فيلم افاتار للمخرج جيمس كاميرون
الصراع وفكرة الغزو تتجدد ولو بعد مئة عام


جندي من المارينز يتساءل : " من اجل ماذا يسلمون اوطانهم ؟: من اجل البيرة الخالية من الكحول والجينز الأزرق؟"
الدراما الفيلمية تتصاعد وتجد الأحداث دافعيتها في ظل صراع شرس من اجل البقاء

افاتار فيه مساحة هائلة من الأبتكار الذي لم يسبقه اليه فيلم آخر : ابتكار الشخصيات ، ابتكار البيئات ، ابتكار الكائنات والمخلوقات الغريبة وابتكار الشكل السينمائي
قصة اقوام (النافي) في الفيلم تتماهى وتلتقي مع العديد من قصص الشعوب المقاومة للغزاة على مر العصور

من اهم الأبتكارات هو مجتمع ال "اومي تيكايا" الذي صنعه كاميرون في هذا الفيلم
نقلة هائلة على صعيد الصورة الثلاثية الأبعاد والمزيج الخلاق بين الواقع و المقابل الأفتراضي

لماذا حجبت الجوائز الكبرى للأوسكار عن افاتار ومنحت لخزانة الألم؟

طاهر علوان

ترى الى أي مدى يمكن ان تمتد رغبة الأنسان ، طموحه وسعيه، ان يخرج من كينونته الآدمية متحولا الى كائن آخر يعيش في ازمنة واماكن اخرى ، يستكشف فيها عوالم غير مرئية ولامدركة بالحواس البشرية المعتادة ..والى أي مدى يمكن ان نمضي مع هذا الخيال المتدفق الجامح ؟
لاشك ان لاحدود تحد هذا الخيال ، ولا اطر تؤطره مادام قادرا على مزج واقعه وكينونته الفيزيائية بواقع وكينونة اخرى لاسيما في ظل المزيد والمزيد من الأخبار والتنبؤات والأبحاث في موازاة الخرافات التي تتحدث عن وجود كائنات وعوالم اخرى تعيش بعيدا عنا بملايين الأميال بل ان هنالك من يتحدث عن اقوام يعيشون في كواكب بعيدة وهم على مستوى متقدم في ميادين العلم بل يمتلكون خارقيات لاقبل للعقل البشري باستيعابها .
من هنا تجد افلاما وقصصا من هذا النوع قبولا ورواجا ونجاحا ويستقبلها الكبار والصغار بمزيد من الأهتمام ..وهكذا اطل المخرج ذائع الصيت (جيمس كاميرون ) صاحب التيتانيك ومحطم الرقم القياسي في الواردات في شباك التذاكر متجاوزا المليار دولار ، يطل علينا في فيلم (افاتار) ليصنع في اوساط جمهوره دهشة عظيمة وغير مسبوقة مصحوبة باهتمام اعلامي ودعائي كبير ..فالأفاتار ، ذلك الكائن الذي انتجته مختبرات التجارب والأبحاث الأمريكية صارت ولادته بمثابة ولادة عصر جديد للسينما يدشنه كاميرون من خلال التقنية ثلاثية الأبعاد التي قدمت عالما ساحرا وخلابا مليئا بالأساطير والدهشة وصولا الى التفاعل الذي يستشعره المشاهد مع ذلك الأفاتار العجيب ..
مختصر القصة
تقرر قوات المارينز الأمريكية ان تنفذ خطة اجتياح كوكب بعيد عن الأرض بعد عدة عقود من الآن وازاحة السكان الأصليين لغرض السيطرة على معدن ثمين يسمى (يونوبتانيوم) ، ولهذا الغرض يقرر ارسال الجندي جايك (الممثل سام وورثنغتون ) بديلا عن شقيقه الذي قتل في حادث وبسبب الخريطة الجينية لكل منهما يتم ارسال هذا الجندي المشلول والذي يتنقل على كرسي متحرك الى ذلك الكوكب ولكن بعد اخضاعه الى برنامج مكثف ومعقد يتحول فيه الى افاتار ، كائن بطول ثلاثة امتار ، ازرق اللون وله ذنب ، ولكنه وهو يصل الى ارض ذلك الكوكب يبقى على اتصال مع جسده الأصلي الذي يخزن في شبه تنويم مغناطيسي وبعد وصوله الى كوكب(باندورا) المجهول يعيش مغامرات عدة ويقع في غرام فتاة ويحتجز بقصد التخلص منه لكن ملكة الكوكب تقرر الأفراج عنه في مقابل ان تعلمه ابنتها عاداتهم ولغتهم وينتهي به المطاف الى التعاطف مع سكان الكوكب وانضمامه للدفاع عنهم ضد غزو المارينز في معركة غير متكافئة تستخدم فيها امريكا – كالعادة- جيوشها الجرارة واسلحتها التدميرية الفتاكة وتكنولوجيتها المتقدمة في مقبل قتال اهل ذلك الكوكب بالقوس والنشاب و العقيدة الروحية العميقة لتندحر قوات المارينز في النهاية .
بين الميثولوجيا والتكنولوجيا
لعل اول مايلفت النظر في هذا الفيلم هو ذلك المزيج المدهش مابين الميثولوجيا وبين مستحدثات العصر التكنولوجي ، فقصة اقوام (النافي) .ربما تتماهى وتلتقي مع العديد من قصص الشعوب المقاومة للغزاة على مر العصور ، كما ان ايمان سكان الكوكب بالغيب والميتافيزيقيا هو عزف آخر على وتر الشعوب التي تعيش في داخلها معتقداتها الروحية دون ان تتخلى عنها ، ولهذا يتم التنويع على تلك العقيدة الروحية من خلال اظهار مشاهد الغناء او الصلاة او التراتيل الجماعية والثقة بالطاقة الروحية التي تنطوي عليها تلك الشجرة العملاقة المسماة (شجرة الأسلاف) والتي تقع تحت ظلالها وفي اكنافها مقتلة عظيمة تنتهي بأحراق الشجرة ماديا دون ان تحترق الروح والطاقة الروحية التي تختزنها تلكم الشجرة لاسيما وانها شجرة تنطوي على صلة عميقة مع الأجداد ، وتجد في حديث الأم الملكة الكثير من تلك الترانيم والطقوس التي تنتشر في ثقافات الهنود والأزتيك والبوذيين وغيرهم مما تم مزجه عبر شخصيات تلك القبيلة ، وفي مقابل ذلك تبرز التكنلولوجيا في ارقى ماوصلت اليه العبقرية العسكرية والأستخبارية والتجسسية الأمريكية ، انهم جميعا يقيمون في شبه مكوك يديرون عملية التخطيط لغزو الكوكب ، والتكنولوجيا هنا هي الوجه المقابل العكسي لتلك العوالم المطموسة والمجهولة لسكان الكوكب ، ومابين تلك الكفاءة التكنولوجية في المراقبة والرصد وفي الطائرات والمروحيات غريبة الأشكال ، يبقى الهدف واحد الا وهو : الغزو والأحتلال ، استخدام التكنولوجيا للأستحواذ على ثروة شعب مسالم ينظر اليه المارينز على انهم مجرد حيوانات جاهلة لاتستحق ان تمتلك تلك الثروة
.
مجتمع "اومي تيكايا"
من الأبتكارات الخلاقة التي ابدعها جيمس كاميرون : سيناريو واخراجا وتصويرا ومؤثرات وخدعا بصرية وادارة انتاجية و ادارة فنية ، من اهم هذه الأبتكارات هو مجتمع ال "اومي تيكايا" الذي صنعه في هذا الفيلم ، انه مجتمع افتراضي والكائنات فيه افتراضية ، لكنها تمتلك سر قوتها الخاصة ابتداءا من الملامح المشتركة للشخصيات التي تم نحتها بعناية فائقة وتقديم كائنات لايملك المرء الا ان يتوقف عندها وقد لايقبل اشكالها للوهلة الأولى متسائلا ان كانت شريرة ام طيبة ؟ واذا كانت شريرة فأنها تبرر استئساد ( الأصدقاء الأشاوس ) مارينز امريكا لتأديبهم وتلقينهم درسا ديموقراطيا ، ولكنك سرعان ماستقبل تلكم الشخصيات وتسيغ طباعها ثم تدريجيا تحب خفة حركاتها ثم تندهش من بساطتها ثم تعجب بطيبتها ثم تتفاعل مع حكمتها ثم تجزم ان ماتراه ليس الا مجتمعا مسالما يكتنز قوة روحية تعينه على البقاء هكذا كأي مجتمع بدائي بسيط ولكنه ليس مجتمعا من آكلي لحوم البشر بل انه مجتمع متسامح بدليل انه قبل اكثر من واحد ممن يسمونهم (سكان السماء) وكان جندي المارينز احد الذين قبلت تلك القبيلة ان يكون عضوا فيها .
