الواقعية السحرية في افلام المخرج اريك رومر...

فيلم (حكايةالخريف، 1998) انموذجا....

فيونا أي . فيليلا...

...Viona A.Villella

فيونا اي فيليلا تعمل محررة مشاركة في موقع احاسيس سينمائية وناقدة سينمائية مقيمة في ملبورن – استراليا....

ترجمة د.طاهر علوان

(لقد اعتاد المشاهد و لمدة طويلةعلى ترجمة الإشارة البصرية، وإلى استخراج حقيقة مفادها : لماذا كل صورة هناك لها القابلية على تقييم الواقعية البسيطة.)

إيريك رومر

قدم فيلم حكاية الخريف، شخصية ماكالي Magali (بياتريس روماند ) وهي تشرح لصديقتها القديمة إيزابيل (ماري ريفيير ) نوع العلاقة الحميمية التي تربطها بحقول الكروم . كانت ترسم تضاريس الموقف كما لو كانت ترسم بريشة فنان، تحترم وتعبر عن خواص الطبيعة ، وخلال هذا بدت رافضة ومعارضة ان تتحول تلك العلاقة بالمكان الى علاقة عمل او تجارة بينما الواقع يحتم ان يستغل المكان من اجل عملية صناعية فضلا عن التصدير الذي ترتبط بالمنتوج الزراعي .

الشيء نفسه يمكن ان يقال عن المخرج اريك رومر وعلاقته بالواقعية والتي تتمثل في صناعته للفيلم . ومن المنطلق الشكلي والأسلوبي فـأنه لم يفرض وجهة نظر او تفسير محدد من خلال الأفلام التي انجزها كما انه يتصنع احساسا او زمنا .في مقابل هذا وجدنا رومر وقد راقب بدقة شخصياته وحالاتهم بطريقة مستقلة او منفصلة ، محايدة ،بسيطة وجديرة بالأحترام .

لقد تعامل رومر مع الواقع من اجل ان يولد ايقاع من ذلك الواقع ، تأثيره و تعقيداته وكل ذلك من اجل اكتشاف وتقديم الجمال وروحه الكامنة .لقد كانت ميزة افلام رومر انها افلاما آسرة للمشاهدين وذلك من خلال طابعها المادي والحسي عبر تلك الواقعية الفيلمية اصوات زقزقة الطيور ، لعبة الظل والضوء وانعكاساتها على وجه روسين ( الممثلة اليكسيا بورتال ) في فيلم حكاية الخريف ، إبتسامة إيزابيل في تلك اللحظة وكأنها يعاد اكتشافها ، ثم اثر الريح المتدفقة وهكذا. هذه لحظات هي لحظات "واقعية سحرية".

ان حالة المخرج رومر هي فريدةُ حقا . بالرغم من أن خبرته كانت قد بَدأتْ بين متطرفي الموجةِ الجديدةِ في السينما الفرنسيةِ، فأن رؤيته المحددة وخاصة كلاسيكياته المقترنه بأسلوبه الشفاف في صناعة الفيلم كانت مختلفة كليا عن اساليب اقرانه السينمائيين . لقد كانت افكاره السينمائية اكثر قربا من افكار اندريه بازان (وهو كان مقاربا له في العمر ايضا ). خلال الستّينات و' السبعينات وهي حقبة الحداثة المتعسكرة ، لم يكن رومر يخشى ان يتحول الى مجرد مخرج كلاسيكي . وكما قال يوما في مقابلةأجريت معه في سنة 1971: سؤال : - "ماوجهة نظرك عما يجري للفيلم الآن ؟ هل تعتقد بأن نوعا جديدا مِن السينما سيأتي إلى الوجود؟ الجواب : "بالنسبة لي ان ماهو جديد حقا هو تلك الأفكارِ التي لاترتبط بزمن ".

في بيان مشهور كشف رومر عن رؤيته للسينما : "ليست السينما كما ستنتهي او تؤول بل بكونها تعبر عن وسائل ". ان تقنيات السينما،هي اولا و قبل كل شيء، لها قابلية فريدة لإعادة إنتاج الحقيقةِ بشكل دقيق مع ذلك فأن هذه الرؤيةِ تتقاطع مع وجهة النظر المحافظة والجوهرية تجاه العالمِ، انها تمرر أسلوبا متفردا في صُنعِ الأفلام. ان ميزة رومر انه إنساني ومعتدل؛ تعرض افلامه نقاطَ الضعف، التشويش، عدم استقرار الشخصيات كلحظات "صغيرة" ولكنها تقدم بطريقة غير مألوفة .

في مقابلة اخرى ضمن مائدة مستديرة مَع عدد من النقاد ، يؤكد رومر ارتباط الواقعية التي يؤمن بها بمرحلة الفيلم الصامت وتحديدل بأعمال لوميير .

