وواقعيا لم يعد التطور في مجال الفن السابع متعلقا بالتقنية بسبب المستحدثات الهائلة التي طرأت على الوسائل بل اتسع ليشمل النوع بمعنى انتلك المستحدثات صارت جزءا من بنية النوةع الفيلمي وقد ارتبط ذلك بالدراما ذاتها واخضاعها الى خواص النوع .
ولعل من المهم التأكيد هنا ان نظريات فن الفيلم هي الأخرى قد لاحقت هذه التحولات ولم يعد الفيلم شكلا سرديا مجردا بل هو بالأضافة الى ذلك بناء نوعي – اي مرتبط بالنوع .. وهو مادفع نقاد الفيلم الى مداخل موازية تبحث عموديا في البناء الفيلمي بمعنى البحث في البنية الكلية الشاملة للنوع وليس التتابع الصوري او السردي كما ذهبنا قبل هذا ..وهذا هو المحور الذي يؤكده الناقد المتخصص في اشكاليات النوع الفيلمي (تم ديريكس ) الذي
من بين العديد من التي أنواع الفيلمية التي اعتاد جمهور فن الفيلم على مشاهدتها والأستمتاع بموضوعاتها واخراجها وتصويرها ، يبرز النوع الغرائبي او الفانطازي الذي صار له بمرور الوقت جمهوره ومخرجوه واجواؤه الخاصة . من هنا التئمت في بروكسل مؤخرا الدورة الخامسة والعشرين لواحد من اهم المهرجانات السينمائية في العالم وهو مهرجان الفيلم الغرائبي او الفانطازي حيث تجمع حشد كبير من عشاق هذا النوع السينمائي ، مخرجين وممثلين وفنانين وفنيين فضلا عن جمهور واسع اكتضت به الصالات التي شهدت العروض وعلى مدى اثنا عشر يوما في عروض مكثفة من الظهيرة حتى منتصف الليل هذا فضلا عن التظاهرات المصاحبة.
ولعل الملفت للنظر هو كون اغلب الأفلام المشاركة هي افلام انتجت حديثا وبعضها لم يسبق للجمهور مشاهدته والمسألة الأخرى التي تتعلق بالأفلام المنجزة انها التقت في توظيف الفن السينمائي من اجل تقديم شحنة من الأبهار في المشاهدة تمثلت في خليط من الغرائبية والرعب والخيال العلمي مع وجود تفرد حقيقي في بعض الأفلام.
اتجاهات تمزج الكوميديا بالفانطازيا
مما لاشك فيه ان المهارات التي تعكس قدرات فناني الفيلم تتباين في مسألة التعبير عن النوع الفيلمي الفانطازي بامتزاجه مع مايجاوره من انواع اخريى وهو رأيي احد اهم التحديات التي تواجه صانعي السينما اليوم في قدرتهم على تقديم هذا المزيج الأخاذ الذي يقود المشاهد الى الأنجذاب الى مستويات متعددة من السرر الفيلمي وهو ماتباينت فيه تجار المخرجين في هذا المهرجان وبشكل واضح ..
ولعل الفيلم الأنجليزي( هوت فاز) للمخرج ادكار رايت يقدم نموذجا لهذا الأمتزاج الذي تحدثنا عنه اذ عمد صانعو هذا الفيلم الى المزج وبشكل مدهش بين الكوميديا والغرابية مع الغموض وسائر خواص الفيلم البوليسي
وتحكي قصة الفيلم رجل شرطة يجري نقله من دائرته الى دائرة عمل اخرى في ولاية هادئة ونائية عن لندن .. واول مايلاحظه وهو في طريقه الى عمله الجديد وفي ليلته الأولى وهو يجول في المدينة وجود مرهقين يتعاطون الخمر وهم دون الثامنة عشرة ومخالفات اخرى وسرعان مايتخذ اجاءا باعتقال هؤلاء لكن يظهر بعد ذلك ان احد المخالفين هو ضابط شرطة وهو ابن مدير مركز الشرطة الذي جاء نقلا اليه ..وهنا تبدأ المفارقات اذ يكتشف ان ذلك القسم يضم تناقضات مضحكة لأناس يديرون البحث الجنائي وكأنهم معتوهون ورجل التحري لايفهم احد مايتفوه به من كلام .. وهكذا تبدأ المفارقات المضحكة اذ يجد صاحبنا نفسه حائرا في امره الى ان تقع سلسلة من الجرائم تهز المدينة الهادئة وبطريقة تنفيذ متشابهة ...وتبدأ رحلة الشرطي في البحث والتحري ... حتى يكتشف ان ادارة المدينة ورجال الشرطة انفسهم يشكلون لوبي للتخطيط للجريمة ...وهنا تبدأ فصول الملاحقة والمطاردة حيث ينظم ابن مدير قسم الشرطة لذلك الضابط الشجاع الباحث عن الحقيقة ..
