قطط ايران مثل شبابها يعيشون جميعا بعيدا عن الأضواء....
فيلم مليء بروح شابة متوثبة وبريئة وليست مؤذية ولا عدوانية.....
اصداء ترحيب واسعة رافقت الفيلم....
نقاد غربيون تساءلوا : كيف خرج الفيلم من طوق الرقابة الرسمية في ايران؟....
ترى ماالذي يريده جيل من الشباب الأيرانيين في يومنا هذا ؟ ماطموحاتهم ؟ مااحلامهم المؤجلة ؟ مارؤاهم ؟ كيف ينظرون لواقعهم ومستقبلهم ؟ ، هم جيل ورث (الثورة الأسلامية) بكل تقاليدها وتحولاتها ، جيل من الشباب مثل سائر الشباب في أي مكان يتوقون للعيش ، يتوقون للحرية والأمل والأنطلاق وطموحاتهم تتناسب مع ارداتهم وخيالهم ، لكنها قد لاتسنقيم مع واقع يفرض نفسه بقوة ولاسبيل ممكن لتغييره بسهولة ...
ولعل ذلك يقودنا الى السؤال عن تحولات هذا الجيل الأيراني الطموح الذي لايستطيع الا ان يكون جزءا من هذا العالم وذلك بسبب ماوفرته الحياة المعاصرة من امكانية التواصل مع العالم الخارجي بسهولة ..لكن كيف يكون الحال وهذا العالم الخارجي مجهول او شبه مجهول بالنسبة لهؤلاء الشباب ولديهم الرغبة العارمة لأكتشافه ؟
اسئلة عديدة يقدمها فيلم ( لااحد يعلم شيئا عن القطط الفارسية ) من خلال اختياره شريحة من الشباب وهم يمارسون حياتهم اليومية التي فيها قدر من الأختلاف عن كثير من اقرانهم ،قدر من الجرأة على الخوض في المستقبل المجهول ، المستقبل الأفتراضي الذي ينشدونه ويبحثون عن شكله ، مدينتهم مكتظة بالناس ، مكتظة بالحياة ، وايقاع كل شيء فيها خاطف ومتسارع والكل يجري الى مبتغاه ، والمدينة خليط من كل شيء ، العمل المضني ، المشردون ، العمارة الصماء التي تبحث لها عن معنى ، الفتيات الشابات اللائي يركضن وراء احلامهن ، النساء المتلفعات بالجلابيب ، الحمالون ، الباعة الصغار ، الرافعات التي تقيم البنيان ، قاع المدينة المدقع في الفقر ، كل هذا وغيره كثير في لقطات سريعة وقطع مونتاجي متلاحق يرافق مسيرة شاب وفتاة يقرران انشاء فرقة موسيقية ويبحثان عن مساندين للفكرة ويجدان فرقة للروك سرعان ماتنظم اليهم ، هؤلاء الشباب موضوع الفيلم
احلام العالم البعيد
شباب ايرانيون يعيشون في زمننا الراهن هذا وهم عاشقون للموسيقى ، والغربية منها خاصة ، كما انهم يحورون الأغاني الغربية خاصة اغاني الروك والراب وغيرها من الأغاني الأكثر شيوعا الى شكل من الأغاني الأيرانية هذه هي خلاصة هواياتهم واحلامهم الكبيرة ..ان يقدموا اعمالهم الى الملأ ولكن قبل ذلك ان يجدوا مكانات لأنجاز بروفاتهم ...فضلا عن انهم يقلدون حتى في مظهرهم مظاهر الموسيقيين والمغنين الغربيين وتتطور احلامهم وطموحاتهم الى السعي لتقديم اعمالهم في اوربا ولهذا تبدأ خططهم للسفر الى اوربا ..
ودوما ذلك العالم المترف موسيقيا ، العالم البعيد هو غاية منى هؤلاء ، لكن انى لهم ذلك وهم يواجهون المشكلات والعراقيل و اولها واهمها هي صعوبة حصولهم على وثيقة السفر او الفيزا ،اجل فثم ماهو غير معلن ولامحكي في الفيلم ، ولاتدري مااسبابه : اهو تحكم السلطات بالمنع ، ام هو الحصار الذي تفرضه العديد من البلدان الغربية على ايران وتضييق الخناق على السفر ومنح تأشيرات الدخول ..فما الحل ؟
صورة الحياة القلقة
تعصف بهؤلاء الشباب عاصفة من الأحباط والقلق وهم يرون حلمهم الكبير مهدد قبل ان يكبر ومهدد ان يجهض قبل ان يولد ..واذا لاسبيل غير اللجوء الى المزورين , وفي مشهد كوميدي يذهب اولئك الشباب جميعا الى المكان الذي يتواجد فيه الشخص المختص بالتزوير ومساعده ، وهما رجلان كهلان يقدمان لأولئك الشباب تسعيرة الحصول على الفيزا والجواز ابتداءا من الجواز الأفغاني والعراقي التي هي من ارخص الجوازات كما يقول ، صعودا الى الجواز الأوربي والأمريكي التي هي اغلاها جميعا .. ويعقد الشباب اتفاقا مع المزورين ويوافقون على دفع المبلغ الذي يطلبونه ، وخلال ذلك هم يتنقلون من مكان الى مكان لتنفيذ بروفاتهم وغالبا هم اربعة او خمسة شباب مع فتاة واحدة ..ولايظهرون في مكان الا ويكون مكانا خربا او متداعيا حتى انهم يعملون بروفة لأحد اعمالهم في زريبة للأبقار ..هكذا هي اماكن عيش وممارسة اولئك الشباب لهواياتهم ،محطمة وخربة وغير نظيفة لكنهم يواصلون مشوارهم في الغناء والموسيقى دونما انقطاع متنقلين من بيت الى بيت بالدراجة النارية ..وهم يمعنون في تقليد الشكل الغربي في الحياة رغم انهم يعيشون في فقر مدقع ، حتى ان احدهم يقتني كلبا ماتلبث الشرطة ان توقفهم وتنتزع الكلب منهم ، ثم تقتحم الشرطة بيت احد اولئك الشباب وتعثر في غرفته على اشرطة وافلام تعتبرها الشرطة من الممنوعات ويجري ضابط الشرطة تحقيقا ويمارس ضغطا كبيرا على الشاب الذي ينهار تماما ويبدأ بالتوسل والبكاء بسبب الخوف من العقاب ...
فسيفساء ايرانية منسية
وهكذا يعيش هؤلاء الشباب ملاحقون والحريات مضيقة عليهم من كل جانب في ايران اليوم لأنهم عاشقون للغناء والموسيقى كما يقول الفيلم وخلال ذلك كانت الأغاني والقطع الموسيقية الغربية التي يؤديها اولئك الشباب تظهر متوازية مع لقطات سريعة جدا لأوجه كثيرة جدا من الحياة اليومية للأيرانيين : في الشوارع ، في المطاعم ، في الأماكن السياحية ، الفقراء، المشردون ، المظاهر المعمارية ، مظاهر الأستهلاك ، صور سريعة لنساء ايرانيات ، صور كهول ، صور شهداء الحروب ، صور الشرطة ، صور الشوارع المزدحمة والعبور العشوائي للناس في الشوارع ، انه خليط فسيفسائي لحياة متدفقة وكثيفة ولكنها تصطدم غالبا بسقف الحريات الذي تعكسه قصة هؤلاء الشباب الذين تتحطم احلامهم فجأة عندما تلقي الشرطة القبض على الكهل الذي يقوم بالتزوير هو وعصابته فتذهب المبالغ التي اعطاها اولئك الشباب للمزورين سدى وكذلك احلامهم تتحطم..
فيلم بلا رقيب رسمي
هذه هي خلاصة الفيلم ، لكن الملفت للنظر هو ذلك النسيج الأجتماعي المختلف الذي يقدم صورة غير مرئية للمجتمع الأيراني اليوم ، صورة غير نمطية ولامتكررة ، صورة لايمنعها الرقيب الأيراني لكي ترى النور ، وان يكون لهؤلاء الشباب الحق في الحياة والأمل ، هم جزء من ذلك النسيج الأجتماعي والقيمي والديني ولكنهم في الوقت ذاته يحرصون تماما على تقديم صورة حياة اخرى موازية تكمل ماهو معروف ومألوف من حياة الأيرانيين اليوم ، الحياة غير المرئيى لهذا الجيل الشاب مليئة بالأضطراب والقلق والبحث عن الذات ..والرفض غير المعلن لما هو سائد وهو امر معلوم وممكن اذ ان ظاهرة رفض التسلط هي سمة عامة لنزوع جيل من الشباب للتغيير ..
لكن السؤال فيما يتعلق بالمعالجة الفيلمية هو كيف قدم المخرج شخصياته ؟
يمكن القول ودونما شك ان المخرج نجح في تسويق شخصياته وان يجعل الجمهور الغربي يتعاطف معها لاسيما وانه اختار موزعا فرنسيا محنكا ومحترفا لتوزيع فيلمه ممثلا في شركة التوزيع النشيطة (وايلد بانج) وهي التي كانت وراء جلبه الى مهرجان كان في دورته الأخيرة ..اذا هي شخصيات مقبولة ومألوفة ربما تقدم في الجانب الآخر من المعادلة صورة نمطية لنزوع شباب البلدان الفقيرة للسفر الى الغرب وكيف يتماهون ويقلدون جوانب من تلك الحياة الغربية .
لكن ذلك لم يكن يخلو من شيء من المبالغة والأسراف في عرض صورة شباب يقتنون احدث واغلى الآلات الموسيقية الغربية ولكنهم يعزفون موسيقاهم في داخل زريبة وبين الأبقار ...!!! هذه وغيرها من الصور ربما اراد المخرج من خلالها تعميق النظرة الأستشراقية وتأكيدها لدى مشاهده الغربي الذي يريد ان يرى ما تختزنه ذاكرته من صور مرة اخرى واخرى من منطلق: وشهد شاهد من اهلها ..
الخلاصة انه فيلم مليء بروح شابة متوثبة وبريئة وليست مؤذية ولا عدوانية ، تعيش منسجمة مع عالمها القيمي والأجتماعي الأيراني الواقعي البسيط لكنها تبحث عن احلام اكبر تريد تحقيقها ..وتحسب للفيلم تلك الجرعة العالية من الغناء الفرانكو- ايراني ، ان جاز التعبير أي الغناء الذي يمزج بين موسيقى والحان ايرانية وغربية وقد برع اولئك المغنون الشباب في اداء اغان شجية ورائعة في السياق الفيلمي ..
نجاح آخر مشهود يضاف للنجاحات الكبيرة السابقة للسينما الأيرانية على ايدي مخرجيها الكبار مثل : عباس كياروستامي ومجيد مجيدي ومحسن مخملباف وسميرة مخملباف وغيرهم من الأسماء المعروفة على النطاق العالمي والتي حصد مخرجوها العديد من الجوائز ..وهذا الفيلم الذي تحدثنا عنه عرض في مهرجان كان الأخير ضمن تظاهرة نظرة ما ونال احدى الجوائز ايضا .
بطاقة تعريف للفيلم
اخراج : بهمان غوبادي
المخرج من مواليد ايران 1969 اخرج حتى الأن خمسة افلام هي : وقت للخيول -2000 ، تقطعت في العراق -2002 ، داف 2003 ، السلاحف تستطيع الطيران 2004 ، نصف القمر -2006
التمثيل : نيكار شقاقي ، اشكان كوشانيجاد ، حميد بهداد ،
انتاج : ميج فيلم – ايران
التوزيع : وايلد بانج – فرنسا 2009