يقول : من خلال هذه الأفلامِ فقد بقينا مع بإنطباعِ اننا نرى العالم بعيون مختلفة . انها افلام تجعلنا نتعلم كيف نعجب بأشياء لم نكن نعلم بها وكيف نعجب بها في اشكالها الأصلية .الناس تسير في الشوارع ، الأطفال يلعبون ، القطار يسير ، لاشيء غير معتاد لكن هذا هو مدخل الأحساس بالدهشة وهي في قناعتي المسألة الأكثر اهمية " .

اضافة الى ذلك كان رومر يُؤمنُ بالجمالِ الضروريِ للعالمِ ومثل هذه اللحظاتِ "العاديةِ"، هي الطريق التي يصور من خلالها هذه اللحظاتِ إلأستثنائيةُ. بواسطة التأطير و والقطع الدقيقِ، لفت إلأنتباه إلى لعبة الضوءِ الطبيعيِ ، تصميم الصوت الذي يندمج بنص بأصوات الحياة الحقيقية . أفلام تحرك فينا دهشة المشاهدة حقا .وكما هي الموسيقى، فأنك ترى الشخصيات وهي تتحرك برشاقة، وبشعور عميق وعاطفةِ تتوارى خلف المظهر الرسميِ.

بالرغم من أن الفلمِ والموسيقى يتشابهان في التركيبِ والتأثير، الا ان قوانينهما تختلفُ بشكل جذري. ان السينما بأعتبارها فنا ادائيا ، فأنها تمتلك قوتها من خلال فعل الأكتشاف وعرض الحقيقةِ في صلابتِها وقوتها المادّيه.وعند المخرج رومر نجد ان بناء المشهد السينمائي يتضمن اعادة تقديم القصة من خلال اية وسائل مادية ، المظهر الفيزيائي للشخصيات ، كلماتهم ، نغمات اصواتهم فضلا عن التأطير والمونتاج .

السينما حتى في الأفلام الروائية هي اداة للأكتشاف ،ولأنها شاعرية فأنها تكشف المزيد ، ولأنها تكشف فأنها شعرية .

ومما لاشك فيه ان اهتمام رومر وحرصه على تقديم الأشياء كما هي فأنه يبعد تأثير التقنية التي تؤثر في صنع الميلودراما ( لهذا فأنه لايستخدم الموسيقى في افلامه ) وأية تقنيات يمكن القول انها تفرض وجهة نظر على واقعية رومر ، ان سمة الوضوح والتماسك في رؤية رومر قد اوجدت سينما أسطوريةَ مبكّرةَ فضلا عن الظهور الأولَ للعالمِ الذي تمت اعادة إنتاجه ميكانيكياً؛ ان الأنطباع الأول لإنتقال الأجسامِ عبر المكان ؛ السحر في التَأْطير والأقتراب من الحقيقةِ؛ كل هذا يقود الى التساؤل العجيب الذي يظهر على السطح في كلّ يومِ وعن الذي يجري تصويره واعادة انتاجه من خلال الضوءِ والزمان والمكان .

على نقيض هذا كله نجد ان رومر يمزج ( ويحقق موازنة بين مايمزج ) ، يمزج واقع صناعة الفيلم ببعده النصي والمادي - والمحصلة هي ايروتيكية الواقع .. ومع السرد الهوليوودي الذي يتميز بالشفافية . إنّ الميلَ الى ماذكرناه آنفا صار سائدُ جداً في آخر عرض لحكاية الفصول الأربعة من ( حكاية الخريف 1998 ).

على خلاف فيلم حكايةِ الصيفِ (Conte d'ete، 1996) وأفلام سابقةاخرى له ، فأن رومر لايبني القصة على ايام قد خلت ، وحيث يعلن عن ولادة يوم جديد من خلال العنوان الثانوي ، الذي لَه دور في تَصعيد التأثير "الأنثوغرافيِ"هذه الأفلامِ. في فيلم حكاية الخريف هنالك القطع المونتاجي والأحداث جديرة بالأهمية . مع ذلك يَبقى الأحساس "ألأنثوغرافي جديرا بالأنتباه وذلك على مستويات الصوتِ والصورة، وعلى مستوى تفصيلات الزمان والملمس وطبيعة الشخصِية.

وامتدادا للطبيعة الأنسانية التي تتميز بها افلام رومر فأننا نلمس وفاءه للشخصية والمكان في تلك الأفلام لِذلك تجده يبني وينظم عناصر مهمة في افلامه مثل :عمر الشخصِية , عرض فترة محددة من حياتِها، التاريخ الذي تقع فيه الأحداث في السنة ، الموسم ، اليوم، الوقت من ذلك اليومِ ثم المدينة والبلد.

فمثلا فيلم حكاية الخريف يركز من البداية على تقديم الموسيقى والغناء للتعبير عن حياة القرون الوسطى .