لقد مثل هذا الفيلم نمطا مختلفا في مسار الفيلم الأنجليزي حقا فهو مزيج من الغرائبية وافلام التحري الممتزجة بكوميديا لاتنتهي .
الأنسان المحاصر بتقنيات العصر
اما الفيم الروسي النوارس الوحشية للمخرج كونستانتان لوبوشانسكي فقد كرس موضوعه للأبحاث في موضوع الجينات وفي اجواء شديدة القتامة ..حيث تبدو في هذا الفيلم صورة روسيا اليوم بعد مايقرب من عقدين على تصدع الأتحاد السوفيتي السابق ... انهابلاد غارقة في ايقاعها البطئ ورتابة ايامها .. وهكذا في اجواء ممطرة على طول الفيلم تقريبا تمضي رحلة النوارس الوحشية في تتبع كائنا ت محاصرة تجرى عليها التجارب وكأننا عدنا الى اجواء كي جي بي القاتمة ... وقبيل عرض الفيلم جلست مع المخرج لوبوشانسكي وهو الذي انجز سبعة افلام قبل هذا الفيلم .. وتحادثنا في طبيعة الفيلم الروسي اليوم وحيث تنتج روسيا بضعة ومائة فيلم في العام .. فكانت النقطة المهمة التي اثارها لوبوشانسكي هي ان البحث عن التمويل هو الشغل الشاغل للمخرج الروسي وهو واضح في فيلمه هذا الذي شاركت جهات فرنسية وغير فرنسية في تمويله ... ومايعنينا ان بحثنا عن تفرد في فكرة الفيلم هنا لاتتحقق لأن الفيلم نسخة من نمطية عملاق السينما الروسية بوندورتشوك لكن في غير زمانها ... لقد كانت الأجواء الكابوسية للفيلم قد حولته الى مايشسبه مسرحية تقع في علبة مغلقة .
الموروث الكوري على الشاشة
ويمزج الفيلم الكوري ( انسان القلق ) بين الغرائبية وبين الموروث الشعبي الكوري كما انه لايبتعد كثيرا عن خواص الأفلام التي تعنى بالأساطير ..ففي مملكة سحيقة اسمها (سيلا) تتكون علاقة بين (واك) الفارس وبين الفتاة (هوا) ومن ميزات الفارس هذا انه يتمتع بمواهب غير اعتيادية فهو يشاهد الأشباح وماالى ذلك مما يدفع ابناء القرى للهجوم عليه وكذلك على فتاته التي تتهم بممارسة السحر وحيث يقومون بقتلها ...ويعتقد الفارس ان قواه الخفية كانت سببا فب مقتل فتاته فلهذا ينظم الى الحراس الذين يطاردون الصوص ولينتقم هو من قتلة فتاته لكنه يصاب في هذه المواجهة فيلجأ الى احد المعابد وهناك ينتقل الى منطقة تسمى افتراضا ب (الجنة الوسطى) وهي ارض وسط مابين الأرض والجنة ..وحيث يلتقي هناك فتاته وتقع فصول جديدة ضد قوى الشر ..
هذا الفيلم المصنوع حديثا (2007) ظل اسير ايقاع تلك الحكاية الأسطورية مع انه استخدم العديد من المؤثرات والخدع البصرية التي ذكرتنا بسلسة ملك الخاتم حيث مازالت اجواء تلك السلة مؤثرة كثيرا في العديد من الأفلام ومن ذلك هذا الفيلم الكوري ..
اساطير من اليابان
ويأتي فيلم الياباني كاتسوهيرو اوتومو ليشكل اضافة اخرى لموضوع الأسطورة لكنه في فيلم اوتومو الذي يحمل اسم (موشيشي) نكون ازاء تلك القوة الخارقية لهذا الموشيشي الذي يتفرغ من اجله شخص اسمه جنكو للتعرف على اسراراه وعلاقته بالكون والعالم ..ويأتي ذلك في سياق اكتشاف العديد من البيئات حيث حرص الفيلم على تقديم صور بالغة الروعة للطبيعة والوديان والأنهار بحثا عن اسرار الموشيشي في اجواء القرن العشرين ..انها رحلة للذات في بطون الأساطير دون اغراق في تلك البنية المقفلة للأسطورة بل بالعكس كان هنالك كثير جدا من الأنفتاح على حقائق العلم ومسايرة فكرة الذات والشيخوخة والموتوهل تشيخ الطبيعة كما الأنسان وكيف يؤثر الشر في الكائن البشري ...والفيلم هو المحطة الثانية للمخرج اوتومو مبنية على قصة للكاتب الياباني اوروشيبارا ..ولعل من الملاحظ على تجربة اوموتو اهتمامه الكبير بمفردات المكان وتعبيريته في اطار البناء الأسطوري ...