ويضاف الى خواص ذلك المجتمع انه ومن وجهة نظر انثروبولوجية يمتلك مقومات المجتمع المنظم ، وفيه تركيبة اجتماعية متماساكة وتسود فيه قيم الطاعة والألتزام والعمل المثابر ومازلنا في حدود مجتمع افتراضي ولكنه مجتمع حي مع ان افراده غرباء الأشكال بأطوالهم التي تقترب من ثلاثة امتار واشكال عيونهم وانوفهم فضلا عن الذنب المدهش الذي يتلوى اسفل ظهورهم .
وتكمل كل هذا بيئة افتراضية ، بيئة ساحرة ومدهشة وكل ماستقوله عنها قليل ، فأشكال الشجر والزهور والجبال والسهوب والوديان والبحيرات والأحراش لاتملك ازاءها الا ان تعجب وتتعجب من تلك العبقرية التي انتجت كل هذا الجمال ، لتكتمل الصورة مع تلك الكائنات الطائرة او الزاحفة ، اشكال افتراضية لحيوانات تشبه الديناصورات لكنها بأجنحة تحلق بخفة وتناور في الجو بخفة تبز فيها الطائرات المقاتلة ثم هنالك تلك الكائنات الطائرة المسماة (ايكران) وهو نوع وحشي منه ومن يستطيع قهر الأيكران هذا فأنه يستحق ولاء القبيلة واحترامها لأن ذلك يعني انه يمتلك قوة خارقة وذلك مايحصل مع صاحبنا ( الأفاتار- جندي المارينز سابقا) والذي تنحني له القبيلة وتتوله فاتنتهم ( نايتيري- الممثلة زاو سالدانا ) وتتيه فيه حبا وغراما .
مجتمع المارينز
هنالك في المقابل مجتمع المارينز الذي فيه مافيه من طباع الفرد الأمريكي وكذلك طباع وكلمات وسلوكيات وحركات الجنود الأمريكان المارينز الذين كرست (الميديا ) الأمريكية الجبارة كل عبقريتها وامكانياتها لتمجيدهم وارعاب الناس من بطشهم ، هذا المجتمع سيتمثل سريعا في افواج من المحاربين المكلفين بغزو ذلك الكوكب دون ان يسأل واحدهم : لماذا ؟ وما جريمة اولئك القوم كي نحرقهم بالقاصفات وندمر ارضهم ونحرقها بالقنابل ونمزق اجساد ابنائها ...لماذا؟ لا احد يسأل هذا السؤال ولا احد يجيب ماعدا وصف احدهم سكان ذلك الكوكب الذين يعيشون في شبه محمية طبيعية ويكتنزون طاقة روحية اذ يقول فيهم قولا مأثورا :
" الأقوام الذين لديهم تواصل روحي هم مجرد حيوانات بذنب"
وفي المقابل هنالك صوت هامس مستنكر ساعة صعود المارينز تلك المركبة التي ستقلهم الى ذلك الكوكب اذ يقول :
"المارينز المدافعون عن الحرية هم هنا مجرد صعاليك"
ومايلبث آخر ان يردد معبرا عن فكرة الغزو ومسخ ثقافة الآخر قائلا:
" من اجل ماذا يسلمون وطنهم ؟ من اجل البيرة الخالية من الكحول والجينز الأزرق؟"
