكم كيف بأمكان هذا الجندي المعاق من افراد المارينز ان ينجز مهاما يعجز عن انجازها الوف البشر غير المعاقين وهو ماكان فعلا ، لكن (بمالاتشتهي السفن) ان تجري الرياح بعكس الأستراتيجية التقليدية في الأنتصار الهوليوودي وزهو سحق الآآخر ، ما صححه ( كاميرون) هو ان المارينز المدججين بأمرين هما: عقيدة الغزو و القوة الهائلة : الحربية والتكنولوجية قد يهزمون على ايدي اقوام بدائية تقاتل بسلاح بدائي هو القوس والنشاب لكنها تتمتع برضا روحي ويقين بالأنتماء الى ارضها والحفاظ على معتقداتها .
لماذا حرم افاتار من الجوائز الكبرى للأوسكار؟
سؤال ردده ملايين البشر في انحاء الأرض وتحدثت عنه الصحافة والمهتمين ..فالأفاتار يستحق عن جدارة وبلا ادنى شك ولا منازع جائزة احسن فيلم وباقي الجوائز المهمة كأحسن اخراج وسيناريو ومونتاج وهو يمتلك المؤهلات التالية التي لايمتلكها منافسوه :
انه فيلم متكامل العناصر الفيلمية : اخراجا وموضوعا وقصة وسيناريو واخراجا ومونتاجا وموسيقى ومؤثرات بصرية .
انه فيلم فيه مساحة هائلة من الأبتكار الذي لم يسبقه اليه فيلم آخر : ابتكار الشخصيات ، ابتكار البيئات ، ابتكار الكائنات والمخلوقات الغريبة وابتكار الشكل السينمائي .
انه فيلم يؤسس لعصر جديد حقا في مجال السينما ثلاثية الأبعاد ويشكل نقطة تحول وتحديا امام من سيأتي من سينمائيين قد يقدمون على تلك المغامرة ثلاثية الأبعاد .
انه فيلم على درجة متقدمة من الأدارة الفنية المتكاملة ووحدة البناء المتماسك مابين الأبهار البصري وبين الدراما الفيلمية المتصاعدة .
ربما تكون هذه الأسباب والمؤهلات اكثر من كافية لتتويج افاتار بدلا منن جوائز الترضية التي منح اياها ولهذا ستكون مفارقة ان يمنح فيلم متواضع في كل شيء وقصته مستهلكة وهو فيلم خزانة الألم كل تلك الجوائز ...
لااحد يعلم بكل تأكيد لم كل ذلك التطبيل والترويج لفيلم خزانة الألم الى درجة ان تطلق عليه وسائل اعلام امريكية انه " بمثابة انتصارلمحور الخير" !!!!
ولا احد يعلم دوافع المحكمين الذين هيأوا الرأي العام مسبقا بمنح الفيلم جائزة ( بافتا) للأكاديمية البريطانية للفيلم ثم ليمنحوه كل تلك الجوائز ...
لكن ربما كانت معالجة فيلم افاتار في الأخير والتي انتهت بدحر جيوش المارينز وانتصار قبيلة (نافي ) البدائية واحتفاظها بأرضها وثرواتها وعقيدتها الروحية ، ربما كانت معالجة مرفوضة من وجهة نظار صناع القرار والبروباغاندا الحربية وهي التي اجهزت على ترشيح الفيلم من وجهة نظر سياسية ودعائية تمس هيبة القوات الأمريكية الضاربة التي لاتقهر ربما ، فكيف تقهرها كائنات ذات ذيول ؟ ربما كان احجام الفيلم عن القاء خطاب النصر من على ظهر احدى البوارج الحربية الأمريكية وتبادل الأنخاب ، ربما كان هو السبب ولكنها مهزلة ان صحت هذه الفرضية وتم بالفعل تجاوز كل مقومات هذا الفيلم الهائل وحصرها في تلك الزاوية الضيقة ...والا ...لايوجد أي سبب آخر منطقي ...
# posted by Dr. TAHER ALWAN @ 12:09 AM Links to this post