في بداية الفيلم هنالك الأصوات الواضحة لزقزقة الطيور مع ظهور تدريجي للصور مؤطر بعناية ، ثم لقطات للشوارعِ الضيّقةِ والطويلةِ , ثم ملمس البنايات في تلك المدينة الصغيرة وكلها تزج بالمشاهد في ماهو محدد وآني. ان من هو معتاد على مشاهدة افلام رومر يعلم جيدا ويتوقع انه سيشاهد كل هذا بالرغم من ان اغلب مشاهد الفيلم كانت قد صورت في اماكن طبيعية وحقيقية ساحرة .وهنا لابد من القول ان رومر لاينغمس في رومانسية عالم الطبيعة مطلقا ، ( وماذا ترى بأمكان المرء ان يحدد بالنسبة لصانع فيلم سياسي ) في المقابل فأن مايأسره هو عمليا هو العالم اليومي لشخصياته .

وعلى سبيل المثال، هنالك الإتّصال الفطري بين الفتاة ماكالي ومزرعة الكروم التي تلعب دورا مهما في حياتها ، وحيث تقدم المشاهد في وادي منطقة الراين وحيث شخصيتها الحيوية والصلبة وحيث تظهر وهي في المقدمة دائما ، مسيطرة على اطار الصورة كما لو كانت تسير على النبات بثقة وبلا مبالاة وهي تقود ايزابيل .

في ظل هذا كله سيكون من الصعب التغاضي عن الجمال الفطري للريف وللقرية الصغيرة التي تم بناؤها لأجل هذه القصة فضلا عن الطريقةالعملية للأيحاء بشكل حساس ومتقن للمشاهد في سياق احتفالي بالحياة . حكاية الخريف هي وصية واقعية ذات بعدإنساني , هي إحتفال بالحياة وبكل حالات غموضها وتشوشها . وهناك الكثير مما يقال عن تلك الحبكة البلورية التي تقدم صورة ما للقرون الوسطى ، انها خريف الحياة ، انها الحقبة التي يفترض فيها العالم ان الأشياء في اماكنها الصحيحة ، او يجب ان تكون كذلك ، وحيث هنالك درجة معينة مِن إلأنجازِ والأحساس بالسعادة قد تم بلوغهما ويشعر المرء بالأستقرار لدى بلوغ السنوات الأخيرة من العمر .

وفي كل الأحوال فأن رومر يكشف من خيال ازيائه المعتادة والبارعة عن كل هذا الغموض والشك ، مشاعر الخوف وعدم الراحة لدى شخصياته وهي في منتصف العمر .

ويقدم الفيلم شخصية ماكالي المحنكة صانعة النبيذ وهي تعيش وحيدة ، اولادها وزوجها قد غادروا ، وهي في حواراتها مع صديقتها ايزابيل تكشف عن وحدتها . ومن بين ذلك مشهد متميز اوحى بهذا الأحساس مباشرة تدفق في العاطفة الممزوجة بالألم والأحساس العميق بالوحدة. ولعل الكلمات المتبادلة بين الشخصيات تفصح عن مجموعة من المعطيات : الخط المتتابع للأفكار ، الأيقاع والتأطير ، الأسلوب العفوي والمباشر ، وكل هذا مع مظهر ماكالي القوي والغليظ لتتباين كلها في لحظة واحدة مع الشعور بالأنكسار الممزوج بالرغبة في الأندفاع .

ثم يأتي موضوع ايجاد شريك لماكالي ليمثل القوة الموجهة للسرد والمحور الذي من خلاله تتجه افعال ودوافع ايزابيل وروسين .

ان تردد اصداء شخصية ماكالي من خلال شخصية ديلفين (الممثلة ماري ريفيير ) في فيلم في الحرير الأخضر (1986)،وحيث يتم التعبير عن الأحساس بالوحدة بشكل متحرك و بشكل مؤثّر وشاعري مِن قِبل رومر في إيقاعات تعبر عن لحظات الأحساس بالوحدة. ان الأحساس العميق لدى ديلفين وقد تجسد في الشعاعِ المواكب للحظات الغروبِ - وكان أداء رومر هو الأكثر وضوحاً في هذا الفيلم بالقياس الى باقي أفلامِه. إن التشابهات بين الحرير الأخضر والحكاية الخريفية واضحة في عكسِ رومر الرائع للأدوارِ والشخصِيات من خلال المشاهد المصنوعة بعناية في كلا الفيلمين .

ولنعد إلى فيلم حكايةً الخريفً. فكما تتبعنا إيزابيل في لقائِها مَع جيرالد (ألين ليبولت )، الرجل الذي يرد على إعلانَها، واللقاءات الأخرى التالية ، فأن الدوافع بدت متزايدة ولكنها تثير التساؤل. لقد انفقت مزيدا من الوقت مع جيرالد ثم مع ماكالي ،ورغم ان ايزابيل تظهر وكأنها مبعوث قادم من اجل ماكالي فقد كان هنالك احساس كثيف يربط بين إيزابيل وجيرالد كصديقين لاينفصلان بسهولة .تستشعر الشخصيات بهذه الكثافة : ايزابيل شبه ثملة وفي حالة استرخاء وتعبر عن رغبتها في ان تكون مرغوبا فيها بينما يرتعش جيرالد قليلا وهو بالقرب منها ولقد بدا قلق إيزابيل في اللقطة الأخيرة وتأكيد عدم ركونها للراحة وهي تتساءل "انى لرومر استكشاف كل هذا بتلك البراعة؟" .