هذه هي المعادلة التي تلخصها مهمة المارينز ، انهم خاضعون لسلطة الجنرال العدواني (ستيفن لانج ) في مقابل تعاطف العالمة (جريس – الممثلة سيجورني ويفر) التي تمثل نقطة توازن انساني تدفعها الى اكتشاف تلك الأقوام المجهولة لأقامة صلة معها ومع كوكب الأرض دون ان يقع في خاطرها فكرة القتل والغزو وهي التي تعيش حلمها الكبير ان تصل الى الشجرة المقدسة لأخذ عينة منها ومن جبال (الهلالويا) وتكون المفاجأة انها تلفظ انفاسها تحت تلك الشجرة المقدسة معبرة عن تواصل روحي مع اموات تلك القبيلة وفيما مجتمع المارينز مدجج بالتكنولوجيا المتقدمة ، بالقاصفات والقنابل والمروحيات الهجينية الغريبة التي ابدعتها عبقرية المخرج ، الحاصل انك لاتخرج من مجتمع المارينز الا بصورة نمطية للجيش الذي لايقهر واذا بتلك القبيلة البدائية تحطم كل ذاك الكبرياء بفضل الطاقة الروحية والدفاع المستميت الذي مارسه افراد القبيلة وبالطبع مع مهارات الأفاتار الذي ابلى بلاءا حسنا وعلى يديه كان اندحار الجنرال الشرس والعدواني الذي بمقتله ينتهي كل شيء وذلك في مشهد صراع شرس وقتال دامي يشبه كثيرا العاب الفيديو التي يولع بها الفتيان والفتيات بمعنى اني اعده من اضعف مشاهد الفيلم على الأطلاق .
الدراما الفيلمية والبنية السردية
مما لاشك فيه ان فكرة الصراع هي فكرة راسخة وعميقة في هذا الفيلم ، فالدراما الفيلمية تتصاعد بشكل منطقي وتجد الأحداث دافعيتها وتصعيدها ، وتتدرج تلك الدراما في ظل صراع شرس من اجل البقاء وليس اشد قوة درامية من فكرة الصراع من اجل البقاء ، وحتى بالنسبة للأمبراطورية الغازية هنالك دافع لقتل اولئك القوم في ذاك الكوكب ، ربما لأنهم لايستحقون الحياة او لايستحقون تلك الثروة الهائلة المتمثلة في معدن (اليونوبتانيوم ) الثمين ، ربما هو تخريج بشع ولا انساني ولكن (كل قوم بمالديهم فرحون) بمعنى ان الأمبراطورية اذ تخوض صراعها الشرس وتزج بالمارينز زرافات ووحدانا الى محارق الحروب فأنها تكون قد بلغت شأوا في اقناع شبابها بشرعية تلك المهمة وتاليا شرعية هذا الصراع من اجل البقاء ، وعلى هذا ينقسم البناء الدرامي على وفق دافعيات متعددة ولكنها تختصر في دافعية المارينز ودافعية قبيلة (نافي ) ولهذا تنقسم الأحداث بالقسطاس على هاتين الدافعيتين ونمضي الفيلم ونحن اما في مقصورة قيادة المارينز المحجوبة عن التلوث الذي يمثله كوكب (باندورا) لأن خواص المارينز البيولوجية كبشر – بحسب الفيلم- لاتمكنهم من العيش في تلك البيئة لأنهم اذا مااستنشقوا هواءها فسيموتون فورا ولهذا يرتدون الأقنعة اذا ماخرجو الى ذلك الفضاء او على ارض الكوكب .
في المقابل تجري اعادة صياغة الزمن الفيلمي بشكل محسوب ودقيق ، مما يمنح السرد الفيلمي قدرا كبيرا من التماسك والموضوعية وينسحب ذلك حتى على الأيقاع الفيلمي مابين بيئتين متباينتين تباينا صارخا ، فالأيقاع عند التصوير على ارض ذلك الكوكب الأفتراضي حيث الحياة البسيطة والتفاعل اليومي مع الطبيعة هو ليس نفسه الأيقاع المتسارع ونحن في مقصورة قيادة المارينز التي تتسيد فيه التكنولوجيا ولغة الكومبيوتر المتطورة ، وعلى هذا اكتسب السرد الفيلمي خواصه المميزة في تأسيس سلسلة من البنى الفاعلة وكمايلي:
- البنية السردية الفاعلة الأولى : وتتمثل في دافعية المارينز للغزو والأجتياح وهي دافعية جمعية بمعنى انها غير مرتبطة بالشخصية الرئيسية في الفيلم او من حولها وهم بضعة افراد وعلى هذا كان من الصعب التخلص من تلك الدافعية او تجاوزها او حرفها عن مسارها بل ان العكس هو الصحيح اذ كانت تلكم الدافعية سببا في اذعان المجموعة لقرار الغزو وهو ماشكل بنية سردية فاعلة محركة لمايلي من نتائج .
- البنية السردية الفاعلة الثانية وهي الدافعية الذاتية : وتتمثل في دخول الشخصية الرئيسية (جندي المارينز ) دائرة الفعل السردي منطلقا اولا كما يبدو للوهلة الأولى من الرغبة في الأكتشاف ربما ، ثم ليتطور الأكتشاف بعد خوض التجربة الى مغامرة غير محسوبة ساعة ان تطأ قدماه ارض الكوكب المجهول فيخوض صراعا مع كائنات ومخلوقات شتى وتتطور تلك المغامرة الى علاقة حب مع ( نايتيري ).
- البنية السردية الثالثة : وتتمثل في دافعية قبيلة (نافي) المدافعة عن نفسها في وجه الغزو والأجتياح والقتل والحرق والتخريب الذي تمارسه جيوش المارينز المدججة بأسلحة الفتك الجماعي ، وهي دافعية جمعية موازية طبعت الشخصيات وكنا ازاء قرارموحد تم بموجبه صياغة الأفعال والأحداث على وفق اتجاه واحد يتمثل في التخلص من ذلك الحتم المدمر ولاسبيل الا بتصعيد السرد الى درجة الصراع الشرس من اجل البقاء .
السينما ثلاثية الأبعاد ابتداءا من افاتار
كلام كثير انتشر مواكبا عرض الفيلم على انه بداية عصر جديد للسينما ثلاثية الأبعاد حتى قال البعض ان هنالك زمنان سينمائيان وتاريخان سينمائيان وهما ماقبل افاتار ومابعده .
ولاشك ان الفيلم يشكل نقلة هائلة على صعيد الصورة الثلاثية الأبعاد وذلك المزيج الخلاق بين الواقع والشخصيات الحقيقية وبين المقابل الأفتراضي لها والذي تصنعه برامج الكومبيوتر المتطورة ، لكن النقطة الفاصلة هنا تكمن في النجاح الباهر الذي وصل اليه صانعوا هذا الفيلم في ادماج المشاهد بذلك العالم الأفتراضي ، بمعنى ان الأحساس السابق المتراكم الذي كان ينظر الى تلك السينما التي انتجتها التقنيات الرقمية بدأ يتلاشى بالتدريج بل ان تفاعلا خلاقا من لدن المشاهدين بأمكانك ان تتلمسه مع كل كل من شاهد الفيلم : هنالك احساس عميق بالطبيعة وحركة الموجودات وماالى ذلك بمعنى ان تلك البيئة الغرائبية لم تعد كذلك بل هي بيئة اليفة وممكن قبولها بل وان نحبها بأشجارها وطيورها ومخلوقاتها الغريبية .
وعلى هذا كانت التقنية ثلاثية الأبعاد في هذا الفيلم قد حققت سبقا ونجاحا سيجعل الآخرين يلهثون للحاق بهذه المخيلة المدهشة التي انتجت كل هذا الجمال اللوني والصوري واعطت للمكان بهاءا حلميا وشاعريا خاصا .