اسم الملك ..اختراق العالم الآمن
وتمضي قصص الصراع الغرائبي بين قوى الخير والشر في افلام المهرجان فبينما يعيش احد اصحاب المزارع في سلام مع اسرته اذا به يفجأ بقدوم جيش لمقارعة فلول الشر التي لايدري هو من اين جاءت ولا لماذا تمر المحنة عبر مزرعته وبيته وحياته حتى انه يفقد اسرته التي اختطفت من قبل الأشرار وابنه الذي قتله حيوان وحشي وسط المعضلة ، ويمضي مخرج الفيلم يو بول في تتبع تلك التحولات في دراما متصاعدة ومزيج من الغرائبية والكائنات الوحشية والصراع الذي لاينتهي بين الأضداد ، ويستخدم في سبيل ذلك العديد من المؤثرات البصرية ويحشد شخصياته باتجاه نوع من دراما قطع الأنفاس ..لكن وسط ذلك كله تنبض العاطفة الأنسانية العميقة لذلك المزارع الذي وقع واسرته ضحية حرب لاطائل من ورائها وليس هو في كل الأحوال طرفا فيها ..
ولعل الملفت للنظر هو ان قصة الفيلم ليست بعيدة عن متناول المشاهدين اذ هي في اصلها من العاب الفيديو التي سبق واستمتع بها من مارسها وهاهو مخرج الفيلم يجد في واحدة من تلك الألعاب موضوعه الأثير ...
الخروج الى السينما السويدية
ليس كثير من الجمهور العريض اعتاد على مشاهدة السينما السويدية .. سوى ان المخرج الأشهر والأب الروحي لتلك السينما هو المخرج اللامع انجمار برجمان الذي عرف بأفلامه التي صارت علامة فارقة في مسار السينما العالمية واتجاهاتها المعاصرة .. لكن المهرجان اتحف جمهوره بفيلم سويدي يحاكي القصص البوليسية وقصص الجرائم من خلال فيلم (خروج) للمخرج بيتر لندمارك . القصة تدور حول رجل اعمال ناجح هو توماس سكيبولت (الممثل مادس ميكلسن) الذي يجد نفسه وهو ينتقل من نجاح الى آخر وهو رجل محظوظ يتمتع بالثروة والعلاقات الواسعة والأسرة المتماسكة والعلاقات الجميلة وحيث يخدم معه مساعده رامبرج(الممثل الكسندرسكارزكارد) وهو مساعد مخلص وناجح وهما قادمان الى صفقة العمر التي لامثيل لها لكن فجأة يتغير كل شيء : الزبائن المشترون يغيرون خططهم فتتعرض الشركة الى ضربة قاصمة .. ثم يقتل المساعد رامبرج شر قتلة .. وتبدأ الشبهات من طرف الشرطة تحوم حول توماس بينما هو نفسه يتلقى تهديدا بالقتل ولكن دون جدوى فالتهمة تلاحقه وهو يبذل مجهوده لأثبات البراءة والحفاظ على اسرته ...وبالطبع فأن الفيلم بما احتواه من مفاجآت يغوص في عالم التجارة والبورصة ورجال المال والأعمال ...
البعد الرابع لعزلة الفرد
يقدم هذا الفيلم قصة جاك الشاب المنعزل والذي يعيش ايامه منغمسا في عمله في احد مخازن التحف القديمة حتى تأتيه امرأة غامضة لتعيد اليه ساعة اثرية كبيرة مكسورة ... وبعدها تقع احداث غيرمتوقعة فالشاب يذهب مباشرة الى ارشيف يتعلق بالنظرية غير المكتملة للعالم انشتاين وعندها يدخل جاك في دوامة تحليل عنصر الزمن وربطه بما هو قائم حوله ومايفكر ويشعر به وهو يغوص خلال ذلك في عوالم غير مرئية تتكثف فيها مسألة الأحساس بالزمن وماذا يعني وكيف يجري تفسيره ..والملفت للنظر ان صانعي الفيلم هما شابان يقدمان وهما في بداية مشوارهما السينمائي هذا الموضوع المركب والعميق وهما الشابان ( توم ماتيرا و ديف مازوني) وهما مخرجان امريكيان وقد قدم الممثل لويس مورابيتو اداء متقنا لموضوع معقد ومركب ...