قوة الوثيقة السينمائية
ربما كان الحديث عن الطبيعة الوثائقية للفيلم هو حديث عن حدود المصداقية ونقل الحقيقة على الشاشات . وكان هذا سرا من اسرار السينما وسببا قويا من اسباب المساحة الواسعة من الأهتمام التي اخذت تحتلها مع تقادم الزمن .فقصص الحربين الكونيتين وحرب فيتنام والبوسنة وحروب الخليج المتواصلة فصولها مثلا كانت مادة خصبة للعدسات وكانت الحقيقة معيارا لقوة الصورة .
في فيلم باريس والآخرون او هؤلاء واولئك للمخرج الفرنسي كلود لولوش , كانت هنالك رؤية بانورامية لأزمنة الحروب , تنقل حر بين اجيال واماكن لايجمعها جامع غير شيء اسمه ( الحرب ) , كانت السينما عبر : لاشيء يحدث في الميدان الغربي , والحرب والسلم في احدث نسخه المقتبسة من الرواية ذائعة الصيت وظلال الحرب في اعمال عثمان سمبيني وكذلك في تجارب فيسكونتي المبكرة وغيرها كثير , كانت ثمة معطيات لاخلاف حولها في تقديم فكرة الحرب . السينما اليوم تعمد الى تنويعات موازية لحروب القرن الجديدة فيما عرف بالحرب طويلة الأجل على الأرهاب .واقعيا كان البرجان علامة فارقة على تنوع الوثيقة السينمائية , على امتلاك الوثيقة خاصية ما عبر ايقونة البرجين , كما كان شكل ( الفطر ) في قنبلة هيروشيما وناغازاكي . القوة الدامغة للوثيقة ظلت محركا لأيجاد لغة اخرى : اما لغة فنية جمالية متجردة من سطوع الوثيقة السينمائية ومعتمة عليها , او انها التقاط لجزئية من الحقيقة او التفاعل معها او تحويرها , وفي كل الحالات كانت الوثيقة ركنا اساسيا من اركان لغة السينما . السبب في هذا هو السؤال البارز : من اين يستمد الفيلم موضوعاته ؟
انها عودة الى لغة واقعية , لكن ماانجزه جيل الحداثة السينمائية كان وحده كافيا لتأكيد حقيقة الطاقة التعبيرية للفيلم عند خروجه من اسر الوثيقة .
على شاشات اليوم ثمة حروب خفية واعداء كوكبيين مجهولين يستهدفون الأمبراطورية , تلك كانت وستبقى زمنا غير محدود شغلا شاغلا ودالة على الفكرة التي ذهبنا اليها وهي : ان تستمد السينما من الحقائق الموضوعية افكارا وتجارب ومعالجات .
على شاشات اليوم يجري تداول صورة جندي يطلق الرصاص الحي على جرحى في ظل معركة غير متكافئة , الصورة الواقعية وذلك الحوار المسرحي الذي تم نقله الى العالم كان تأكيدا لقوة الوثيقة الفيلمية واكتفائها بقوة تعبير ذاتية تغني عن كثير من الكلام والشروح والتفاصيل . اللازمة تكررت منذ احداث سجن ابو غريب حيث بقيت للوثيقة قوتها الدامغة على قول الحقيقة وكان ذلك مصدرا كافيا لتقديم صور موازية على الشاشات تستمد قوتها من فكرة الوثيقة والحقيقة التي تقدمها الوثيقة . بموازاة هذا امتلكت السينما الوثائقية قوة من قوة الموضوعات التي حملتها حياة الناس والمجتمعات . ونجد ان قصص ووقائع الحروب في اطارها الواقعي وحوادثها المتجددة كانت تأكيدا للفكرة القائلة بتفرد الوثيقة السينمائية وقوة تعبيرها