سينما المخرج( كاميرون ) القائمة على ادهاش المشاهد من جهة وتقديم شخصيات وموضوعات مؤثرة كما هي في اغلب ان لم نقل كل افلامه تجدها هنا امام امتحان هائل يتمثل في كيفية نقل تلك المغامرة المكررة الى درجة الملل الا وهي مغامرات حرب النجوم واجتياح كواكب اخرى وخوض الحروب معها ،كيفية نقلها من هذا النطاق الى ماشاهدناه في افاتار ، كيفية تجسيد خيالات الكاتب ( وهو المخرج نفسه) مرورا بالتكنولوجيا الرقمية ثلاثية الأبعاد ؟ اذ لو اخفق الفريق التقني في ترسيخ القناعة لدى المشاهد والتفاعل مع الشخصيات والأحداث لكانت تلك التقنيات ليست اكثر من مؤثرات بصرية مصطنعة .
ولاشك ان المخرج كان ذكيا الى حد كبير في اخياره لذلك الأدماج الخلاق مابين التقنية ثلاثية الأبعاد وبين الخط الواقعي بمعنى ان لديه جمهور جاهز يعد بالملايين في جميع القارات ممن ادمن العاب الفيديو والمغامرات الحربية حتى انك تستطيع وبلا تردد ان ترشح الفيلم لكي يشاهده الشباب ومن هم في سن المراهقة ممن درجوا على ممارسة العاب الفيديو القائمة على الصراع والقتل المتواصل من اجل القتل ، لكننا هنا امام مسألة اخرى ممثلة في قصة انسانية فيها كثير من المقومات الأخلاقية خلاصتها حق الشعوب في العيش الآمن والتمتع بحياتهم وثرواتهم والحفاظ على معتقداتهم وبنية مجتمعاتهم وهو مامثلته قبيلة (نافي ) في مقابل النزعات العدوانية والأنتقامية وعقدة ابادة المجتمعات الأخرى وتخريبها وقتل ابنائها ونهب ثرواتها وهو مامثله جيش المارينز ، ولعل هذا هو العنصر المفصلي في الفيلم الذي جعل كل ذلك الجمهور العريض يندفع متلقفا تلك التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد المندمجة مع قصة انسانية مضافا اليها ذلك الحب الشفاف والعميق بين الأفاتار وبين ( نايتيري ) وهي علاقة اضفت على الفيلم بعدا رومانسيا آخر مؤطرا بسؤال قد ينشأ في داخل المشاهد قوامه : ياترى كيف يحب الأفاتار بعضهم ، كيف هي عاطفتهم ؟ بل وكيف يتبادلون القبل فيما بينهم ؟ وكيف يشاركون بعضهم البعض التعبير عن العاطفة والحب في السرير ؟ فكيف اذا كان ذاك السرير ليس الا احضان الطبيعة الساحرة ؟
المارينز المنتصر حتى لو كان مشلولا ومقعدا !!!
لاشك ان تمجيد الفرد هي سمة غير مباشرة في كثير من الأفلام الأمريكية خاصة تمجيد افراد المارينز والمحاربين المضحين من اجل نشر القيم الأمريكية الديموقراطية ، لكننا هنا امام مسألة اخرى الا وهي ان المارينز يواصلون مهمات الغزو واجتياح الشعوب الأخرى حتى بعد مئة سنة او اكثر من الآن لأن الفيلم يتحدث عن العام بمعنى ان البشرية حتى ذلك الحين ستبقى اسيرة عقدة غزو الآخر من وجهة النظر(المارينزية !!!) ، وستضاف اقوام اخرى للقائمة اضافة للهنود الحمر والفيتناميين والبناميين والأفغان والعراقيين وغيرهم ، لكن المارينز تقدم قدرة خارقية جديدة وهي ان افرادهم حتى المعاقين والمشلولي الأطراف منهم ، هم جاهزون لتلبية نداء الغزو والأجتياح كما هو هذا الفيلم ، وبالرغم ان الشخصية الرئيسية ( جندي المارينز ) لايقابل الا بالسخرية من لدن اصحابه للوهلة الأولى متسائلين كيف يمكن لمعاق ان ينظم الى حملة عسكرية كبيرة تحتاج الى الجهد البدني وطاقة التحمل؟ وهو تمهيد ذهني للمشاهد خلاصته : اننا سنريكم كيف بأمكان هذا الجندي المعاق من افراد المارينز ان ينجز مهاما يعجز عن انجازها الوف البشر غير المعاقين وهو ماكان فعلا ، لكن (بمالاتشتهي السفن) ان تجري الرياح بعكس الأستراتيجية التقليدية في الأنتصار الهوليوودي وزهو سحق الآآخر ، ما صححه ( كاميرون) هو ان المارينز المدججين بأمرين هما: عقيدة الغزو و القوة الهائلة : الحربية والتكنولوجية قد يهزمون على ايدي اقوام بدائية تقاتل بسلاح بدائي هو القوس والنشاب لكنها تتمتع برضا روحي ويقين بالأنتماء الى ارضها والحفاظ على معتقداتها .
