نجاح في احتضان الأبداع الفيلمي...نظرة في افق الدورات المقبلة
* جريدة عمان العمانية 30-4-2008
مما لاشك فيه ان الحديث عن المهرجانات في العالم العربي يحتل مساحة من اهتمام السينمائيين ونقاد السينما فضلا عن الجمهور العادي . ولطالما كانت هنالك نظرة ترى في كثير من المهرجانات انها لاتتعدى تظاهرة احتفالية تقام هنا او هناك بالأخص عندما يتم تجييرها لصالح النظام او السلطة في هذا البلد او ذاك باعتبارها راعيا وممولا للمهرجان .
اما الحال في اطلاق مهرجان الخليج السينمائي فهو مختلف تماما ، القصة مع هذا المهرجان انه اول مهرجان عربي اقليمي متخصص بأفلام منطقة الخليج العربي بسبب تناغمها في الثقافة وتقاربها الجغرافي ومزيد من العوامل المشتركة التي تجعل من مسألة التقارب بين سينمائيي هذه المنطقة حقيقة واقعة .
لقد شعرت بحماسة لهذا المهرجان منذ اطلاق فكرته الأولى فهو في فكرته يعد جريئا في تأسيسه لتقليد غير مسبوق عربيا والمسألة الأخرى هي ان اطلاق المهرجان واقامته لم تأخذ وقتا كافيا او طويلا حقا وربما دار في خلد المنظمين او غيرهم تساؤل واقعي حول حجم المشاركات ونوعها .
ولو نظرنا نظرة موضوعية الى العديد من المهرجانات العربية التي لكل منها اجندته واهدافه وانفتاحه على العالم وقارنا ذلك بمهرجان الخليج لوجدنا ان هذا المهرجان قد اكد هوية خالصة صافية تعكس اهتمامات ونواحي حياة شعوب هذه المنطقة كما انه رسم اطارا شاملا للواقع الثقافي والأنساني الذي يميزها .
فالحياة التي قدمتها الأفلام المشاركة وعكستها لم تكن الحياة النمطية التي تشاع عادة عن بلدان الخليج الثرية حيث ابراجها وعماراتها الشاهقة او من جهة اخرى حيث هنالك لكل منزل بئر نفط وقافلة من الجمال والحريم بحسب المنظور الأستشراقي المضلل المغرض والمفرط في المصادرة والتشويه المتعمد .
لقد قدم المهرجان صورة موازية لجوانب عديدة من الحياة الأجتماعية والثقافية في هذه المنطقة متجاوزا كل تلك الكليشيهات التي عبأت الأذهان طويلا : كانت هنالك الحياة التقليدية للبحارة والصيادين وهي الصورة التقليدية لكثير من بلدان الخليج حيث كفاح الأنسان من اجل الحياة قبيل عصر النفط .
وكان هنالك شباب طامحون للحياة يتنفسون حياة معاصرة ويبحثون لأنفسهم عن افق اكثر اتساعا .
كانت هنالك حياة وديعة ومسالمة تدب في ثنايا اكثر من بلد خليجي .
هذا اذا شئنا الحديث عن الأطار العام للمهرجان ، اما اذا انتقلنا الى ماهو فني ، فأن فكرة اجتياز الألف ميل تبدأ من خطوة واحدة تصح على الأفلام المشاركة فللمرة الأولى يجد السينمائيون الخليجيون انفسهم يتبارون ويتنافسون مع زملاء لهم من ابناء منطقتهم الأقرب وهو ما منحهم ثقة كافية وانتماءا للمهرجان كونه اكثر قربا منهم ، وتاليا كان هنالك وعي بضرورة ان يقدم الجميع ماهو افضل في الدورات المقبلة انشاء الله مستفيدين من تجربة المهرجان من جهة ومن الأطلاع على افلام وتجارب الآخرين .
واجد من المهم القول ان هنالك دوافع متنامية ماانفكت تحرك السينمائيين في الخليج باتجاه صناعة الفيلم وصار هنالك شعور عام يتنامى مفاده ان هذه البلدان وطاقاتها الشابة من السينمائيين الواعدين قادرون على صنع سينما جديدة وانتاج افلام تعكس بمصداقية وتوازن الحياة الأجتماعية للناس في هذه البلدان .
ولعل السؤال الذي يتبادر الى الذهن في ختام المهرجان وللتوصل الى المحصلة من المهرجان هو : هل تحتاج بلدان الخليج الى الميزانيات الضخمة لغرض انتاج افلام عظيمة وكبيرة تنافس بلدان العالم الأخرى وتتنافس في المهرجانات الدولية ؟ والجواب على ذلك ، ان السينما الناشئة في العديد من بلدان الخليج تتطلب حقا دعما مؤسساتيا وتشجيعا حقيقيا ولكن ذلك لايعني مطلقا ان البديل هو التمويل الضخم ، من منطلق واقعي ان هذه السينما الناشئة ماانفك مبدعوها يجربون انفسهم ويقدمون اعمالهم التسجيلية والقصيرة وهي اعمال قليلة التكلفة وبلا متطلبات انتاجية كبيرة بمعنى ان امكانية انتاج مزيد ومزيد من هذه الأفلام قائم ومتحقق من منطلق امكانية الدعم الذي سيؤدي الى بث الحياة في مفاصل الحياة السينمائية في هذه البلدان من جهة ويعزز الثقة في المستقبل حيث يمكن عندها ان تنضج الكوادر السينمائية وتصبح مؤهلة كي تحتل دورها في الأنتاج الأكثر تكلفة .
من هنا ارى ان على دول الخليج ان كانت تطمح الى النهوض بهذا القطاع ان تعزز من دور وفاعلية هذا الجيل الشاب الواعد من السينمائيين
وأرى في السينما في الأمارات تجربة جيدة من خلال الأنطلاقة الناجحة لتجربة ( افلام من الأمارات ) التي قدمت العديد من صانعي الفيلم الشباب مثل : نواف الجناحي وهاني الشيباني وعبد الله حسن احمد وخالد المحمود وغيرهم ..
وتبع ذلك ماشهدناه في المهرجان من منح جوائز لكتاب السيناريو لغرض انجاز افلام مأخوذة او معدة عن سيناريوهاتهم وهي تجربة جيدة فضلا عن توفر الدعم الحكومي المباشر لأنتاج الأفلام من خلال المنح التي تقدمها بعض مؤسسات الحكومة .
ومن جهة اخرى اجد ان بلدان الخليج مطالبة بصفة عامة ايلاء الأنتاج الفلمي اهمية اكبر دعما ورعاية وتمويلا وتسويقا وان يكون مهرجان الخليج في السمتقبل المنظور سوقا للفيلم الخليجي يتيح للسينمائيين الخليجيين تسويق اعمالهم واظن هذه الخطوة مهمة لترسيخ هذا المهرجان وتعميق هويته واهدافه فضلا عن المطالبة بترسيخ فكرة تمويل الأفلام من خلال مسابقة سيناريو الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والتسجيلية وتحويلها الى مسابقة خليجية وليس اماراتية فحسب وبشكل يتيح لكتاب سيناريو هذه الأفلام او المتقدمين بها ان ينتجوا افلاما من خلال جوائز المهرجان المالية والمنح التي تقدمها الشركات او المؤسسات الخليجية .
ان ترسيخ دور الجهات الراعية والمانحة في صناعة الفيلم هو عنصر اضافي يدفع باتجاه مزيد من المنجز الأبداعي المقبل .
وبموازاة ذلك لابد من تأكيد وتعميق الحوار الخليجي – الخليجي بين صانعي الفيلم في هذه البلدان لأيجاد سبل التعاون وتاليا الأنتاج المشترك وتبادل الخبرات .
وعلى هذا ارى من المهم ان يشتمل المهرجان في دوراته المقبلة انشاء الله على ورش عمل صغيرة على هامش المهرجان ، واتفق مع من يقول ان لاجدوى من جلسات النقاش المفضي للأختلاف التي درجنا عليها ، لكنني لست ارى ذلك سببا كافيا لعدم التفكير في ورش العمل المتخصصة وايجاد محاور للنقاس في صيغة اوراق عمل تشتمل علي ايجاد سبل الأنتاج المشترك الخليجي .
وفي المقابل سيكون مفيدا ان ينظم المهرجان ايضا سوقا للسيناريو او بنكا للأفكار الفيلمية بمعنى ان يتيح الفرصة لأي كاتب سيناريو خليجي ان يقدم او يعرف بالسيناريو الذي كتبه من اجل ايجاد مصدر للتمويل او الأتفاق على الأنتاج .
وذلك يعني بالنسبة لي ان يكون المهرجان خليجيا خالصا تستبعد فيه الأفلام الأجنبية حتى ولو كانت خارج المسابقة لأنها يمكن ان تعرض وتشاهد في مهرجانات عربية اخرى لها هويتها واهدافها واستراتيجيتها المختلفة عن مهرجان الخليج في خصوصيته وأهدافه وذلك احد عناصر تميزه واختلافه عن سائر المهرجانات الأخرى التي تتيح عرض الأفلام من جميع ارجاء العالم .
من هنا ارى ان فكرة المهرجان واهدافه ستترسخ قدما فيما لو تم تحويل المهرجان من اطاره المتخصص بعروض الأفلام ومنح الجوائز فقط الى اهتمامه بتأسيس ورش عمل مصاحبة للعروض والمسابقة تتيح الترويج للفيلم الخليجي كما تفتح امام السينمائيين الخليجيين آفاقا واسعة للعمل المستقبلي من خلال العثور على مصادر التمويل والترويج والتسويق ذلك اني ارى في هذا المهرجان الأقليمي الجديد ارضا خصبة لمزيد من الأبداع الخليجي لاسيما وأن منظمي الدورة الأولى قد سجلوا نجاحا تنظيميا وأداريا ملحوظا على جميع المستويات وترسخت فكرتهم ومشروعهم الجرئ في تنظيم مهرجان الخليج وهو مايحسب للسيدين عبد الحميد جمعة ومسعود آل علي ومساعديهم من سينمائيين وفنيين واداريين رغم ضيق الوقت للتحضير للمهرجان