وتبدو روزين مثل نموذج مثالي عند رومر مثل كائن يافع ، جذاب الشكل ، يتسم بالبراءة ، لبقة ومهذارة في الحديث عن علاقات الحب ، وهاهي تنذر صديقها معلمِ الفلسفة السابقِ ، بأنّهم سَيرون بعضهم البعض بشكل مؤقت وحتى يعثر هو على إمرأةً أخرى وبعد هذا سيكونون مجرد أصدقاءَ. لقد كان ذلك الفعل الذي يعكس نزعات إيزابيل في موقفِها المقلقِ نحو الحب والرغبة .


مشاهد ...اماكن ...وتيارات

مشهد الناقد السينمائي بصفته شارحا للصورة

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي أولى مهمات الناقد الذي اعتاد ، وعوّد معه قرّائه على هذه المهمة ، أو هذه الوظيفة.
والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد ، أو غير المحايد الذي يساعد على الدفع بالصورة إلى حيز التداول..

الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها ، أو صانعيها... ليس غير قائمة الأسماء التي ترافق افتتاح الصورة أو اختتامها، المقصود أسماء المشاركين في صناعة / إنتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الأصوات/ الحركة..
الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..
فضالته الأولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. إنها البنية السيميائية الافتراضية من العلامات التي تستند إليها المكونات الثلاثة.
ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، إنها وظيفة بعد صورية أي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.
شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية أو غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.
إنه من أجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى أنها (تعقد) وظيفـــــــته ، أو تضيف إليها بعداً نظريا وذهنيا.

الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة
إن الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر إليها أحيانا على أنها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة ، وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد إلى مهمة (مؤقتة) ، وليست ملزمة لكينونة الفيلم.
ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فإنه يلجأ إلى أيسر وأقصر الطرق وأقلها خسارة في مهمتــه ، وأكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ، ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. إنها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. أو قصصيا يستوجــب الأمر أن توضح ملابساته وتركيبه.
لكن هذا المقترب إلى (المتن الحكائي) وإلى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد ، وطرائق وأساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من أجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.
شارح الصورة.. إن كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أدواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.
وعلى هذا.. كان لزاما عليه أن يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..
ولأنها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة إلى طريقة انتقائية تامة.. إذ ينتقي من بنية الفيلم أو ما عُرف بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لأن التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة، وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول إلى الهدف..

وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي ، وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما أسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..
هذا التركيب الاصطلاحي.. أجده اقرب إلى ما أنا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية وإعادة نظر ، وقراءة لوظيفة النقد السينمائي ، وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.
البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي: (الخطاب السينمائي من الكلمة إلى الصورة)..

وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. أي بين النص والخطاب المكتوب ، والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل آخر يشكل معضلة أمام (شارح الصورة).. فهو غير مهيأ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي إلى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية أمام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية

......................................................................................................................................

Documentaries

الفيلم الوثائقي"ملاكي " للمخرج اللبناني خليل زعرور

...................................................................................................................

تراجيديا مفقودي الحرب ، المكان ، الشخصيات المعالجة ، والشكل المبتكر

اناس لانعرفهم ولم نرهم من قبل ، ولاندري ان كنا سنلتقيهم ام لا ، ولسنا على موعد للقائهم الا ان تجتذبنا الشاشة البيضاء لكي تنسج امامنا قصصا من حياتهم واهوائهم وتعرفنا : من هم وكيف يفكرون ولم يعانون ؟ هم اولئك الذين يسيرون مع سيرورة هذه الحياة ، هم جزء حي منها بكل مافيها ، وعلى هذا اتخذت السينما الوثائقية لنفسها عينا راصدة تواكب تلك الحياة غير المرئية ، تعيد اكتشافها ، استخراجها من زمانها ومكانها حياة يصر الوثائقيون المخضرمون على انها لايجب ابدا ان تخضع الى التعديل والتغيير والتجميل ، قبح الحياة وتبعثرها وتشتتها في السينما الوثائقية هو نوع من جمالياتها ، اية معادلة غريبة هذه ، لكنها معادلة تختصر سؤالنا : هل على الفيلم الوثائقي ان يجري تغييرا وتعديلا على الواقع ام يقبله كما هو ؟ لاشك انه سجال جديد قديم تراكم مع تراكم المنجز الوثائقي حتى ظل هذا الفيلم غير جدير بالشهرة ولا بالأهمية احيانا وصالات ودول معدودة تلك التي تعرض الفيلم الوثائقي ضمن برامج عروضها ، وحتى شاشات التلفزة الفضائية فأن السواد الأعظم منها غير مكترث بالسينما الوثائقية ولا يدرج في برامجه شيئا من انجازها ، وبموازاة ذلك تبرز مسألة الموضوعات التي تطرحها السينما الوثائقية في كونها اقرب الى الريبورتاج الصحافي منها الى النوع السينمائي المستقل الذي تظهر من خلاله مهارة المبدع كما هي في هذا الفيلم الذي اعده شخصيا احد اهم الأفلام التي شاهدتها في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي مع انه لم ينل جائزة ولم يكتب عنه الكثير .

ملخص موضوع الفيلم

ربما يكون استثناءا ان نتوقف عند الموضوع وهو في شكل تسلسل في الفكرة والمضمون كما في التتابع الصوري ، كما هي الحال في هذا الفيلم ، يعرض الفيلم لخمسة او ستة نماذج ، هي قصص سيدات لبنانيات فقدن اعزائهن في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها العام 1975 ، ولكل واحدة منهن عالمها المرتبط بذلك العزيز المفقود ، فهذه فقدت والدها وهي طفلة وتلك فقدت زوجها اما البقية فقد فقدن ابناءهن .

تعيش كل امرأة منهن تفاصيل الفقدان وتسترجعه على طريقتها الخاصة التي امعن فيها المخرج واعاد صياغتها على طريقته التي بدت اقرب الى الحكايات الوثائقية المحاطة بشكل فني وجمالي ربما جاء مختلفا .وخلال ذلك تبقى اصوات الفجيعة صاخبة وصارخة فالضحايا تعيش قصصهم في وجدان الناس على اختلافهم وكل منهم يعبر عن ذلك الفقدان بطريقته الخاصة التي تحمل كثيرا من الأسى والشجن .

مقتربات اساسية في الفكرة والمعالجة والبناء

لعل هذا الفيلم يحمل تفردا خاصا في لغتته السينمائية حتى اني اعده احد افضل الأفلام الوثائقية التي عرضت في مهرجان دبي في هذه الدورة , نحت خليل زعرور هذه القصص ومامرتبط بها من وقائع نحتا ، كنا نعيش قلق الشخصيات واحزانها ودبيبها الصامت وهي ترمق المكان وتغادر بعيدا مع الذكريات التي خلفها المفقودون ولعل العلامة الفارقة هنا هي السرد الفيلمي الذي وان كان الفيلم وثائقيا الا ان المعالجة حتمت علينا ان نتابع ماترويه السيدات من قصصهن . وفي واقع الأمر اننا لم نجد انفسنا امام قصة معروفة ومألوفة وسبق وسمعناها ، بل نحن امام موضوع وقضية غير مطلوب منا ان نتعاطف مع اسر الضحايا الا اننا لابد ان نهتز وجدانيا ازاء مايجري امامنا .

وبالرغم من ان السيدات لم يفعلن غير استرجاع الماضي والذكريات والحنين للأعزاء وترقب عودتهم والأمل في ذلك الا اننا كنا امام دراما تتجذر في قرارة الشخصيات وتتسرب الينا ولهذا لم نكن نملك الا ان نتابع فصول تلك القصص المتنوعة الثرة :

الفتاة التي تسترجع ذكرى والدها من خلال بدلته وساعته وهي واقفة في غرفة خربة

الأم التي تسترجع صورة ابناءها وهي جالسة على كرسي قريب من البحر

السيدة التي تسترجع صورة زوجها وهي جالسة وسط الصقيع والثلج

الأم التي يختصر وجود ابنائها وعودتهم بالحياة الأجتماعية اليومية ، ان تطبخ لهم وترعاهم

الزوجة التي تسترجع ايام الحفلات العائلية

تراجيديا المكان الوثائقي

يمتلك المخرج عير هذا الفيلم تفردا خاصا مهما تمثل في توظيف المكان توظيفا متقنا وفريدا ، المكان عنده حي وناطق ، ويكمل الشخصية ويتناغم معها ويردد صدى كلماتها واحاسيسها ، وهو امر نفتقده في كثير من الأفلام سواء منها الوثائقية وحتى الروائية ، المكان يبدو واضحا انه مكان مصنوع وواضح ان المخرج يأتي بشخصياته الى الأماكن التي يختارها هو ومنها مثلا محطة وعربات القطار القديمة المحطمة ، البيت الخرب الذي تستذكر فيه المرأة اباها ، وغيرذلك لكن المخرج لايكتفي بذلك بل يمضي قدما في استثمار المكان فهو يحاول ان يمنحه بعدا آخر ربما كان شعريا وحتى سرياليا في بعض الأحيان وهو في سياق صنعه للمكان من خلال تفصيلات محددة وتوظيف للأكسسوارات فمثلا يأتي بخزانة ملابس فديمة ليس فيها سوى علاقة الملابس تحركها الريح او يأتي بساعة ضخمة معطلة ويضعها في فضاء مفتوح وهكذا بينما يستخدم لازمة الشجرة واغصانها المتيبسة وهي لازمة تتكرر في الفيلم مصحوبة بحركة كاميرا (ترافيلنغ) تنزل مستعرضة المكان ، وحيث لعبت حركات الكاميرا دورا جماليا مهما اضافيا .

..................................................................................................................


الفيلم"الوثائقي احلام الزبالين" للمخرجة مي اسكندر

صورة كفاح مذهل واصرار على الحياة

يوميات مجتمع منسي وسط اكوام من القمامة

لم اكن شخصيا سعيدا بعرض هذا الفيلم للوهلة الأولى وخاصة خلال العشرين دقيقة الأولى بسبب انه يعرض كل هذا البؤس الذي يعيشه معدمون فقراء في المقطم واجزاء اخرى من ضواحي القاهرة وهم في وسط كارثة بيئية لاانسانية في وسط اكوام القمامة ،وهو مشهد ينكرر في مدن وحواظر عربية اخرى كما نعلم ، لم اكن سعيدا لشعوري ان المشاركة المصرية كان يمكن ان تقدم افضل من هذا الفيلم لما فيه من حساسية اظهار واقع مزري ومأساوي من جراء الفقر المدقع الذي تعيشه شريحة من الشعب المصري ، الا ان ماتلا ذلك غير كثيرا من قلقي الشخصي ، فالفيلم قدم وجها آخر من اوجه الأرادة الأنسانية ، ارادة هذا الأنسان الصابر المكافح الذي حتى وهو في يعيش تحت اكثر ظروف العيش قسوة فأنه قادر على ان يحيا ويتشبث بالحياة ويصنع من ذلك الحطام شيئا ما ، شباب لم تقتل ظروف الحياة القاسية التي يعيشونها املهم في الحياة وحبهم للآخرين وانفتاحهم والبسمة التي لاتفارق وجوههم ، نعم هم شباب وجدوا انفسهم في واقع لم يصنعوه بأرادتهم بل ورثوه عن ابائهم وعائلاتهم التي اتخذت من جمع القمامة مهنة لها ، هم افراد مجتمع كامل يعد بعشرات الألوف من الذين يمتهنون هذه المهنة ولايجدون مهنة او لايعرفون مهنة سواها ...هم الشريحة التي تعيش على الهامش ، طموحاتها بسيطة وتعيش وهي بالكاد تواصل العيش وسط اكوام لاحدود لها من القمامة ...هو عالم بالكاد تجد فيه مساحة للحياة الطبيعية النظيفة ، كأنك تعيش مع الشخصيات ولاتكاد تلتقط انفاسك بحثا عن الهواء النقي والملبس النظيف والطعام والماء غير الملوث ...لاتملك الا ان تتعاطف مع التمسك بالصبر وروح الكفاح وقوة الشخصية التي صنعتها قسوة الحياة .

يوميات

يقدم الفيلم بضعة شخصيات بمثابة عينة من تلك الآلاف المؤلفة من العاملين في جمع القمامة ( ادهم ) ، (نبيل ) ، (ليلى) واصدقائهم وعائلاتهم الطيبة البسيطة ، هم قد انتظموا في جمعية تنظمشؤونهم فيما تؤدي ليلى دورا رائعا بل هي محور هام في الفيلم فهي التي تغذي في المجموعة روح الصبر والأستمرار بل انها تعلن منذ البداية انها فتحت عينيها في هذه الدنيا وهي تعيش في هذه البيئة في مجتمع الزبالين وهي لا ولن تخرج منه ولا تريد ذلك وتقول ايضا انها تعد نفسها كمثل السمكة اذا اخرجت من الماء فلن تستطيع العيش ، تقوم ليلى بدور محوري في توعية اولئك الشباب من الزبالين وعائلاتهم ، توعية صحية واجتماعية ، وهي توفر لهم (الطعوم ) المضادة للجروح والألتهابات المصاحبة للعمل في القمامة ومايترتب عليها من اخطار جمة ، تتنقل ليلى بين احبائها واصدقائها الذين يشكلون مجتمع الزبالين وبين تربية ورعاية طفلها وغالبا ماتظهر حسنة الهندام ، انيقة المظهر وكأنها تعيش في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ...وهي تجمع شمل هؤلاء الشباب في جمعية فيلتقون جميعا ويناقشون اوضاعهم ومستقبلهم وكل مايخصهم ثم يتطور الأمر الى بدء هذا المركز البسيط توفير دروس القراءة والكتابة للزبالين وتعليم الكومبيوتر ثم بدء مرحلة جديدة هي التعامل بشكل واعي مع الموضوع من وجهة نظر بيئية .

ننتقل بعدها الى اولئك الشباب الثلاثة (نبيل وادهم ) ولكل منهم قصة ، لكن قصصهم تلتقي في المستقبل : ان يتعلموا ، ان يتطوروا ، ان يكون لهم مستقبل ما ، ان تكون لكل منهم الزوجة والحبيبة التي يحلم بها ، هم يعيشون احلامهم وهم يعومون في ذلك العالم القاتم المريع الذي يحفهم ولكنه لايوقف الأمل في داخلهم ، بالطبع قسم كبير من المجموعة هم من الأقباط ولهذا نشاهدهم وهم يؤمون الكنيسة لأداء الصلوات وحضور القداس ، ومع ذلك لايستطيع ادهم ان يترك مهنته كزبال بل يقوم بجمع الأوراق والنفايات من حول الكنيسة وهو يقول ان الناس ممكن تسخر مني الا انني سعيد بأداء هذا العمل في خدمة الكنيسة وتنظيف المكان .

ننتقل بعدها الى جهد شاق آخر يقوم به اولئك الزبالون المكافحون الا او هو القيام بفرز النفايات بحسب انواعها : الورق ، علب البلاستيك ، علب الشامبو والعصير والأجسام والنفايات المعدنية ثم يقومون بحمل تلك الأكوام الهائلة مجددا الى معامل فيها مكائن بدائية تقوم بفرم النفايات ثم لتجمع في اكياس كبيرة من البلاستك لتباع الى المعامل المتخصصة بالبلاستيك او الورق .

............................................................................................

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الناقد

Advertisement

*
Powered by Blogger.
**
مرحبا بكم في "ابعاد" في حلتها الجديدة ..السنة الخامسة .. مدونة د.طاهر علوان...وثائقيات ..."نانوك ابن الشمال " عبقرية فلاهيرتي ..هيرزوج الذي يحلم ماشيا .وثائقيات .فيلم العراق في شظايا ..وثائقيات .فيلم دموع غزة .وثائقيات .فيلم احلام الزبالين .وثائقيات .فيلم ملاكي...مشاهد واماكن وتيارات : حوار مع مايكل هانيكة ..جدل الرواية والفيلم في "الحب في زمن الكوليرا " وفيلم / رواية الرحلة الأخيرة ..الفانتازيا السينمائية ..احلام رولان بارت ...ليلة المشاعر والقلوب المحطمة :سينما المودافار..من رجل الخفاش الى ملك الخاتم غرائبية لاتنتهي ..بنية الفيلم القصير ..قوة الوثيقة السينمائية ..تجربة المخرج الأيطالي انطونيوني ..شاعر السينما بيرجمان ..شعرية السرد السينمائي ..فيلم افاتر ..فيلم نبي ..فيلم ملح هذا البحر ...تجربة المخرج طارق صالح ..والعديد من الموضوعات الأخرى

وثائقيات ........................Documentaries

سينما وثائقية ....Documentary Film
........................
contact
warshacinema@gmail.com

نانوك ابن الشمال ...عبقرية فلاهيرتي

ربما كان دافع الأنسان في الأكتشاف ،دافع رسم افقا لأنسان اللحظة المحاصر بكل مايحيط به ، اعادة قراءة للواقع ..البحث في ماهو لامرئي وبعيد عن الأدراك المعتاد واليومي ..هكذا بأمكان الذاكرة ان تتشظى والحواسان تحلق في فضاء لاتحده حدود ..وكذلك سمع وبصر وحواس مبدع غير معني بالسينما ابدا بل بلذة الأكتشاف وليس غير الفيلم اداة فاعلة لتحقيق مثل هذا الأكتشاف ..هذه هي خلاصة روبرت فلاهرتي(1881-1951) ، الأب الروحي والرائد بلا منازع للسينما الوثائقية ، يعيش طويلا مع اقوام لايجدون لذة فيالحياة من دونما صراع يومي من اجل القوت والبقاء ..ويكافح فلاهيرتي معهم طويلا ثم يحمل كاميرته الى القطب حيث يكتشف ذلك الكائن الوديع المكافح (نانوك) وهنالك بالضبط ترعرعت سينما وثائقية خلاقة مازالت تعلم الأجيال ...نانوك ، عبر ثلاثية مطولة ربما كانت عزفا على رومانسية وثائقية مثقلة بالشقاء ايضا ، بسبب قسوة المكان وشظف العيش حيث يقضي نانوك جوعا فيما بعد ، فلاهيرتي يؤسسس لوعي عميق بالزمان والمكان والشخصيات ، لم يلبث بعد هذا الفيلم الذي اكمله في حوالي العام 1923 لينتقل الى اماكن جزر تشهد كفاح الأنسان ايضا في الساحل الغربي لأيرلندا حيث حقق فلاهرتي رائعته الخالدة (رجل من اران)..

Nanook of the north

هيرزوج الذي يحلم ماشيا

ربما هي خلاصة تعبر عن احد اهم اعمدة السينما الألمانية ،هيرزوج (1942) ، الأنسان الحاص ، والسينمائي الشامل ، الساخط على عالم اكثر تعاسة وتشتتا وغرابة ، ولهذا فهو ماض في الغوص في الخبايا الشاسعة ...يمضي بلا كلل ..يقطع الاف الكيومترات مشيا ، هذا هو ، غير مكترث لأي شيء سوى ان يرى ويرصد ويعيش اللحظة المأزومة والزمن المثقل بالتحولات والمصاعب ، هو غير مكترث بأي شيء سوى ان يرى وان يكون عينا راصدة عبر الفيلم الوثائقي اكثر وعيا وحرفية وبمستوى مايريد ويحلم ..هو احد ركائز السينما الألمانية الجديدة واحد المع رمزها ومبدعيها ...في فيلمه ( الأزرق الوحشي هناك-2006) ثم انسان مأزوم تحاصره الطبيعة ويجوس هو في ظلماتها وقسوتها ليطلق نشيدا انسانيا مؤثرا ، اخرج وكتب السيناريو لأكثر من 40 فيلما وحتى آخر افلامهالوثائقية (كهف الأحلام غير المنسية 2010) ليس كافيا بالنسبة بهيزوج ان تكون حيا والحياة نابضة من حولك ، بل ان تقلب الصورة ايا كانت وتبحث عن وجه الحقيقة غير المرئي ، عن الألم والقسوة والجدل بين الأنسان والكون والطبيعة ...ذلك هو عالم هيزوج الشاسع الفريد الذي لايكترث الا بأن يكون ..وان يعني شيئا

Werner Hrzog

العراق في شظايا

هي بحق التجربة الواقعية الصادقة ، السينما الوثائقية تحفر عميقا في هذه التجربة وتقدم واقعا متشظيا ، واقع هو صورة عراق يدرك شخوصه انهم يتشظون حسيا ويتشظى كل شيء من حولهم في اشد الأزمنة عصفا ابان الأحتلال ومايشبه حربا كونية صبتت فيه الأمبراطورية حممها على الرؤوس بلا رحمة ..يحرص المخرج الشاب جيمس لونجلي على المراقبة الواعية لحياة الشخصيات اليومية ..فعلها من قبل في رائعته (قطاع غزة)-2002 ، اذ يثب الى اكثر الأماكن تعقيدا وسخونة ووسط صخب مايجري يترك كاميرته ان تعيش حياة الناس بصبر واناة ...هو كمن يدرب شخصياته او يدفعها ان تقول وتفعل ماتشعر به فعليا وتنسى تلك العين الثاقبة الراصدة ..في هذا الفيلم (انتاج 2006) هنالك فتى في احدى ورشات السيارات لاتملك الا ان تتفاعل معه وهو يردد حواره اليومي المكرر مع (الأسطة او مالك الورشة ) ثم ندرك ان ذلك العالم البعيد في تلك الورشة الصغيرة المنسية انما يقع في عين العاصفة حيث مراكز القوى والصراع السياسي والأحزاب والخطابات ودبابات ومجنزرات الأمبراطورية ...المخرج هنا معني بذلك العالم غير المرئي في قلب العراق ، بغداد صعودا الى قوميات واعراق واقليات ...انها دراما كامنة في حياة الشخصيات وتحولاتها ..وهي تتشظى وتلتحم ثم تتشظى من جديد ...

Iraq in fragements

دموع غزة

هناك حيث لايسمع انين وصرخات الضحايا احد ...الرصاص المصبوب مثل رقصة الطيور الذبيحة حيث تختض الأرض وتصب آلة القتل حممها على الناس ...تمعن المخرجة النرويجية (فيبيك لوكيبرج- مواليد 1945) في العيش مع الحدث وتقديم الدراما الهائلة للفتك بكل شيء حيث تحصد الآلة الحربية الأسرائيلية كل شيء ، آلة قتل عميااء تتنقل من بيت لبيت ومن شارع الى شارع لاتستثني احدا كائنا حيا او جماد، كل هؤلاء اعداء اسرائيل ولهذا تجرب فيهم آلته الحربية وكأنها في مواجهة جيوش جرارة : في مشهد القتل الكل يبحث عن الكل ، الأمهات عن الأبناء والأطفال عن امهاتهم ، هي مثل لعبة قمار عبثية تمارسها آلة القتل فحيثما تتوقف عجلة الروليت الحربية فأنها تقصف وتقتل وتقطع البشر وتحطم البيوت على رؤوس ساكنيها .تستخدم المخرجة وسائلها التعبيرية لتحتشد في نسق صوري – صوتي تعبيري متدفق بتدفق الكارثة وتعدد فصولها ..فالموت الحتمي تدركه المخرجة وهي تلج بكاميرتها في وسط الهيب والفجيعة ، العالم الصامت المتفرج كأنه يكتب كلمة ادانته من خلال اللاادانة المباشرة ولكن كلش شيء يدين مايجري من نزال بربري وهمجي يبد العزل وينتصر للخرافات والأوهام ..مابين هذا كله تبرز هذه المخرجة التي عاشت مع السينما الوثائقية منذ حوالي اربعين عاما وماتزال وبالرغم من قلة عدد افلامها (سبعة افلام منذ العام 1967 حتى الآن) ..الا ان فيلم دموع غزة يعد بحق قمة ماقدمته ومايحق لها ان تفتخر به ..

Gaza Tears

Malaki : khalel zaarourملاكي ..لخليل زعرور

فيلم احلام الزبالين للمخرجة مي اسكندر

اقرأ في ارشيف المدونة ايضا:

اغنيتي المفضلة من اديث بياف

Followers

About Us

Film Dimensions
Film Dimensions
View my complete profile

TEST SIDEBAR 3

Labels