لماذا حرم افاتار من الجوائز الكبرى للأوسكار؟
سؤال ردده ملايين البشر في انحاء الأرض وتحدثت عنه الصحافة والمهتمين ..فالأفاتار يستحق عن جدارة وبلا ادنى شك ولا منازع جائزة احسن فيلم وباقي الجوائز المهمة كأحسن اخراج وسيناريو ومونتاج وهو يمتلك المؤهلات التالية التي لايمتلكها منافسوه :
انه فيلم متكامل العناصر الفيلمية : اخراجا وموضوعا وقصة وسيناريو واخراجا ومونتاجا وموسيقى ومؤثرات بصرية .
انه فيلم فيه مساحة هائلة من الأبتكار الذي لم يسبقه اليه فيلم آخر : ابتكار الشخصيات ، ابتكار البيئات ، ابتكار الكائنات والمخلوقات الغريبة وابتكار الشكل السينمائي .
انه فيلم يؤسس لعصر جديد حقا في مجال السينما ثلاثية الأبعاد ويشكل نقطة تحول وتحديا امام من سيأتي من سينمائيين قد يقدمون على تلك المغامرة ثلاثية الأبعاد .
انه فيلم على درجة متقدمة من الأدارة الفنية المتكاملة ووحدة البناء المتماسك مابين الأبهار البصري وبين الدراما الفيلمية المتصاعدة .
ربما تكون هذه الأسباب والمؤهلات اكثر من كافية لتتويج افاتار بدلا منن جوائز الترضية التي منح اياها ولهذا ستكون مفارقة ان يمنح فيلم متواضع في كل شيء وقصته مستهلكة وهو فيلم خزانة الألم كل تلك الجوائز ...
لااحد يعلم بكل تأكيد لم كل ذلك التطبيل والترويج لفيلم خزانة الألم الى درجة ان تطلق عليه وسائل اعلام امريكية انه " بمثابة انتصارلمحور الخير" !!!!
ولا احد يعلم دوافع المحكمين الذين هيأوا الرأي العام مسبقا بمنح الفيلم جائزة ( بافتا) للأكاديمية البريطانية للفيلم ثم ليمنحوه كل تلك الجوائز ...
لكن ربما كانت معالجة فيلم افاتار في الأخير والتي انتهت بدحر جيوش المارينز وانتصار قبيلة (نافي ) البدائية واحتفاظها بأرضها وثرواتها وعقيدتها الروحية ، ربما كانت معالجة مرفوضة من وجهة نظار صناع القرار والبروباغاندا الحربية وهي التي اجهزت على ترشيح الفيلم من وجهة نظر سياسية ودعائية تمس هيبة القوات الأمريكية الضاربة التي لاتقهر ربما ، فكيف تقهرها كائنات ذات ذيول ؟ ربما كان احجام الفيلم عن القاء خطاب النصر من على ظهر احدى البوارج الحربية الأمريكية وتبادل الأنخاب ، ربما كان هو السبب ولكنها مهزلة ان صحت هذه الفرضية وتم بالفعل تجاوز كل مقومات هذا الفيلم الهائل وحصرها في تلك الزاوية الضيقة ...والا ...لايوجد أي سبب آخر منطقي ...






# posted by Dr. TAHER ALWAN @ 12:09 AM Links to this post


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اقرأ في ارشيف المدونة ايضا:

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels