نظرة الى واقع السينما في العراق
1
مرة بعد مرة تحدثت في مقالات سابقة ربما في غير هذا المكان ، عن العديد من المعضلات التي تواجه الأنتاج الفيلمي في العراق ، وكان ذلك امتدادا لطروحات كثيرا ما اثيرت في مناسبات عدة من مؤتمرات وندوات وغيرها . ولكن من المؤسف ان يتواصل هذا الحديث ونطرح المعضلات دونما حد ادنى من الحل .
فعلى صعيد الأنتاج الحكومي هاهو معطل تماما ولا تدري ما هي ( الفلسفة ) من وراء هذا التراجع المضطرد للمؤسسة السينمائية ،سيقال انها الأوضاع الأمنية فيما لم تنجز مؤسسة السينما فيلما طوله خمس دقائق بينما واصل طلبة السينما انتاجهم لأفلام التخرج سنويا دونما توقف وقدموا افلاما جيدة وفيما واصلت جمعية سينمائيون عراقيون بلا حدود مهرجانها ، الكلام كثير والفعل اقل من القليل، الوزارات تترى والكراسي الأدارية يجري تبادلها والمسؤول يسافر ويغدو وهو يعلن ان الأماني السعيدة في جعبته وطوع بنانه فهو المنقذ للثقافة السمعبصرية ولاشيء يتغير واذ لانعرف ما هي الخارقية في ان يصبح المرء مسؤولا وهو عاجز عن فعل شيء ذا قيمة يتناسب مع تلك المسؤولية، ولن نذهب بعيدا في هذا ونطالب بمعجزات بل نبدأ من اعادة النظر بمؤسسة السينما واصلاح بناها وهياكلها الأدارية والأنتاجية .
هنالك خلل وعجز اداري متراكم وانعدام الأستعداد المؤسسي لأستيعاب الظاهرة وياما دبج القوم توصيات ونقاطا اجرائية للنهوض بالشأن السينمائي / الثقافي دون جدوى ، حتى يخال المرء انهم لايقرؤن ولا يتابعون والدليل انك لاتجد اي صدى لما يكتب في الصحافة في هذ الشأن لدى ( صناع القرار السينمائي / الثقافي ) ،فلايكاد يمر شهر واحد او اقل من ذلك دون ان تثار مسألة حيوية تتعلق بفاعلية السينما في بعدها الثقافي ، وكأننا نتحدث عن احاج ومعميات وطلاسم والمشكل المأساوي واضخ وفاضح : ان كثيرا من الذين يعنيهم الأمر بحكم المسؤولية الأدارية لاناقة لهم ولاجمل لا في السينما والأبداع ولا في حقل الثقافة ربما والا اروني ما انجزوه ... كلام الجرائد في شكل التصريحات الصحافية والسفر وتوقيع البريد اليومي ما هو شكلها السينمائي وما شكلها الثقافي .. لا ادري .
2
وفي كل الأحوال فأن تحريك هذا الراكد من احوالنا وان يطل الأداري من صومعته على المشهد السينمائي الثقافي وان يتفاعل مع الواقع ولو بالحد الأدنى لم يعد غير بدهية من البدهيات ... وريما كانت السهولة النسبية في اختراق المشهد السينمائي الثقافي هي وجه آخر من وجوه المأساة ، اذ لم يعد يعني شيئا عظيما تغير الزمان والوجوه في ادارة هذا المشهد فلا تسمع فعلا ولارد فعل سوى هذا الذي يقطب جبينه مستغربا عمن يكون هذا المدير او ذاك المسؤول اقصد ما سيرته الثقافية والأبداعية ومعرفته بأحوال الثقافة والسينما ودراسته الأكاديمية كي يدير مستقبل امة واستراتيجية شعب ويسأل نفسه بعدها : ترى ماذا تحقق ؟ ذلك ان الزمن الذي لم يكن في مستطاع الرأي العام ان يسأل المسؤول هذه الأسئلة الحاسمة بسبب الخوف السلطوي ... قد ولى الى غير رجعة ...
والقصة بعد كل هذا تمتد ارتجالا بعد ارتجال وتشويشا بعد تشويش والمحصلة واحدة : اننا منقطعون سينمائيا وثقافيا عن الحد الأدنى ان نكون مستقبليين وان لا نجتر تردي الماضي وخرابه ونعيد انتاجه اداريا وتنفيذيا والا فليست عبقرية عظيمة ان تغير الوجوه ولا تغير الرؤية ولا تغير الخطط ولا يكون هنالك حد ادنى من التطلع للغد والتفاعل مع العصر .
ان المستقبل لم يعد يتسع لآولئك الفصاميين الذين يسحرون بحضارة الغرب ويتلذذون تلقي مستحدثات الحضارة فيما هم يغرقون في انعدام الأمل في التطور ... ومن ذلك ان تتحول الثقافة السمعية البصرية الى نشاط ترفيهي وهامشي والمهرجان الى نشاط اعلاني من اجل الظهور لا غير وتتلاشى وراء قتامة الصورة ملامح الأبداع .
القصة فيما يخص السينما في العراق لم تعد مرتبطة بأي مسؤول كان او يكون بل هي جزء من اشكالية معقدة تتطلب وعيا متقدما بحق واطروحات ناضجة وعميقة ومتمكنة من اساسيات العملية الثقافية والتخطيط للتنمية الثقافية وهي مجتمعة طلاسم لدى غير المتخصصين والطارئين على العملية لأنها ثوابت تخصصية لاتقبل اي نزوع طارئ او خطوات مرتجلة وتمشية امور .
القصة تتعلق يما يجب ان يتخذ من تدابير عملية قصيرة وطويلة المدى وكلها غائبة عن المشهد وكلما اقتربنا من امل في مستقبل واعد لأبداع عراقي سينمائي وجدنا ان هنالك عوامل واسباب تعود بالفكرة الى نقطة الصفر والمربع الأول وعلينا بعدها ان ندبج المقالات ونعقد الندوات لنسمع القوم وننبههم ونساعدهم في مهمتهم الجسيمة .
3
لقد واكبت شخصيا ماجرى عقب 2003 وسقوط النظام وتحت وطأة الأحتلال واكبت كل ماجرى لسنوات ثلاث كنت فيها قريبا جدا من اروقة وزارة الثقافة وكنت اكثر قربا منها ايام الوزير مفيد الجزائري الذي كان كثيرا جدا ما يتصل بي و يستمع لي بأهتمام وكنا نلتقي في جلسات حوار مطولة وكان هنالك طموح متبادل كبير في التغيير التدريجي نحو ما هو افضل الا ان الرجل لم يصمد في الوزارة طويلا اذ سرعان ماجاءت انتخابات 2005 انذاك بوجوه جديدة جلها لاعلاقة لها بالسينما ولا الثقافة من منطلق ماعرف بتوزيع الحقائب الوزاريةبالقسط على السياسيين وذهبت حقيبة الثقافة ضحية لتقع بين يدي شخص بعيد كل البعد عن الثقافة ويوم التقيته مرة واحدة قررت ان لااكررها ابدا وجدت امامي رجلا جاهلا بالثقافة كل الجهل فمابالك بالحديث عن خطط للنهوض بمؤسسة السينما مثلا في بلد كالعراق فيه مافيه من خزين فكري وثقافي لاتحده حدود...
ويومذاك ، وخلال عملي رئيسا للقسم الثقافي في صحيفة الزمان الدولية ومحررا لصفحة السينما الأسبوعية في مكتب بغداد ، لم يكن عمودي الأسبوعي يخلو من شيء من هذه التصورات والرؤى لأيجاد البدائل وكانت تجد لها اصداءا كبيرة في اوساط السينمائيين والمشتغلين في حقل السينما واتذكر جيدا انه لم يكن يمر اسبوع واحد دون ان يتصل بي الفنان القدير الرائد ومعلم الأجيال يوسف العاني محييا ومناقشا ..وهذامثال من امثلة لاتعد من رجع الصدى ..
والقصة بعد هذا لاتخص شخصا ولا حالة بل هي الحالة العامة وتوصيفها من باب ان الثقافة العراقية والأبداع العراقي ومؤسسات الثقافة لايمكن ابدا ان تكون حكرا لأحد ولا اقطاعية فردية ولا فئوية في اي عهد وأية حقبة ولن تكون ابدا .. والمعيار الذي لايختلف عليه اثنان والذي يجب ان يكون عنوانا للمساءلة والنقاش هو حجم ومستوى ونوع الأنجاز وليس متسع الحكي والسجال وعدد السفرات والتصريحات الواعدة المفرغة من محتواها .
لاندري لم نعود مرارا الى قصة الأستعانة في كل صنعة بالصالح من اهلها .. الحكمة الأزلية التي لاخلاف عليها ... واما استسهال الأمور واستسهال اختراق الوسط الثقافي من باب صمته وسكوته او لامبالاته ازاء مايجري لا يعني ان لاتوجد عين بصيرة تقرأ وتاريخ يسجل ايام الناس وافعالهم على الأطلاق .
الملاذ الأخير لمحنة هذا الوطن ومخاضاته هي الثقافة والأبداع والتنوير والعقل والفكر المتجدد الخلاق... وما يؤسف له ان يصيب الثقافة ما يصيب مفاصل اخرى من ادراج الثقافة ومؤسساتها تحت نوازع وميول وأهواء السياسة وتقلباتها ومصالحها وهو ما لايسقيم مع جوهر العملية الثقافية المجردة من كل هذا النزوع غير الراشد