FESTIVAL INTERNATIONAL du FILM INDEPENDENT 2008

فيلم " ليلة البيبي دول" يتوج في مهرجان السينما المستقلة ببروكسل :

هل تنجح السينما في ايجاد حلول لأزمات العرب المستعصية ؟

د.طاهر علوان


ربما كان من المفيد ونحن نقرأ واقعنا العربي ومعضلاته المزمنة ان نوجه انظارنا صوب الأبداع في الفنون وكيف انعكس ذلك الواقع في ذلك الأبداع وخاصة في السينما ..وتلك مسألة مفصلية اساسة لابد من تأشيرها بسبب شمولية السينما وقربها من مساحات عريضة من الجمهور وقدرتها على قراءة الواقع قراءة موازية وعميقة .
لكن هذه الفرضيات كلها ستصدم سريعا بما نحن فيه من حال .. فتراجع السينما العربية انتاجا وتوزيعا وموضوعات لايخفى على احد ولهذا كانت الأفلام العربية القليلة التي يتم انتاجها سنويا مطالبة بقول الكثير مما لم تقله افلام عربية كثيرة كان ينبغي انتاجها لكنها لم تنتج ابدا وبقيت مجرد احلام تتراقص في مخيلات السينمائيين وجمهور المشاهدين على السواء .
من هذا انطلق في قراءة فيلم ليلة البيبي دول الذي شارك مؤخرا في المهرجان الدولي للسينما المستقلة في دورته الرابعة والثلاثين التي اقيمت في بروكسل ونال جائزة افضل سيناريو .
جاء الفيلم في اطار اهتمام وتكريس متميز من المهرجان ..من جهة دعوة ابرز نجوم الفيلم ، المخرج عادل اديب والممثل نور الشريف والمنتج ..هذا فضلا عن حضور كثيف وملحوظ للجاليات العربية وخاصة المصرية حيث اكتظت بهم صالة السينما مع استضافة نجوم الفيلم وترحيب حار بهم قبل العرض وبعده ..
اذا ..هي احتفالية كبيرة بالبيبي دول ، الفيلم وطاقمه ربما لم يحظ به في مهرجانات عربية ..!
المهم ..ان الجمهور العريض كان ازاء وجه آخر للسينما العربية والمصرية خاصة وهي تتصدى لقضايا حساسة تشغل العقل العربي والغربي على السواء بل وتشغل البشرية جمعاء في يومنا هذا مثل قضايا الأرهاب واحتلال العراق والقضية الفلسطينية وصورة الأنسان العربي وحياته اليومية ودور السلطة وصورتها ممثلة في اجهزة الأمن التي تكتم على انفاس الحريات وتستأصل الأمل من اجل استمرار الحال السلطوي الى امد غير محدود ..

محاور اساسية ومقتربات حساسة

يحكي الفيلم قصة تتعلق بأحداث تقع خلال العام 2007 وبضعة سنوات قبله لكنه ينطلق من واقعة الحادي عشر من سبتمبر ايلول التي يعيش فصولها ( حسام – الممثل محمود عبد العزيز)، الذي يعمل مرشدا سياحيا ويصادف وجوده في الولايات المتحدة مع وقوع الحدث ، وبينما تنشغل الناس بتلك الواقعة واصدائها ينشغل حسام بالأستعداد للعودة الى مصر بعد غيبة عام كامل وبصحبة وفد امريكي وسنعرف فيما بعد ان سبب بقاء حسام في امريكا لعام كامل كان للعلاج من العقم ، ولهذا يقدم حسام مشاهد كوميدية وهو يشتري هدية لزوجته وهي قميص نوم – بيبي دول – وفي طائرة العودة سنتعرف على ليلى علوي وهي يهودية امريكية تترأس جمعية للحوار والسلام وجاءت لحظور مؤتمر في القاهرة . الحوار معها يكشف اتقانها العربية ومعرفتها بالواقع العربي خلال ذلك وبعد وصول الوفد الى المطار يكون هم حسام الأول هو ملاقاة زوجته حالما بشهر عسل جديد معها ، فيما تجري في المطار تحوطات استقبال الوفد الأمريكي ويكون الأرهابي عوضين الأسيوطي (نور الشريف) مراقبا كل شيء عن كثب ومستعدا لتفجير الفندق الذي يقيم فيه الوفد وهو يصحب سائق سيارة الأجرة (شكري )الممثل السوري جمال اسماعيل الذي يشاركه نزعاته الثورية ولكنه يخالفه في استهداف الأبرياء ، والصدفة وحدها تجعل حسام ان يلتقي بسائق سيارة الأجرة هذا ويتعرف من خلاله على مسيرة عوضين الأسيوطي اذ سنعرف ان سائق سيارة الأجرة كان قد اعتقل بتهم سياسية ايام كان طالبا جامعيا وكان عليه ان يختار تهمة واحدة من اثنتين تختصر في كلمتين هما : هل انت ( اخ) ام ( رفيق) ، أي هل انت من الأخوان المسلمين ام من الشيوعيين ؟ ولأنه ليس من الأثنين فأنه يجبر بالضرب على ان يختار احدهما والأسيوطي هو الذي سيخلصه من كثير من المشكلات في السجن والأسيوطي ايضا ذا وجه آخر فهو علاوة على نضاله الطلابي واعتقاله فأنه احد العائدين من افغانستان والمطلوبين للعدالة.وهو ايضا سافر للعراق مساندا ( مقاومة ) الأحتلال بينما صديقته المراسلة الصحافية يلتقي بها في بغداد بعد سنين وهي تغطي الأحداث الساخنة في الشرق الأوسط وهي اختارت تلك المهنة : مهنة المصاعب تخلصا من حب قديم ربطهما ؟ واما صديقته الأخرى الناشطة اليهودية من اجل السلام فتسحقها دبابة اسرائيلية وسط الأحتجاجات وهو يعتقل في ابو غريب ويعذب ويعتدى عليه جنسيا واما حسام فهمه ترتيب ليلة لقاء حميمة مع زوجته سميحة (الممثلة السورية سولاف فواخرجي) دونما جدوى .

مسار الشخصيات وتحولاتها

يكتظ الفيلم بالعديد من الشخصيات التي يعيش كل منها ازماته ومشكلاته الخاصة ابتداءا من القاع حيث السائق زغلول ( الممثل احمد مكي ) الذي يتعاطى المخدرات هربا من واقعه وهو خلال ذلك يطرب لأغنية شعبية شائعة للمطرب شعبولا : انا اكره اسرائيل ، وهو يكررها مرارا وهكذا تصبح قضية فلسطين والأسرائيليين واحتلال العراق وامريكا والمساعدات الأمريكية لمصر ، تصبح كلها محور احاديث متشعبة وطويلة تارة بين السائق والأرهابي الأسيوطي وبين حسام وصديقه السائق وبين حسام والمسؤولة الأمريكية وبين حسام وخاله الثري عزمي (الممثل عزت ابو عوف ) الذي يسعى لتمرير صفقات تجارية مع الوفد الأمريكي الذي يكون احد اعضائه جنرالا امريكيا متداعيا كان المسؤول عن التعذيب في سجن ابو غريب هو الجنرال بيتر (الممثل جميل راتب ) وتشاء الصدف ان يكون حاضرا في الوفد .ويتحول الحديث عن هذه القضايا اليومية والأساسية التي ينشغل بها العرب والعالم الى شكل من المحاضرات المطولة والسجالات التي تدين اسرائيل لماتفعله بحق الفلسطينيين وتدين خاصة بوش لقراراته بخوض الحرب وان الأرهاب في العالم ماهو الا رد فعل لما تقترفه امريكا واسرائيل ..هذه هي الرسالة التي يريد الفيلم ايصالها ولكن وسط كم كبير من الحوارات المطولة التي تحتاج الى كثير من التشذيب والتكثيف وترك الصورة لتتكلم بدل تلك الحوارات الطويلة .

المزيج بين الكوميديا والتصعيد الدراماتيكي

نجح المخرج وكاتب السيناريو الى حد كبير في الموازنة مابين ذلك الثقل في التصعيد الدرامي وحوارات الشخصيات الطويلة وبين المشاهد الكوميدية ومحاولات حسام اللقاء والأنفراد بزوجته عازفة الجلو حيث باعت شقتها قبل وصول زوجها وسكنت مع صديقة لها ولهذا صار همهما هو اللقاء والأختلاء لليلة واحدة قبيل العودة الى الولايات المتحدة ، لكن كل الظروف المحيطة بهما تقف ضدهما سواء في الفندق الذي يفترض ان يسكن فيه حسام او في استعارة شقة صديقة الزوجة وصولا الى شقة صديق حسام السائق الذي يقتله الأرهابي الأسيوطي لشكه في الأبلاغ عنه .
وخلال ذلك تصبح شخصية حسام هي الموازن الموضوعي للأحداث الدراماتيكية المأساوية التي يعج بها الفيلم من مشاهد الحرب والقتل والتعذيب ..اذ كانت اطلالته مقترنة بتحول في مسار الدراما كما انه ينجح الى حد كبير في اجتذاب المشاهد لأداءه وكل همه هو لقاء زوجته كي ينجبوا اولادا تتخيل الزوجة سحناتهم وملامحهم ولون شعرهم وعيونهم ..اما حسام القادم من امريكا فقد ضاعت حقيبته التي فيها هديته لزوجته وهي قميص النوم بيبي دول الشهير وبينما يبحث حسام عن حقيبته وفيها البيبي دول فأن الأرهابي الأسيوطي يبحث في المقابل عن الريموت كونترول الذي يزمع استخدامه لتفجير الفندق وتجري كل تلك المجريات على خلفية حدثين هما زواج احد العاملين مع حسام في السياحة في تلك الليلة واحتفال الجميع بليلة عيد الميلاد بقدوم العام الجديد .

صورة احتلال العراق

يحضر المشهد العراقي بشكل واسع في هذا الفيلم وخاصة فيما يتعلق بأصداء الأحتلال ومخلفاته لكن ليس عن بعد بل يعمد الفيلم الى تقديم صورة عن قرب من خلال سفر الأسيوطي ، صاحب التاريخ السابق في افغانستان للألتحاق بمن هم ضد الأحتلال ، لكنه بدل ان يكون قريبا من الواقع العراقي حقيقة فأنه يمارس مقاومته من احد فنادق الخمسة نجوم في بغداد والتي يقيم فيها الصحافيون عادة ولهذا تقع المصادفة في لقاءه بفتاة كان قد فارقها لسنوات ويجدها تعمل مراسلة صحافية في الأماكن الساخنة من العالم من فلسطين الى العراق الى افغانستان الى جنوب لبنان معرضة نفسها الى الخطر لا لشيء الا لغرض ان تنسى قصة حبها مع الأسيوطي ..!
في كل حال يلتقي الأسيوطي مصادفة ايضا مع الجنرال الأمريكي المسؤول عن سجن ابو غريب ولايمر وقت طويل حتى يحل الأسيوطي نفسه ضيفا على ذلك السجن . ولعل واحدة من العلامات الفارقة في الفيلم هي قيام المخرج باستنساخ احوال سجن ابو غريب الرهيب حيث يجري تعذيب الأسيوطي بشتى صنوف العذاب من الصعق الكهربائي الى نهش الكلاب الى الأغتصاب وانتهاءا بقطع عضوه الذكري ولهذا تنشأ في نفس الأسيوطي نزعة الأنتقام .
واذا كنا بصدد الحديث عن صورة العراق في الفيلم فأن ما يسجل على الفيلم التقصير في الأستعانة بشخصية عراقية او اكثر في الفيلم ولهذا بدا مشهدا ممجوجا وركيكا ذاك الذي قدم محاولة موظف الفندق الكلام باللهجة العراقية دون جدوى وحيث لم يوفق في ذلك .
وتكرر الأمر ولكن بشكل اضعف وذلك في مشهد ركوب الأسيوطي سيارة الأجرة الى جانب سائقه العراقي المفترض ( الممثل محمود الجندي ) الذي يحدثه عن العراق واحواله وذلك في بيئة تتساقط فيها الثلوج ولا ادري اين مكان تلك البيئة اهي في شمال العراق مثلا ؟ المهم ان السائق بلهجته التي هي خليط من لهجة الصعايدة والخليجيين والشوام وبضع مفردات عراقية ركيكة ، يسعى الى نقل صورة الواقع العراقي الذي لايختلف كثيرا عما تنقله الفضائيات المحرضة على الكراهية والعنف الطائفي ولهذا تتكرر لازمة احوال العراق قبل الرئيس المخلوع وبعده لدرجة ان ذلك السائق يقرر ان الحال كان افضل مما كان عليه الآن ويردد القصص نفسها المسموعة عبر الفضائيات من الصورة النمطية للعراقيين .




قصص متعددة في فيلم واحد

يبدو ان صانعي الفيلم ارادو قول كل شيء ومناقشة اغلب القضايا الراهنة من خلال هذا الفيلم ..اذ لو تمت مناقشة كل قضية على حدة لكانت هنالك حاجة لأكثر من فيلم واحد بسبب تعدد الأفكار التي حملها الفيلم والتي عجز احيانا عن نقلها بالصورة ولهذا كان البديل الأسهل هو الحوارات ثم الحوارات : حوارات مطولة مسهبة مترهلة تكرر مايسمعه ويعيشه المواطن العربي من مشكلات مزمنة وبعضها كان اقرب الى الخطب منه الى لغة الحوار السينمائي الذي يحتاج الى لغة مكثفة موجزة ودالة ولهذا كان بالأمكان اختصار كثير جدا من الحوارات .
لقد كان من صالح الفيلم لو تم اختصار الأفكار العديدة التي ناقشها اذ بدا امرا غريبا ان كلما ذكر اسم بلاد فيها ازمات ان تذهب الى هناك الا اذا كانت هنالك ضرورة درامية لذلك ..والا ما جدوى نقل مشهد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي ظهرت في الفيلم من وجهة نظر حسام وما هو الفرق فيما لو سمع عنها او شاهدها على شاشات التلفزيون ؟ والمسألة الأخرى الغريبة : هي انه بمجرد ان تذكرت تلك السيدة الأمريكية اليهودية ابادة جدتها وجدها في معسكرات الأعتقال النازية فقد تم مباشرة الأنتقال الى هناك ..رغم انه لابد من الأشارة بكل اخلاص ان مشاهد المعتقلات النازية كانت من اجمل المشاهد في الفيلم في بنائها وفي الشخصيات والأجواء لكن لم يكن هنالك من رابط قوي بينها وبين مجريات الفيلم اذ لايعقل ان كلما مر بأحدى الشخصيات ذكرى يتم نقل تفاصيلها وكذلك الحال في مشهد التظاهرات المؤيدة للسلام ضد الجيش الأسرائيلي والتي انتهت بفاجعة سحق صديقة عوضين الأسيوطي تحت عجلات دبابة اسرائيلية .
واستمرارا للترهل وتعبيرا عنه حصل ذلك الأنتقال الغريب والتحول المفاجئ في شخصية حسام الذي كان في اول حواراته مع صديقه سائق سيارة الأجرة بعيدا تماما عن السياسة ، حذرا في اجاباته واذا به يتحول فجأة الى ثرثار كبير في السياسة ومتشدد جدا في آرائه ودون ان يكون لذلك التحول من سبب ملموس او دافع حقيقي .

جماليات التصوير والأضاءة والموسيقى

مما لاشك فيه ان التصوير احتل مرتبة مهمة من ناحية الكفاءة والجودة اذا ابدع مدير التصوير الأنكليزي( هوج مانلي) في نقل مشاهد الفيلم بطريقة متميزة عبرت عن اجواء محتقنة تارة واجواء كوميدية تارة اخرى ومابين النقيضين كان مدير التصوير متمكنا في ملاحقة الشخصيات وتتبع افعالها بطريقة متقنة ومبدعة وكذلك الحال في استخدام الأضاءة وحركة الكاميرا .
وبدا الجهد الكبير ايضا في المونتاج (مونتاج منى ربيع ) وذلك بسبب كثرة التفاصيل وكثرة الأنتقالات المكانية من بلد الى آخر ولهذا كانت مهمة المونتير ليست بالسهلة على الأطلاق اذ ان المخرج في كل هذه الأنتقالات السريعة والمتلاحقة قد اضاف الى كاهل المونتير اعباءا اضافية نجح في حلها بنجاح .
وينطبق الأمر على الموسيقى التصويرية اذ اجاد ياسر عبد الرحمن في استخدام الموسيقى وزجها في صميم حركة الفيلم كما انه وازن بين طبيعة الموسيقى المستخدمة بحسب البلد الذي تجري فيه الأحداث


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اقرأ في ارشيف المدونة ايضا:

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels